تأتي الدهشة التي يخلقها الابداع ومنه فن الرسم من مكان غير مألوف لذاكرة المشاهد الذي طالما يرى تكويناتها وألوانها وخطوطها المختلفة بعينيه المحدقتين المتفحصتين اللتين تقفان أحياناً لدقائق أمام عمل فني لثوان وتنتقل مسرعة وأحياناً تتوقف لا تتحرك من مكانها وكأن صعقة خفيّة من نشوة الجمال تسري بين العين والروح عبر الذهن الذي يميل إلى التعبير المميّز دون أن يعلم لماذا؟
ربما هو المجهول الذي لا نعرفه وفجأة نراه متجسداً في عمل تعبيري فني أو حروفي كتابي يأخذ بذاكرتنا إلى تدوينات ذهنيّة لا نحس بها لكنها مخزونة في لاوعينا الذي يتحرك كتوأم مع وعينا الذي تستبيحه العاديات التافهة من الواقع اليومي الذي نمارسه جميعاً نحن البشر أو لربما القدرة الخلاقة والموهبة الابداعيّة في التكوين والابتكار التي يمتلكها البعض منّا ولا يملكها جميعنا
فيكون فضولنا الانساني من يقف ليكتشف تلك القدرات التي يسمو بها القليل ممن له القدرة على كتابة قصيدة شعريّة عظيمة مثل آرثور رامبو أو روايّة صعبة مثل جميس جويس أو لوحة مبتكرة مثل بيكاسو أو سمفونيّة رائعة مثل بيتهوفن .
ومهما يكن التفسير يبقى هذا الانجذاب الخفي المعلن بين الانسان وفنه الذي طالما أراد منه أن يحاكي الطبيعة التي فتنته لدرجة أن قهرته وهزمته لكنّها علمته بعض التأمل من أجل الوصول إلى مفاتيحها التي تحتاج إلى المهارة قبل كل شيء التي يتقنها الرسام منتصر والي مما جعلته قادراً على خلق تكوينات لونيّة هائلة بثلاث ألوان يحركها كما يشاء بدرايّة فائقة وكأنه ولِد ليمتهن لعبة تخفيف الألوان بتمرير أصابعه على سطحها لتصبح لوحة تستحق التأمل والوقوف عندها خاصة عندما تكون القدرة في تنوعين فنه بين رسوم الطبيعة التي يحرص أن يجعلها متخيّلة بين الحقيقة والخيال لا تخضع لمكانها أو زمانها أو حتى اسمها المعروفة به وشخوصها كذلك في رسوم الشخوص البورتريت التي طالما يرسمها بهيئة غير مكتملة غير واضحة الملامح بألوان لا تضيء الا بعض الزوايا التي يشاء هو أن يضع عليها نقطة حمراء أو صفراء صغيرة أو خطّاً ناحلاً لا تكاد العين أن تراه من فرشاته السحريّة لتتنفس في اللوحة بمجمل تكويناتها وألوانها وكأنّها قطعة فنيّة متكاملة تشدّ بعضها وقد لفت انتباهي قدرته على انتاج فن تجريدي لا يقفز لبهرجة الألوان بل ابتكار الخطوط التي تأتي أشبه برموز غامضة لها مرجعيّة فلسفيّة ربما تكون نفسيّة تاريخيّة أو تداعيات عصريّة خلقتها هجرات واقامات الرسام بين وطنه العراق وبعض العواصم العربيّة ومحل اقامته الحاليّة في مدينة ملبورن الأستراليّة الخضراء التي يحاول الرسام أن يجسد معالمها برؤيّة لونيّة مختلفة ومعاصرة تشتغل على الكتل اللونيّة الكبيرة التي تتوافق وتصميم الأماكن والشوارع فيها وحركة وايقاع حيواتها الصاخبة المتغيرة بمواطنيها متعددي الاثنيات والأعراق والجنسيات والأهم بأشكال أشجارها المميّزة التي لاتنتمي الا إلى بيئة استراليا وحدها
والرسام منتصر والي بمجمل أعماله الفنيّة يمتلك خصوصيّة بارزة تخلقها جرأته التي تحركها فطرته الهائلة التي لا تخضع لصورة الأشياء المسبقة المفروضة على العين والعقل أحياناً بل هي عنده مغامرة تأتي بلحظتها الآنيّة تحركها فرشاته التي تتنقل على سطح اللوحة بهدوء تام لتعيد خلق ماتقع عليه بألوان محدودة.
يذّكر أن الرسام أقام معارض كثيرة في بلاده العراق وبعض العواصم العربيّة منها الدوحة عاصمة دولة قطر .

عقيل منقوش أستراليا المصادف السادس عشر من حزيران
ملاحظة : لا يسمح بإعادة نشر هذا المقال في أي موقع ورقي أو الكتروني دون الرجوع للكاتب
ومن يخالف ذلك يتعرض للمساءلة القانونيّة ,