إيلاف من الرياض: من يقرأ تقديم الدكتور عبدالعزيز المقالح لديوان شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، الذي كتبه قبل 43 عامًا، يدرك أن الأدب ومنه الشعر في ذلك البلد الذي شهد أحداثا لافتة على مر التاريخ ولا زال يعاني تبعاتها إلى اليوم، صار "موقفاً وقضية "، ولعله كان "إنقلابًا"، وأصبحت الكلمة فيه وسيلة للتعبير عما يجيش في صدور الملايين، وسلاحًا كفاحيًا على طريق الثورة وتحقيق أحلام الجماهير وأمالها في العدل والحرية والمساواة والإستقرار، ليعود اليمن سعيدًا.

المشهد اليمني

من يتابع المشهد اليمني اليوم، ويعود إلى تلك الأصوات التي ارتفعت قبل عقود، كأصوات الزبيري والموشكي والأرياني والعزب والبردوني، يشعر كأنها تعبر اليوم عن المشهد الحالي وكأن أيام هؤلاء الشعراء هي أيام اليمن ماضيًا وحاضرًا، ونأمل الا تكون مستقبلًا.

يقول المقالح في تقديمه الجميل لديوان عبدالله البردوني "معري اليمن": "إن اسم صنعاء حين نذكره في القاهرة او الجزائر، في تونس او روما او برلين، غير اسم صنعاء حين نردده في الصافية أو في شارع عبدالمغني، او في ميدان التحرير. وديوان من "أرض بلقيس" الذي احتفلنا بمولده في 1961م غير ديوان "لعيني أم بلقيس" الذي لم نحتفل بمولده عام 1975 م، رغم أن أم بلقيس هي أرض بلقيس. و "في طريق الفجر" ابن عام 1986 م غير "السفر إلى الأيام الخضر"، مع ان كليهما تعبير عن رحلة نفسية وروحية تبحث في قاع الروح اليمنية الغافية عن بقايا ريش الحضارة المطمورة علّها تصنع من تلك البقايا المتناثرة أجنحة جديدة للتحليق إلى "مدينة الغد" و "مدينة الغد" ديوان من الشعر حبيبًا إلى نفسي".

يورد المقالح قول الشاعر والكاتب والمسرحي الألماني بريخت : "الحديث عن الأشجار يوشك ان يكون جريمة... لأنه يعني الصمت على جرائم ...). تلك هي الحقيقة الناصعة فعندما يكون سيف الإرهاب مسلطًا على الرؤوس لا تنظر العيون إلى السماء حيث تتلألأ النجوم وإنما تنظر إلى الأرض حيث السيف يوشك ان يسقط على الرقاب فيحزها كما تحز السكين رقبة الخروف".

البعد الزمني

واعتبر المقالح أن الأيام - أيام الشاعر - جزء من فنه وبعده الزمني ضارب في بعده الفني والموضوعي، وأيام البردوني هي أيام اليمن، في بلد ضرير كل ما فيه أعمى أو يدعو إلى العمى. ويعتقد المقالح أن أصوات الزبيري والموشكي والأرياني والعزب كانت قد مهدت الطريق أمام جيل جديد من الشعراء، وفتحت للشعر بابا تاريخيا جديدًا يتجاوز معه الشاعر أسباب التخلف، لافتا إلى ان من أهم مظاهر الإنقلاب الذي حدث في الشعر بعد ظهور هؤلاء الشعراء محاولة الانفصال عن اشكال التعبير الموروثة، وبروز أسماء جديدة ربما كان في مقدمتها الشاعر عبدالله البردوني.

وشدد المقالح بالقول إن الشعر في بلادنا موقف، وضع قواعده شعراء الشهداء، هذا الشعر الذي أصبح ظاهرة فريدة متميزة في الشعر العربي المعاصر، القضية - إذًا - اصبحت واضحة أمام جيل الشعراء الاصغر سنًا والاقل تجربة التوق نوح المستقبل والصمود في ساحة الحاضر، ومواجهة الهول الأكبر، وتحدي المخلوقات المخوفة.

شذت الأصوات

قال المقالح: "لقد شذت تلك الأصوات عن قاعدة مدح الجلاد حيث خرج البردوني الضرير عن المألوف وفي صوت لا أقوى من روعته وبساطته وإشراقته وقال عن إحدى هذه المخلوقات المخيفة - الإمام احمد - الذي يهدد بإبادة الشعب كله":

لا لم ينم شعب ويحرق صدره جرح على لهب العذاب مسهد
شعبٌ يريد ولا يال كأنه مما يكابد في الجحيم مقيد
أهلا بعاصفة الحوادث إنها في الحي أنفاس الحياة ترددُ

وأشار المقالح في تقديمه للديوان الذي صدر قبل 43 عامًا ، وهو يتحدث عن الشعر في بلاده وتحولاته إلى ان الشعر تحول إلى زلزال داخل النفس يغني ويبكي ، يحدث كل ذلك في اغوار النفس الشاعرة ، لقد استطاع الشاعر بعد لأي أن يمتلك التجربة فامتلكته التجربة ، فلا تصدقوا - إذن - هدوءه الظاهر أنه في أعماقه يطبخ النجوم ويطحن الرياح .