كشفت مجلة "الفلسفة" الفرنسية في عددها الأخير الصادر في مطلع أبريل-نيسان الحالي عن علاقة غرام مُلتهبة بين ألبير كامو وسيمون دو بوفوار، رفيقة عدوه اللدود جان بول سارتر. وقد ظلت هذه العلاقة مجهولة إلى حدّ هذه الساعة. وقد يكون سارتر عالمًا بها. لذا ساءت علاقته بصاحب "أسطورة سيزيف" ليُشهر عليه الحرب فلسفيًا، ساخرا من وجوديته "العرجاء". كما أنه تألم شديد الألم لحصول كامو على جائزة نوبل للآداب في عام1957. أما هو فلم يحصل عليها إلاّ في عام 1964، أي بعد وفاة غريمه بأربع سنوات. لذلك رفضها.

في واحدة من رسائله إلى عشيقته السرية سيمون دو بوفوار التي لقبها بـ"سيسي" بتاريخ 12 أكتوبر\ تشرين الأول1951، كتب ألبير كامو يقول: "عذْبتي سيسي: أنت تعلمين أني لست رجل الفيْض العاطفي. و"العواطف المتكلفة هي التي تكشف لنا الحقراء والأنذال" كما يقول مايرينك. أنا أيضا أحذر وأرتاب من الفورات العاطفية الاستعراضية. مع ذلك فإن كل لقاء من لقاءاتنا يُولّدُ فيّ شيئًا من الغنائية أحرص في الحين على لجمها وكبتها. وأنت تعرفين أيضا أنه ليس هناك خلاص إلاّ في الفن والفعل. وأنت تقيمين صلة بين الاثنين بالنسبة لي. وهل هناك حلم أروع وأجمل من هذا بين كائنين؟ أنت سمفونيتي، وروحي، ولوحتي الفنية، ونعمتي، وعنايتي الإلهية في نفس الوقت، وبكل بساطة الرفيقة التي ما كنت أظنّ أني سأتعرّف عليها في وحدة الطريق الذي اختاره كل واحد منا(هذا إن لم يكن هو الذي اختارنا). والفنان من دون ربّة الوحي هو لا شيء. وهذا التسطح، اعذريني، ربما يليق بكل رجل. الفعل إذن، وأظن أيضا أنك تعطيني منه الكثير الكثير. وهذا يمكن أن يكون كافيًا لحياة كاملة: نور للبل اليومي، ولـ"تعاظم الظلمات" (تعبير جذاب نطقت به) عندما تصبح ضرورة الانسحاب مُلحّة جدا تجاه كل اضطرابات العالم. وهل هناك جوقة أفضل من ذراعيك حولي. قبلك كان لي إحساس بأنني كنت أعيش قُسُومة مُتحيل. غير أن الحقيقة هي الشيء الأشدّ لمعانا، والأشد سطوعا حين تنفجر. لهذا، ومن دون شك، نحن نقضي كل حياتنا في الظل. لكن للتدقيق، لا يتعلق الأمر بنصف عتمة، بما أن الجانب الآخر جد لامع بحيث يتحتم علينا أن نحمي أنفسنا منه من خلال أشكال الغيرة التي نحتفظ بها منه. وأنا لا أستطرد هنا، وما أنا أبحثُ عن التعبير عنه بشكل أخرق أنه لم يعد بإمكاني اعماء بصيرتي عن هذا الفخر البخْس الذي يجتثّه الذكور من استقلاليتهم مادية كانت أم اجتماعية أم عاطفية: أحبك يا سيسيتي، وأنا آخذ بعين الاعتبار هذه الكلمات حيث أنك تشتكين بأني في العادة أكون مقتصدا فيها، وضنينا بها. وأنا أعرف ماذا تعني في الوضع الذي نحن فيه. وهذا يجعلني سعيدًا. وإذن لماذا نحرم أنفسنا من السعادة حين تنبثق فجأة؟ ...لنحيا...

أما سيمون دو بوفوار فقد بعثت بإحدى رسائلها إلى ألبير كامو من دون تاريخ، وفيها كتبت تقول مخاطبة إياه بـ"الكوجر"(الأسد الأمريكي):

عزيزي الكوجر، يا لها من سعادة أن أقرأك من جديد. كل رسالة منك تُبهجني، وتجتثني من خمودي الجاف. ولو أنك رأيتني في الصباح وأنا أترصّد خلف عربة البريد رواحَ ومجيء الساعي كما لو أني مراهقة عاشقة، فلعلك ستضحك مني من دون شك. أعرف أنك تتقن الاطراء والمديح، مع ذلك هناك من اللحظات ما تكون فيها المرأة عاجزة عن التحكم في ميولها الجنسية الصمّاء حتى ولو كانت حريصة شديد الحرص على أن تكون سيدة مصيرها وعواطفها. الحنان وحده ليس كافيا. هو يُحتم متعا أخرى. وأنت الوحيد الذي يعرف كيف يُخفف من لهب الرغبة التي تحرقني، أو بالأحرى يؤججها، لتكون لذة سماوية جحيمية بامتياز. أسمع ما تقوله لي. وأنا أفتح قلبي لك أيضا من دون أيّ تحفّظ.


ومتذمرة من تعامل سارتر معها، كتبت سيمون دو بوفوار في نفس رسالتها تقول: "وأنت تعلم جيدا (وفي هذا المجال، أن أسلّم بالواقع مثلك أنت) أني لا أجد حقا إلاّ بين ذراعيك هذه التعزية التي تُضنيني كثيرا. بعد ليال مديدة من الإهمال، ومن دون أن أتحدث عن أوقات الظهيرة الكئيبة التي بالكاد يُكلّف فيها نفسه بالتحدث إليّ، منشغلا بالركض خلف تنورة ساذجة مجمدة أمام أقواله اللامتناهية في الحب. أجدني سيدة نفسي بسبب انسانيتك، وتقبّل سمعك العطوف لأمزجتي المتغيّرة، واهتماماتك الصغيرة بي. وها أنا أفاجئ نفسي وأنا أتحدث عن العطش المرويّ، وعن الشهية المُجمّمَة، وعن الحسيّة المستيقظة. وأنا أيضا أشعر أني غبية وأنا أعبّر بهذه الطريقة. فليكن الأمر على هذه الصورة: نحن كائنان مندهشان من سذاجة جسدينا. أليس هذا هو التعريف بالبراءة؟ ()..ألبير، صوتك النافذ الذي يخترقني، وابتسامتك اللطيفة، ونَفَسُك الساخن على عنقي المتوحد... أنت واحتي في الصحراء. وأفكاري ترافقك دوما، لا تشك في ذلك.