إيلاف من الرياض: رحلت اليوم رائدة الفن التشكيلي السعودي الفنانة صفية بن زقر، عن عمر ناهز 84 عاماً، فهي من مواليد مدينة جدة عام 1940، ولقبها البعض بـ "سيزان السعودية".

وفي بداياتها تأثرت بالتجربة التشكيلية القائمة على الفكرة اللونية للفنان العالمي بول سيزان، وهي أول فنانة سعودية تتلقى تعليماً أكاديمياً في فنون الرسم، وأول سعودية تقيم معرضاً فنياً، مما يجعلها من رواد الفن التشكيلي على مستوى الخليج العربي، ‏وفي منتصف الستينات من القرن الماضي درست الرسم والفنون في كلية "سانت مارتن" للفنون في لندن.

وأقامت معرضها الفني الأول عام 1968 بالتزامن مع بداية تأسيس الحركة التشكيلية في المملكة، ‏ولاحقاً رأى النقاد والباحثون أن صفية بن زقر تجاوزت تأثرها المبكر برواد الفن العالمي، ونجحت في تكوين أسلوبها المستقل الذي استلهمته من أجواء البيئة التراثية في جدة القديمة ممزوجاً بخيال فني واسع انعكس على أعمالها الإبداعية.

الثانوية في القاهرة
الراحلة وضعت لها بصمة خاصة فيها خاصة بعدما عادت إلى السعودية حين إكمال دراستها الثانوية بالقاهرة، تفاجأت باختفاء الكثير من العادات وطرق الحياة التي شاهدتها حين كانت صغيرة، ومن هنا تبلورت رؤيتها الفنية ووجدت الحلقة المفقودة ما بين التراث والثقافة، وعن ذلك تقول: "وجدت هدفا يلهمني لرسم وتوثيق العادات والتقاليد خوفا من اندثارها، وحرصاً من أن يركن هذا التراث في المخازن".

دارة صفية بن زقر
وفي عام 1995 أسست "دارة صفية بن زقر"، بعد رحلة 30 عاماً على طريق الفن التشكيلي، وفقاً لتقرير "العربية"، والدارة تضم لوحاتها ومقتنياتها الفنية، كما تحوي مرسمها ومكتبتها الخاصة.

وفي عام 2000 صدر كتابها "رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي"، وفيه أوضحت أهداف الدارة ونشاطاتها بعد رحلة 30 عاماً من العمل المتواصل، والمثابرة من أجل توثيق هذا التراث الغني بشكل جمالي.

وقالت في لقاء سابق مع "العربية" إن هذه الدارة تعتبر إرثها وطلبت من عائلتها أن يحافظوا عليه، لأنها تعتبره صدقة جارية، فمكتبتها بها مايزيد عن 5 آلاف كتاب أدب وفن عربي وإنجليزي سيستفيد منه الباحثون.

ولطالما كانت الفنانة السعودية صفية بن زقر على اتصال بمسقط رأسها مدينة جدة وموروثها العتيق، وهي التي تحمل سيرة فنية استثنائية تجعلها واحدة من أهم الأسماء الفنية المعاصرة.

جدة تسربت إلى روحها


وُلدت صفية بن زقر في قلب مدينة جدة القديمة عام 1940، وكأن المدينة العتيقة بمبانيها وقاطنيها قد تسربت إلى روحها مع أنفاسها الأولى، فنشأ بينهما رباط وثيق اشتد قوة مع مرور السنين.

وفي أواخر عام 1947 انتقلت مع أهلها إلى القاهرة، لتعود مجدداً إلى جدة عام 1963، وتجد العديد من التغيرات، إذ بدأ أهل المدينة بالنزوح إلى المنازل المسلحة وترك عاداتهم المتوارثة، إلى جانب استبدال أزيائهم المميزة بما يساير الموضة الحديثة، ولم يكن في يدها سوى استرجاع الماضي بريشتها، فبدأت بجدية تامة لإعادة تكوين المدينة بأبنيتها وسكانها، وأنشطتها وأحداثها، وكذلك عاداتها وتقاليدها.

الحركة التشكيلية في السعودية
صفية بن زقر من أوائل مؤسسي الحركة التشكيلية في السعودية، وقد بدأت مشوارها الفني الطويل بأول معرض لها في عام 1968 والذي أقيم في مدرسة دار التربية الحديثة بجدة.

وهذا المعرض كان تجربة ناجحة خاضتها بمجهودها الخاص في تحضير موقع العرض، حين لم تكن هنالك صالات عرض متخصصة، فبدأت بتجهيز مدرسة البنات الخاصة على مستوى قاعات العرض في الخارج وعلى قدر الإمكانات المتاحة حينذاك.

وبعد النجاح الكبير لمعرضها الأول، توالت معارضها المحلية التي أقامتها في مدينة الرياض وجدة والظهران والجبيل والمدينة المنورة وينبع وأبها، كما نظّمت معارض دولية في كل من باريس وجنيف ولندن، حتى أصبح لها حصيلة 18 معرضاً شخصياً، و6 معارض جماعية، عُرفت صفية من خلالها فنانة التراث السعودي محلياً ودُولياً.

من جيل النساء الأوائل
وقالت عنها الكاتبة فوزية أبو خالد :"كانت صفية بن زقر - دون أن تدري ربما - واحدة من جيل النساء الأوائل، اللواتي استطعن أن تكون لهن بصمة مبكرة على أجيال متوالية من بنات هذا الوطن، ليس على مستوى التشكيل وحسب، بل على مستوى "نسوي" إن صح التعبير، وذلك من خلال فتح عيون بنات السبعينيات في المجتمع السعودي على مثال لحضور المرأة حضورا معرفيا واجتماعيا متفاعلًا "يحظى بالاعتراف والاحترام" في مجال لم يكن معهودا للنساء من قبل، وهو مجال الفن التشكيلي.

ففي صباح يوم بعيد مدت صفية يدها، وبريشتها الرقيقة استطاعت أن تزحزح جدارا من جدران المدرسة، وتحل محله نافذة عريضة، يطل عبرها عدد كبير من طالبات الثانوي، وتلميذات المتوسط، والابتدائي، بمدينة جدة، على بساتين من اللون، وعالم أكثر رحابة، وأوسع أفقا.

تغيير نظرة المجتمع
حدث ذلك حين فاجأت صفية بن زقر مدينة ومجتمعاً لم يكن به صالة واحدة متخصصة بالفنون التشكيلية، ولم يعتد إقامة معارض للفنون التشكيلية إلا فيما ندر، ولنفر محدود من الفنانين التشكيليين الرجال، مثل: عبدالحليم رضوي، ومحمد السليم، ويحيى العبدالجبار، وطه صبان، وضياء عزيز ضياء. ثم فوزية عبداللطيف (لاحقا)، بوجودها فنانة تشكيلية لا تريد أن تكتفي برسم لوحاتها وصفها في "صالون" بيتها، كما لا تريد القبول بالخيار المفتوح أمامها بحكم دراستها خارج المملكة، بأن تعرض لوحاتها في الخارج، بل تريد إثبات وجودها الفني في بلدها.