غياب القوانين والإحصاءات وراء انتشار عمليات تبييض الأموال
bull; مصطفى هديب : 3 تريليونات دولار حجم الأموال المغسولة في العالم .
bull; عطية سلطان : حجمها 5% من إجمالي الناتج العالمي .
bull; حاتم القرنشاوي : التامين وسوق المال والبنوك بيئة خصبة لنموها .
محمد الشرقاوي من القاهرة
أرجعت التقارير الدولية زيادة معدلات عمليات غسيل الأموال في الوطن العربي الى عدة أسباب أجملتها في الانفتاح الكبير والمتصاعد للأسواق المالية في العديد من الدول العربية ، وحرية إتمام المعاملات الدولية وانتقال رؤوس الأموال من الداخل الى الخارج والعكس ، انتشار دور الصرافة التي تفتقر الى الرقابة المحكمة من قبل المصارف المركزية ، تقييد بعض الدول العربية بسرية العمل المصرفي خاصة في المناطق التجارية الحرة التي أصبحت مركزا ماليا وتجاريا هاما بالمنطقة وتجتذب إليها استثمارات ضخمة من شتى بلدان العالم وباتت عمليات غسيل الأموال والتي زادت معدلاتها جريمة من نوع خاص لا يقوم بها إلا ذوي quot;الياقات الذهبيةquot; .
وقال العميد السابق لكلية تجارة بنات بجامعة الأزهر الدكتور حاتم القرنشاوي في دراسة حديثة له الى أن شيوع التعامل بالنقد في المنطقة يجعل كميات كبيرة من الأموال السائلة متداولة بين الأفراد دون وجود سقف محدد لتسوية المعاملات نقدا ، انتشار البنوك الموازية مشيرا الى أن التقارير السنوية لمجموعه التدخل المالي الدولية GAFI أعربت مؤخرا عن قلقها الشديد بسبب غياب قانون غسيل الأموال في عدد من الدول علاوة على عدم وجود إحصاءات يعتد بها لحجم غسل الأموال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلا أن المجموعة ndash; على حد قول القرنشاوي ndash; أكدت أن هذه المعدلات في ازدياد مستمر بسبب انتشار ظاهرة الفساد في دول المنطقة والتي احتلت فيها الدول العربية مراتب متقدمة حيث جاءت سلطنة عمان في المركز 26 تلتها البحرين 27 والسعودية 46 ومصر 70 في حين جاءت ليبيا في المركز 118 وفقا لأرقام وإحصاءات عام 2004 .
تحذير عربي
وتوقع القرنشاوي أن ينتج عن ازدياد المعدلات أزمات اقتصادية كبيرة كما حدث في أزمة المكسيك (1995-1994) والتي أدت الى حقن الاقتصاد المكسيكي بمبالغ كبيرة من عائدات التجارة الغير مشروعة في المخدرات الى تراجع المبادلات الخارجية والى تسريع حدوث العجز في ميزان المدفوعات وتخفيض قيمة العملة نفس المشكلة تكررت في تايلاندا في عام 1997 ndash; وأوضح القرنشاوي أن هناك علاقة طردية بين غسيل الأموال والأزمات الاقتصادية الدولية ومن أهم أسبابها : كبر حجم الأموال التي يتم غسلها ، ميل غاسلي الأموال الى الاستثمار في الأنشطة ذات المخاطر المرتفعة كالمضاربات في الأسواق المالية ، التأثير السلبي لعمليات غسيل الأموال على سمعة المؤسسات المالية الوطنية وعلى سمعة الاقتصاد الوطني بالكامل وهو ما يفقد الثقة في تلك الاقتصاديات ، عدم إخضاع الأموال المغسولة للقواعد الاقتصادية المتعارف عليها.
وقال عميد كلية تجارة بنات السابق أن قطاع التامين والمؤسسات الغير مصرفية باتت مرتعا لمثل هذه العمليات وباتت من بين الآليات الأكثر جذبا لغاسلي الأموال وشجع ذلك على أن نسبة كبيرة من وثائق التامين تباع عن طريق وسطاء أو سماسرة التامين فمن الطرق المتبعة لغسل الأموال في مجال التامين قيام غاسلي الأموال بالتامين على أنشطة معينة ودفع أقساط هذه التأمينات من عائدات أنشطتهم الإجرامية عادة ما يتم شراء وثائق التامين بكميات كبيرة من شركات التامين ويتم بيعها بعد ذلك بسعر اقل نسبيا كما يمكن إعادة تلك الوثائق واسترداد قيمتها بموجب شيكات ، كما أن قطاع القيم المنقولة Valeurs Mobilieres ملائما لتمرير عمليات غسل الأموال ويرجع ذلك بسبب الطبيعة الدولية للأسواق المالية فالبورصات لديها غالبا فروع في أنحاء مختلفة من العالم، أسواق القيم المنقولة تكون ذات سيولة كبيرة كما أن عمليات البيع والشراء تتم في هذه الأسواق في وقت قصير جدا ، كما أن شراء سندات الخصخصة يعد أكثر السندات الجاذبة للأموال القذرة ويرجع السبب في ذلك الى طبيعة الظروف التي تصاحب عمليات الخصخصة عموما وخاصة كونها تتم في أسواق مالية ناشئة تقل أو قد تنعدم بها وسائل الرقابة على حركة رؤوس الأموال ، ويعتبر الفواتير المزيفة أو الضخمة والتي يقوم فيها المشتري بشراء سلعة معينة بدفع مبلغ يتجاوز القيمة الحقيقية لهذه السلعة ويعد الفرق بين القيمة الحقيقية للفاتورة والقيمة المعلنة هو مجموع الأموال التي يتم غسلها .
تقديرات عالمية
وعلى الجانب الآخر قدر الدكتور عطية سلطان بمركز دعم واتخاذ القرار بمحافظة المنوفية بمصر حجم الأموال المغسولة سنويا في العالم ما بين 3-5 % من إجمالي الناتج العالمي ، مشيرا الى انه في أميركا وحدها يقدر حجم الأموال المغسولة ب 100 مليار دولار سنويا وفي تقرير لصندوق النقد الدولي أشار الى انه في عام 1997 كان حجم الأموال المغسولة ما بين 700-1600 مليار دولار فيما أشار خبراء الأمم المتحدة الى أن حجم الأموال المغسولة بلغ حوالي 8% من إجمالي قيمه التجارة الدولية وقال انه من بين أسباب غسيل الأموال السرية المصرفية وعدم الاهتمام بجمع المعلومات الكافية عن العملاء عن تعاملة مع البنك ، التجارة الحرة وضعف الرقابة والتحويلات الالكترونية ، الاستقرار السياسي وتساهل السلطات المختصة في القيام بواجباتها كجهة رقابية ، انتشار وسائل الاتصال والمعلومات المتطورة والتجارة الالكترونية عبر الانترنت ، ضعف وسائل الرقابة على المصارف والمؤسسات المالية بسبب ضعف أو عدم ودود قوانيين ولوائح تحد من ظاهرة غسيل الأموال ، التسهيلات الضريبية وانفتاح النظام الاقتصادي للدول .
وأشار أن طرق غسيل الأموال تتمثل في الإيداعات النقدية الكبيرة التي لا تبدو منطقية يقوم بها فرد أو شركة ممن يقومون في العادة بتنفيذ نشاطاتهم الطبيعية من خلال الشيكات أو أدوات الدفع الأخرى ، ازدياد ضخم في الودائع النقدية لأي شخص دون سبب واضح خاصة إذا تم تحويل الودائع من الحساب الى جهة لا يبدو لها ارتباط واضح مع ذلك الشخص وضمن فترة زمنية قصيرة ، إيداع مبالغ نقدية على مراحل متعددة بغض النظر عن قيمه المبلغ المودع في كل مرة وكانت تلك الإيداعات تشكل في مجموعها مبلغا كبيرا ، التركيز على المسحوبات والإيداعات النقدية بدلا من استخدام الحوالات المصرفية أو الأدوات الأخرى القابلة للتداول وبدون مبرر واضح ، تغيير كميات كبيرة من الأوراق النقدية من فئات صغيرة بأوراق نقدية من فئات كبيرة دون أسباب واضحة ، تحويل مبالغ كبيرة الى خارج المملكة أو استلام حوالات واردة من الخارج مصحوبة بتعليمات بالدفع نقدا ، إيداعات نقدية كبيرة غير عادية باستخدام أجهزة الصراف الآلي لتجنب الاتصال المباشر مع موظف البنك خاصة إذا كانت تلك الإيداعات لا تتماشا مع أعمال الدخل الاعتيادي للشخص المعني .
وقال أن هناك وسائل لغسيل الأموال منها أنها تستخدم النقود الالكترونية والبطاقات الالكترونية كبطاقات الصرف الآلي وبطاقات الائتمان والبطاقات الذكية كأحد وسائل التموية عن المصدر الحقيقي للموال المغسولة ، الإيداعات بالبنوك وتحويلها عبر فروعها المختلفة ، إعادة الإقراض : حيث يقوم من خلالها الغاسل بإيداع اموالة لدى بنك خارجي حتى لا يخضع لقيود وإجراءات غسيل الأموال ثم يقوم بطلب قرض من احد البنوك المحلية في بلد أخر بضمان تلك الأموال المودعة في البنك الأجنبي وبالتالي يكون قد استطاع الحصول على أموال نظيفة ويتم الاستثمار في الأوراق المالية لسهولة تحويلها الى نقود فضلا عما تمنحة اغلب الدول من إعفاءات ضريبية على هذا النوع من الاستثمار ، ومن بين الطرق الشهيرة لغسيل الأموال أن يقوم الراغب في غسيل الأموال في شراء سلع من الخارج لاتصل الى بلدة لأنها ترسل أصلا ويزعم المشتري أنها سرقت أو تلفت خلال نقلها وفي هذه الحالة تخصم المبالغ التي دفعها ثمنا لها من عائدات الشركة باعتبارها ديونا معدومة ، عمليات الاستيراد والتصدير ، شراء التحف والمجوهرات والسيارات وإعادة بيعها ، شراء وبيع المؤسسات التجارية الخاسرة .
عدة أشكال لوجة واحد
وأضاف أن لعمليات غسيل الأموال العددي والعديد من الآثار الاقتصادية السيئة منها : إحداث عجز في ميزان المدفوعات وما يتبعة من أزمة سيولة في النقد الأجنبي بسبب تهريب جزء من الدخل القومي الى الخارج مما يهدد احتياطات الدولة لدى البنك المركزي من العملات المدخرة ، اهتزاز الاقتصاديات الوطنية وخصوصا وان معظم المؤسسات المالية في أي بلد يمكن أن تتعرض لهذه الظاهرة كما أن عمليات غسيل الأموال هذه تؤثر على الدخل القومي حيث يتم استقطاع الأموال المودعة في الخارج من الدخل القومي وذلك لاستثمارها في دولة أجنبية أخرى ، مشيرا الى انه في إحدى الدراسات التي أجريت في أميركا أظهرت أن عملية غسيل الأموال تؤدي الى انخفاض الإنتاجية بنسبة 27% في المتوسط حيث ينمو القطاع غير الرسمي بمعدل أسرع من معدل نمو اقتصاديات القطاع الرسمي ، إرباك عمل البورصات والأسواق المالية وانهيارها نتيجة التعامل غير المنطقي أو غير الرشيد في شراء وبيع الأصول المالية لمجرد إخفاء المشروعية لتلك الأموال والكثير من الجرائم الاقتصادية .
كما أن غسيل الأموال يؤدي الى خلق مناخ مناسب لوجود أسواق سيئة السمعة وضعيفة المصداقية بسبب عدم الشفافية في الأسواق المال والذي يهدد سمعة هذه الأسواق ، يؤدي غسيل الأموال الى زيادة نفقات الأمن والدفاع على حساب بقية القطاعات ولا سيما الاجتماعية فيها وسلامة المرافق الاقتصادية ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي وحماية المال العام حيث تستحوذ نفقات الأمن والدفاع على ما نسبته 27.4% من إجمالي الإنفاق الجاري في الدول العربية وفقا لإحصاءات عام 2000 .
وقال الدكتور مصطفى هديب رئيس الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية غسيل الأموال تندرج من التجارة القذرة التي يقوم عليها البعض والتي تقدر بتريليونات الدولارات ndash; على حد قولة في تصريحات صحافية سابقة - حيث كشف مؤتمر الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية الذي عقد بالقاهرة مؤخرا بهذا الشأن أن حجم الأموال المغسولة في العالم عبر عمليات quot;إجرامية مشبوهةquot; مثل الإرهاب والمخدرات وتجارة السلاح بلغ 3 تريليونات من الدولارات.
وأضاف هديب إن إحصاءات الأمم المتحدة والإنتربول (المنظمة الدولية للشرطة الجنائية) تشير إلى أن حجم الأموال المغسولة في العالم بلغ عام 2000 حوالي 500 مليار دولار مشيرا الى أن آخر دراسة تشير إلى أن حجم غسيل الأموال حاليا يقارب 3 تريليونات دولار أو ما يقدر بـ 10% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ويبلغ حجم الأموال المغسولة سنويا في أميركا الشمالية وحدها 1.5 تريليون دولار، والباقي في دول العالم الأخرى، وبخاصة شرق آسيا، وذلك بحسب الدراسة .
وارجع أسباب كثافة غسيل الأموال في أميركا الشمالية وبخاصة في الولايات المتحدة الاميركية إلى الحجم الهائل لتحويل الأموال من خلال مصارفها ومؤسساتها المالية، والذي يعادل تريليوني دولار يوميا .
وهناك نماذج أخرى تدل على الحجم الخطير لهذه الأموال المغسولة في بعض الدول، قياسا بالناتج القومي الإجمالي، حيث وصلت إلى مستويات غير معهودة، حيث وصلت إلى 7.5% في إيطاليا، و8.5% في الولايات المتحدة، و16.5% في الهند، و50% في الاتحاد الروسي وجمهوريات أوربا الشرقية، و60% في بيرو.
وشدد هديب على أن من بين الشواهد الكثيرة على تنامي هذه الظاهرة الخطيرة في العالم بروز أرقام كبيرة مثل غسيل 30 مليار دولار من المساعدات المالية المقدمة لأفريقيا، وغسيل 4.5 مليارات دولار في أستراليا، وغسيل 10 إلى 15 مليار دولار في الاتحاد الروسي.
التعليقات