بيروت: علي زين الدين
تألقت بيروت في استضافة المنتدى الاقتصادي العربي، لكنها لم تبدد مشاعر القلق لدى رجال الاعمال والمستثمرين العرب حيال الازمة السياسية الداخلية وتداعياتها الواضحة على مناخات العمل والاستثمار.


وفيما لم يغب طيف الرئيس الراحل رفيق الحريري حضورا من خلال شقيقته النائبة بهية الحريري وتكريما من خلال جائزة الريادة في الاستثمار، حرص رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة على تأكيد التزام الحكومة الحالية وأية حكومة لاحقة تنفيذ البرنامج الاصلاحي الشامل للنهوض الاقتصادي الذي تم رفعه الى مؤتمر laquo;باريس ـ 3raquo; للمانحين.

ووسط حشد تجاوز 700 شخصية اقتصادية يتقدمها وزراء وحكام بنوك مركزية ورؤساء شركات ومؤسسات وصناديق من 18 دولة عربية، اظهر المنتدى الذي بدأ اعماله امس في بيروت، الاهتمام العربي بمتابعة اليوميات اللبنانية ومسار الازمة السياسية، وسط دعوات صريحة حضت اللبنانيين على عدم تفويت فرصة الاستفادة من الفوائض المالية العالية في المنطقة ربطا بارتفاع اسعار النفط على غرار غياب لبنان عن لائحة الاستثمار خلال الفورة النفطية السابقة في السبعينات.

وتولى السنيورة تسليم جوائز الريادة في الانجاز الى وزير البترول والثروة المعدنية السعودي علي النعيمي، وزير المال الكويتي بدر الحميضي، رئيس الجهاز التنفيذي في مجلس ابوظبي خلدون المبارك، رئيس مجموعة عارف الاستثمارية علي الزميع، رئيس مجموعة بنك لبنان والمهجر الدكتور نعمان الازهري ورئيس اتحاد المصارف العربية الدكتور جوزيف طربيه.

وقال السنيورة في جلسة الافتتاح ان laquo;المنتدى كان منذ بدء انعقاده قبل 15 عاما وسيظل دائما في بيروت، تجديدا للثقة وتطويرا للفكرة وكسرا لتحديات التعطيل وتوجسات الخوف والتخويف، واصغاء لطموحات النهوض والتنمية في لبنان وبلدان الوطن العربي الاخرىraquo;.

واضاف: laquo;لقد كررت خلال عام 2005، وفي مناسبات عدة، ان هذا العام ما كان سهلا علينا ولا على لبنان. وانا مضطر، للاسف، لاقول ان عام 2006 ما كان سهلا ايضا على لبنان وشعبه واقتصاده واستقراره. فقد تسببت حرب يوليو (تموز) بضحايا كثر، وتخربت جهات عزيزة من البلاد، وضرب الاقتصاد اللبناني ضربة قاسية. ولا يزال الجمود الذي احدثته الحرب والازمة السياسية المستمرة بعدها يؤثران اثارا عميقة في كل الامورraquo;.

واكد السنيورة ان laquo;الحكومة تعي انه، وفي ظل الانفتاح الاقتصادي العالمي، يصبح الاصلاح العمل الرئيسي الذي يجب ان تقوم به اية حكومة، وهي راغبة في بناء قاعدة جديدة متطورة وتنافسية قوية لاقتصادها المحلي، مع مراعاة مسألة تقوية ودعم قطاعها الخاص لاعطائه زمام المبادرة للعب دور المحرك الاول للنمو الاقتصادي السليم. ومن هذا المنطلق، جاء البرنامج الاصلاحي للحكومة اللبنانية، وهو برنامج اصلاح اقتصادي تنموي اجتماعي اداري شامل، تؤازره خطة الطوارئ للنهوض الاقتصادي التي اطلقتها الحكومة لتعزيز صمود مؤسسات القطاع الخاص واعادة اطلاق العجلة الاقتصادية في البلاد اثر العدوانraquo;.

ثم تحدث الامين العام لدول مجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية، فقال: laquo;اذا كانت منطقة دول مجلس التعاون تشهد حالة من الازدهار الاقتصادي والمالي بفعل الوفرة المالية فان مناطق اخرى من وطننا العربي تواجه ظروفا صعبة، الامر الذي يتطلب الاستفادة من الفرص المالية والاستثمارية المتوافرة، لكن تحقيق ذلك مرهون بمدى توافر بيئة استثمارية مشجعة ومحفزة وتتسم بالاستقرار السياسي والامني والاقتصادي لتسهم هذه الوفرة المالية في خدمة الاقتصاد العربي. ان تحقيق اصلاحات اقتصادية وسياسية وامنية وتحسين البيئة الاستثمارية في مناطق الوطن العربي من شأنهما ان يؤديا الى تكامل اقليمي بين دول الوطن العربي. كما ان توفر بيئة استثمارية جيدة امام القطاع الخاص الوطني والعربي والاجنبي انما يعد من اهم شروط تدفق رؤوس الاموال والاستثمارات العربية منها الاجنبية، فضلا عن المحافظة على استقرار رؤوس الاموال والاستثمارات الوطنية في محيطها بدلا من ان تتدفق لتصب في شرايين الاقتصادات الاجنبية. فالقارئ للخريطة الاقتصادية العربية يجد انها تعاني من نزيف مستمر وتدفق سريع لرؤوس الاموال العربية بفعل تحول البيئة الاستثمارية العربية الى بيئة طاردة لا جاذبة للاستثمارات العربية والاجنبية على السواء. ففي الوقت الذي يعاني وطننا العربي من تفاقم مديونيته الداخلية والخارجية والتي تجاوز حجمها 560 مليار دولار، فان الاستثمارات ورؤوس الاموال العربية بالخارج تراوح ما بين 800 و2400 مليار دولار عام 2006 ـ حسب بيانات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية. وفي الوقت الذي يبلغ حجم الاستثمارات العالمية نحو 865 مليار دولار فان حصة وطننا العربي لا تتجاوز نسبتها 1% فقط، وهي اقل من حصة افقر الدول الاوروبية كاسبانيا وايطاليا، الامر الذي يؤكد ان المنطقة العربية ما زالت اقل المناطق جذبا للاستثمارات العالمية واكثرها طردا للاستثمارات العربية بسبب التخلف وعدم الاستقرار وغياب عناصر البيئة الاستثمارية الناجحةraquo;.

من جهته، عدّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاجراءات التي اعتمدها المصرف المركزي لخفض الاثار السلبية الناجمة عن حرب يوليو (تموز). وابرزها: اطالة آماد مستحقات القطاع الخاص، وتأجيل دفع القروض المدعومة الفوائد، واعادة جدولة القروض المتعثرة، واستعمال الاعفاءات من الاحتياطي الالزامي لتحفيز القروض الممنوحة من المؤسسات الدولية للمصارف اللبنانية التي تختارها هي من اجل قروض القطاع الخاص. وافاد: laquo;اما في ما يتعلق بالاضرار المباشرة فقد اعد مصرف لبنان تعميماً يمنح قروضاً للمصارف تغطي 60 في المائة من الاضرار المباشرة، على ان يتحول هذا القرض الى منحة للمتضرر. ويشترط هذا التعميم قيام المصارف باقراض 20 في المائة من كلفة الضرر المباشر واعادة جدولة القروض القائمة لفئة متوسطة وبفائدة منخفضةraquo;.

اما رئيس جمعية مصارف لبنان د. فرانسوا باسيل فشدد على laquo;اهمية ان تتوجه الاستثمارات العربية الى القطاعات التي من شأنها رفع مستوى الانتاجية، وانتاج سلع وخدمات قابلة للتصدير والمنافسة، عوضاً عن حصر معظم التوظيفات في مجالات غير منتجة، كالعقارات والمضاربات في البورصة. فالتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان العربية وللانسان العربي مسؤولية جماعية للقطاعين العام والخاصraquo;. وقال: laquo;ننظر بارتياح الى عمليات التصحيح التي جرت في البورصات العربية خلال العام الماضي، ونتطلع في الوقت ذاته الى ان يكون هذا التصحيح منطلقاً لترشيد الاسواق ونضوجها بحيث تصبح احد مصادر التمويل للشركات، ومكاناً سليماً لتداول الاسهم والسندات وتسييلها، وبحيث تلعب الاسواق المالية دورها الصحي في تنشيط الاقتصاد، فلا تغدو ظاهرة غير صحيةraquo;.

وحذر رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية عدنان القصار من خطورة تزايد البطالة في العالم العربي، وقال: laquo;ان اهم تحد يواجهه العرب اليوم هو توفير فرص العمل للأجيال الطالعة، مما يتطلب جهداً جدياً من الحكومات العربية لوضع حد للمعوقات التي لا تزال تواجه القطاع الخاصraquo;. واضاف: laquo;ان جهودنا يجب ان تنصب على الامور الحيوية التي يأتي في مقدمها توفير فرص العمل للشرائح الواسعة من الشباب المتعلم الذي يملك تطلعات عالية وقد وصلت نسبة البطالة لدى هذه الفئة الحيوية الى حوالي 30% عام 2005، لتشكل بذلك احدى النسب العالية جداً في العالمraquo;. وحذر من laquo;ان البطالة مرشحة للتزايد ما لم نتخذ اجراءات فورية لتطوير مناخ الاعمال بالشكل المناسب لتعزيز فرص الاستثمار وفرص العمل الجديدةraquo;.

من جانبه، توقع الشيخ طارق بن فيصل القاسمي، رئيس مجلس ادارة مجموعة الامارات للاستثمار ورئيس مجلس ادارة مصرف الامارات الدولي الاسلامي نموا في حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى المنطقة العربية بنسبة 10% . وقال الشيخ القاسمي خلال مشاركته في منتدى الاقتصاد العربي المنعقد في بيروت، ان القوانين والتشريعات اصبحت افضل واكثر وضوحا، مدعومة باسس اقتصادية وتنموية جيدة.. وتطرق الى ان حجم الاستثمارات يمكن ان تكون اكثر حجما، الا ان ارتفاع عائد الارباح في بعض اسواق الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة ستجتذب بعض الاستثمارات وتحيدها عن منطقتنا. وتناول الشيخ طارق اهم المواضيع الهامة والمؤثرة في نمو الاقتصاد في مختلف الدول العربية كالطفرة النفطية وصناعة الغاز والبترول، ومستقبل الاقتصادات العربية من منظور القيادات الشابة الى جانب سبل تطوير التنافسية العربية في استقطاب الاستثمار.

بدوره، رحب رؤوف ابو زكي، مدير عام مجموعة الاقتصاد والاعمال التي تنظم المنتدى بالمشاركين، مؤكداً laquo;ان مجرد انعقاده يشكل تحدياً ونجاحاً في آن واحد. وها نحن معاً اليوم لنؤكد مثل هذا النجاح ولنعبر عن ثقة اللبنانيين كما ثقة هذا الحشد العربي الرفيع المستوى بمستقبل لبنان ورسالته وباستمراريته ودوره المميز في المنطقةraquo;.

وأضاف: laquo;من غير المستغرب ان يلقى لبنان التعاطف والاحتضان العربيين اللذين شهدهما ايام الحرب الاخيرة ولم يزل منذ انتهائها، والذي يشمل التعاون السياسي والتقديمات الاجتماعية الكبيرة لمتضرري الحرب والدعم المتمثل بشكل خاص بالقروض والهبات التي وعدت او تقدمت بها دول عربية عدة لمباشرة اعادة الاعمار والودائع السعودية والكويتية الجديدة لدى البنك المركزي لدعم الاستقرار النقدي.