محمد حامد ndash; إيلاف : لا تزال ردود الأفعال العالمية تتواصل تفاعلاً مع تهاوي أسعار النفط بشكل لافت، فالأميركيون مثلاً لديهم قراءة خاصة لهذا الملف وفق النمط الإقتصادي الأميركي، وكيفية تفاعل المواطن الأميركي مع هذه المتغيرات، حيث رصدت quot;التايمquot; الأميركية تأثيرات ما يحدث على الساحة النفطية على نمط الحياة الاميركية، وأكد تقريرها أن انخفاض سعر النفط الذي دفع منظمة أوبك إلى الإعلان عن خفض إنتاجها من النفط بمعدل 1.5 مليون برميل يوميًا، جعل المستثمرين يدخرون أموالهم ويمتنعون عن الاستثمار خوفًا من حالة الكساد الاقتصادي.

فقد تناقص الطلب على النفط في الولايات المتحدة بمعدل 10 في المئة خلال أسابيع قليلة، خلافًا للحالة التي استمرت عام كامل. ووفق ما ذكرته وزارة النقل الأميركية فإن الأميركيين قد خفضوا معدل قيادتهم لسيارتهم خلال شهر أغسطس بمعدل 5.6% وما زال الأميركيون يقللون في استخدامهم لسياراتهم في التنقل شهرًا بعد شهر مما يؤدي إلى ما يسميه الاقتصاديون quot; انهيار الطلبquot; على النفط. ويرى المحللون أن ارتفاع سعر النفط قد أدى إلى انخفاض الطلب عليه وبالتالي حدثت تغيرات إجبارية في عادات الأميركيين فيما يخص التنقل بالسيارات، كما انهارت مبيعات المركبات التي تعمل بالغاز.

إن سائق المركبة العادي يقود بمعدل 12 ألف ميل في العام وبمعدل 20 ميل لكل جالون. وإذا انخفض سعر البنزين 1.50 دولار أميركي، فإن مبلغ 900 دولار أميركي التي يوفرها سوف تكون حافز مشجع له على تقليل استخدام السياراة الخاصة. ووفق ما يقوله أحد الخبراء فإن السعر الحالي للنفط من الممكن أن يؤدي إلى توفير مبلغ من 200 إلى 250 مليار دولار أميركي للمستهلكين، كما أنه من المتوقع أن يؤدي إلى توفير مبلغ 442 مليار دولار أميركي في مجال الاستهلاك الشخصي للغاز الطبيعي أيضا في العام.

كما أن انخفاض الطلب على النفط على مستوى العالم أدى إلى قطع الطريق على فعالية إجراء دول أوبك بتخفيض إنتاجها. فقد انخفض سعر البرميل بمعدل 0.64 دولار أميركي. وقد راقبت الدول المنتجة للنفط بقلق عملية انخفاض سعر النفط بمعدل 50 في المئة من أعلى سعر وصل إليه برميل النفط في شهر يوليو الماضي وهو 147 دولار للبرميل. ومنذ الشهر الماضي فإن وزراء النفط في إيران وفنزويلا ndash; وكلاهما يعتمدان بشكل كبير على العائدات النفطية ndash; قد حثوا نظرائهم في منظمة أوبك من أجل القيام بتخفيض الإنتاج لإيقاف تدهور أسعار النفط، حيث نادى الاثنان بضرورة تخفيض الإنتاج بمعدل 2 مليون برميل وذلك خلال الاجتماع الطارئ لمنظمة أوبك في فيينا يوم الخميس.

ولا ننسى أن إلتزام الدول المنتجة للنفط بحصصها المقررة لها من الإنتاج قد أثر لسنوات على سعر النفط العالمي حيث أن إنتاج الثلاث عشرة دولة المنتجة للنفط في منظمة أوبك يمثل ثلث إنتاج العالم من النفط. وهناك قلق آخر أمام مسؤولي منظمة أوبك وهو التباطؤ المحتمل في نمو الصين، حيث أن اقتصاد الصين المتنامي قد ساعد لعقد كامل في رفع سعر النفط، كما ساعد على دفع حركة البحث والتنقيب عن النفط في الدول النامية العديدة بدءا من الإكوادور وحتى أنغولا، تلك الدول التي انتعشت اقتصادياتها نتيجة ارتفاع أسعار النفط. وتتمنى منظمة أوبك أن تحافظ الصين على معدل النمو المتزايد في اقتصادياتها من أجل أن تستمر في احتياجها إلى النفط وبالتالي زيادة الطلب على النفط من منظمة أوبك، و إلا فلن يكون لإجراء تخفيض الإنتاج الذي اتخذته أوبك أي تأثير على أسعار النفط.

وإذا كان الطلب على النفط على مستوى العالم قد انخفض بمعدل 10 في المئة، لماذا ينخفض سعر النفط بمعدل 50 في المئة إذن؟ ربما يعود ذلك لأن العلاقة بين أسعار النفط والطلب عليه ليست علاقة متكافئة واحد إلى واحد ndash; حيث أن أي تأرجح بسيط في الطلب على النفط من الممكن أن يؤدي إلى تغير كبير في سعره. أضف إلى هذا عدم قابلية البترول كمادة للفساد أو التعفن حيث يمكن تخزينه وعدم الاضطرار إلى إنتاجه أولا بأول. إن البنوك ورجال الاستثمار والمضاربون في البورصة قد سحبوا أموالهم من الاستثمار المستقبلي في مجال البترول مما أدى إلى انخفاض سعر النفط، وهذا أحد الأسباب التي جعلت أسعار النفط تنخفض بسرعة أسرع من الطلب عليه.

على الرغم من سرعة ازدهار أسعار النفط، فإن انهيار سعر النفط قد وجه ضربة قوية بالنسبة لدول منظمة أوبك، والتي كانت تتوقع أن يظل الارتفاع في أسعار النفط الى ما لا نهاية. فكل من نيجيريا وإيران قد وضعتا ميزانيتهما الداخلية على أساس 80 دولارًا أميركي سعر برميل النفط. كما كانت توقعات قطر أن سعر برميل النفط سوف يثبت عند 90 دولارًا للبرميل. ويبدو أن الدول المنتجة للنفط كانت تأمل أن يستمر الارتفاع وأن يثبت عند 100 دولار أميركي للبرميل وأكثر، ولكن يبدو أن عقولهم غير قادرة على التفكير بعيد المدى.

لقد ذكر العديد من المحللين في مجال النفط، الذين توقعوا من قبل حالة ارتفاع الأسعار، أنه من المتوقع أن يهبط سعر برميل النفط بمعدل 50 دولار أميركي بحلول نهاية العام الحالي في ظل استمرار حالة الركود الاقتصادي العالمي. وإذا تحقق هذا الانخفاض في سعر النفط فهذا سيعني توفر أموال في دخل الأفراد ينفقونها في أوجه مصارف أخرى مثل قضاء العطلات. ولكن الشيء الذي لن يستطيع انخفاض سعر النفط أن يساعد فيه هو إخراج الولايات المتحدة من أزمتها المالية.