محمد العنقري من الرياض:اجتمع وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف ومحافظ البنك المركزي السعودي مع مجلس الشورى اليوم الأحد، في جلسة وصفها العساف بالروتينية، لمناقشة السياستين النقدية والمالية ومستوى نجاعتها لكبح جماح التضخم.

ومع استمرار تأكيد الجهتين المعنيتين ببقاء ربط الريال بالدولار الأميركي، يبدو أن أفق السيطرة على التضخم مازال بعيدا، فالاحتياطي الفيدرالي الأميركي مستمر بخفض الفائدة، وتتبعه البنوك المركزية المرتبطة عملاتها بالدولار فوصل سعر الفائدة إلى 3 في المئة. ومن خلال تحليل محاور النقاش والملفات الأبرز المطروحة أمام المجلس نجد أنها متأثرة بعوامل خارجية تأخذ حيزا كبيرا قد يحد من نجاعة الإجراءات المتخذة بالحجم المأمول.

وبالنظر إلى دور مؤسسة النقد العربي السعودي، فإن استمرارية ربط الريال بالدولار الأميركي و تخفيض الفائدة على الدولار، يضغطان على مؤسسة النقد لمواكبة تخفيض سعر الفائدة، مما يحد من قدرتها على كبح حجم السيولة المتدفقة بالأسواق وبالتالي كبح ارتفاعات معدلات التضخم.

كما تقوم المؤسسة بإجراءات محدودة كرفع الاحتياطي لدى البنوك إلى 9 في المئة وهذا الإجراء سيحد من أثره ازدياد معدلات تدفق النقد بفعل عوائد البترول المرتفعة.وقد أبقت المؤسسة على سعر الريبو الأساس عند مستوى 5.5 بالمائة ولكن يبقى لذلك اثر نسبي محدود،لأن القروض بين البنوك والأفراد والمؤسسات والشركات تتم بمستوى سعر الريبو العكسي الذي يقف عند مستوى 3 في المئة .

ومن هنا ينظر إلى أن مؤسسة النقد تقيدت أدواتها التأثيرية بفعل عوامل عديدة وأصبحت غير قادرة لوحدها لكبح جماح التضخم خصوصا وأن عوامل التنمية تتطلب معروض نقدي يفي باحتياجات التمويل من قبل المنشات الاقتصادية من جهة ،وبين اتباع سياسة ربط العملة بالدولار من جهة أخرى فهي مضطرة لإتباع تغيير سعر الفائدة على الدولار حتى تبقى العلاقة منطقية ولا تحدث مضاربات على الريال إذا ما رفعت المؤسسة سعر الفائدة كحل تقليدي لمعالجة التضخم.

أما عن دور وزارة المالية فإن أهم ما تقوم به هو الإشراف على الإنفاق الحكومي وتنفيذ متطلباته ومن المعروف إن ازدياد الإنفاق الحكومي احد مسببات التضخم الرئيسية .و مع الاحتياجات الكبيرة لتطوير البنى التحتية تبنت الحكومة سياسة اتفاقية توسعية خلال السنوات الماضية والسنة الحالية التي تعتبر الأكبر من حيث اعتمادها الاتفاقية التي فاقت 400مليار ريال.

وبحسب سياسة وزارة المالية فإنه لا يمكن بأي حال تعطيل خطط التنمية فهي من أولويات تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى الدخل ورفع الطاقات الإنتاجية بالاعتماد على ما يتم تأسيسه من بنى تحتية تخدم إنشاء الصناعات والخدمات التي تواكب معدلات النمو السكاني من جهة وتامين فرص عمل وكذلك توسيع القاعدة الإنتاجية من جهة أخرى.

و مع بقاء اعتماد الميزانية على نسبة كبيرة جدا من مواردها على دخل البترول يبقى عامل رفع مرتبات الموظفين صعبا أمام تحديات تقلبات أسعار البترول صعبا لأنه يعني الالتزام بمخصصات قد تتأثر بضعف الدخل إذا هبط سعر البترول لأي سبب مستقبلا .وهذا ما دفع المالية إلى رفع الرواتب تحت بند غلاء المعيشة بنسبة تقارب معدل التضخم وبشكل تدريجي .

كما أن اعتماد سياسة دعم السلع الرئيسية ،وتحمل جزء من الرسوم الحكومية هي بعض من الحلول التي من الممكن أن تخفف من أثر التضخم.ولكن لن يؤثر بشكل مطلق على الارتفاع العالمي للسلع من جهة وانخفاض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسية، الأمر الذي يشكل خطرا لانحسار اثر هذه الإجراءات مستقبلا. فقد اعتمدت المالية إنفاق 23 مليا ر ريال لمكافحة التضخم ببرامج دعم أعلن عنها قبل أسابيع وتكلفة هذه الدعوم ستصل إلى 60 مليار ريال خلال 3 سنوات،ولكن مع استمرار ارتفاع الأسعار عالميا ومحدودية الإنتاج المحلي لمواجهة الطلب المتزايد على السلع والخدمات قد يحد من اثر هذه الاعتمادات خصوصا أن موازين الطلب عالميا اختلت بارتفاع الاستهلاك الكبير لدى الصين والهند.

وقد خرجت تصريحات صحافية مؤخراً تطالب باستقرار النمو الاقتصادي وتوازنه لضمان عدم ارتفاع نسبة التضخم،وتحقيق هذه المطالبات صعب لعدد من الأمور أهمها أن ارتفاع عائدات البترول يشكل الجزء الأكبر المؤثر بمعدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي يصبح توازن النمو مسالة صعبة ،لأنه لا يمكن تحديد سعر البترول ،ولا يمكن خفض الإنتاج لأن ذلك مرتبط بعوامل السوق العالمية والتزامات الدول المنتجة من داخل منظمة اوبك.

كما أن القيام بسياسة انكماشية بالإنفاق الحكومي لا تتماشى مع متطلبات التنمية الملحة،ولكن توزيع الإنفاق الحكومي وترشيده السنوي احد الحلول،ولكن يقابل ذلك متطلبات يقوم القطاع الخاص بتلبيتها وتساهم برفع معدلات الأسعار خصوصا في مجال التطوير العقاري وحاجة السوق الكبيرة لوحدات سكنية مستقبلا .

وبالنسبة لدعم قطاع الصناعة بشكل عام وخصوصا المجال التحويلي وغيره يتطلب الاستمرار بسياسة تهيئة البنى التحتية والإنفاق على التعليم والتدريب مما يعني استحالة ترشيد الإنفاق إلى مستويات متدنية خصوصا أن تدفق النقد يشكل فرصة لتحقيق الكثير من متطلبات التنمية التي تعطل جزء منها في مراحل انخفاض أسعار البترول .

أما تناسب معدل النمو مع زيادة السكان فإنها تشكل ضغطا للإبقاء على معدلات نمو أعلى،فالزيادة السكانية بالمملكة تعتبر كبيرة فهي تفوق 3 في المئة سنويا مما يتطلب نموا لا يقل عن الضعف أو قريب منه . ويبدو أن الفريق الاقتصادي يتوقع عودة قوية الدولار مستقبلا متماشيا مع إحداثه التاريخية ،و أن سياسة الدولار الضعيف لن تبقى للأبد على اعتبار أنها إجراء يقصد منه دعم الصادرات الأميركية. وهذه قناعة كل دول الخليج على اعتبار أن العلاقة مع الدولار كانت وستبقى أساسية طالما أن سعر البترول يقوم به عالميا ،وبالتالي من الممكن تحمل الضغوط التضخمية لسنوات مع ارتفاع معدلات النمو.

وهي ليست المرة الأولى التي يرتفع بها التضخم محليا فقد سبق أن تجاوز حدوده الحالية في فترات سابقة كانت متماشية مع ارتفاع عوائد البترول ،ولكن يبقى قراءة التحولات العالمية بالاقتصاد،ودخول لاعبين جدد ذوي اثر كبير على الاقتصاد العالمي هي معيار القرار النهائي بمستقبل العلاقة مع الدولار خصوصا أن المحسوم حاليا هو البقاء على الارتباط به وهذا لا يعني عدم إعادة تقييم سعر الصرف مستقبلا من مستوياته الحالية .