نواف مشعل السبهان
بعض الكتابات ومنها كتابات العبد لله سعت لإلقاء ضوء كاشف على تبعات وآثار هذا الغلاء في حياة الناس ومدى تأثر مستوى معيشتهم سلبا بسببها بصرف النظر عما تقوله النظريات الاقتصادية، أي أنها اهتمت وعنيت بالبعد الاجتماعي والجانب الإنساني وليس الاقتصادي، وهذا قد لا يطرب الأكاديميين المتخصصين والذين يحسبونها بالورقة والقلم، ولا أحد بالطبع ينكر أهمية مناقشة مشكلة التضخم من وجهة النظر الاقتصادية حتى نتمكن من سبر غور أسباب الغلاء ومعرفة مصادره لكي نضع له حلولا بقدر الإمكان، وأيضا ومن جانب آخر لا يمكن رفض مناقشته من الناحيتين الاجتماعية والإنسانية لإبراز تأثيرة السلبي كما ونوعا في معيشة غالبية الناس الأكثر تأثرا بهذا الغلاء، فالتضخم بلغة المتخصصين والغلاء بلغة غيرهم له ارتباط وثيق بحياة الناس جميعاً الذين يعانون ويكتوون بلهيب أسعاره، وليس فقط حكرا على الجدل التنظيري بين المتخصصين والأكاديميين واعتبار أي تناول له من خارج دائرة التخصص هو من باب quot;تهييجquot; العامة كما قال أخي الدكتور مقبل الذكير في مقالته القيمة quot;سياستنا النقدية عقيمة في مواجهة التضخمquot; 22/3/1429هـ.
على كثرة طرق هذا الموضوع من الناحية الاقتصادية بشقيها النقدي والمالي بأقلام المتخصصين وكذلك من الجانبين الإنساني والاجتماعي من قبل غير المتخصصين إلا أننا لا نجد هناك جهدا يبذل لمحاولة التصدي للتضخم واتخاذ إجراءات تسعى إلى معالجته بقدر الإمكان نحن ندرك أن هذا الغلاء ليس مقصورا علينا في المملكة بل هو حالة عالمية، نحن جزء منها، وهو ما لا يجب أن يبقى قضية جدل دون فعل حتى ولو تضاربت آراء وأقوال المتخصصين فيه الذين حيرونا في نقاشهم حول التضخم وطرق علاجه، فهناك من يدعو للتسليم بهذا التضخم والتعايش معه وتحمل تبعاته وأعبائه حتى تتحسن الظروف، وأن سببه ليس ضعف الدولار ولكن ارتفاع أسعار البترول كما ذهب الدكتور هاشم الصالح في مقالته quot;الريال والدولار علاقة ممتدة وارتباط معقدquot; في 14/3/1429هـ، فالدكتور هاشم نافح وباقتدار وبتحليل علمي عن وجهة نظره بعدم جدوى تغيير صرف الدولار فضلا عن فك الارتباط به على اعتبار أنهما يسهمان، وخاصة تغيير الصرف، في معالجة التضخم إلى حد رفضه رأي quot;جرينسبانquot; الخبير الاقتصادي الأمريكي الذي نصح في المنتدى الاقتصادي في جدة بذلك. ويعارض هذا الرأي الدكتور مقبل الذكير أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز الذي ما انفك وفي سلسلة من المقالات يدعو وبإلحاح لخفض سعر صرف الدولار معتبرا إياه العنصر الأهم في معالجة التضخم وآثار الغلاء. ووسط هذا الجدل الذي طال بلا طائل وعلى وقع التوقعات بازدياد حدة التضخم بما يبشر بمزيد من المعاناة في غياب إجراءات موازية تخفف من أعبائه، يجب ألا نضيع الوقت في الجدل حول هل نغير من سعر الصرف أم لا نغير؟ بل لا بد من التحرك بما نملك من قدرة وإمكانية لمساعدة الناس على مواجهة تبعات هذا الغلاء. والدكتور مقبل الذكير حدد ست نقاط جوهرية، في مقاله المشار إليه آنفا، يمكن من خلالها فعلا الإسهام في معالجة التضخم من خلال تدعيم قدرات المواطن الشرائية بدءا من ترشيد النفقات الحكومية إلى خفض رسوم الخدمات كالكهرباء والاستقدام وحلا لمشكلة الإسكان بتوفير مصادر تمويل فاعلة واستخدام عوائد النفط لتحسين وتطوير الخدمات الصحية والتربوية والتدريبية للتقليل من البطالة وإعانة ذوي الدخل المحدود، ويختم بالمطالبة بزيادة الرواتب وفق آلية تخدم الأقل دخلا بما لا يقل عن 50 في المائة أو يتم عكس سلسلة الزيادات التي أعلن عنها لتبدأ من 15 في المائة في السنة الأولى نزولا إلى 5 في المائة.
وبناء على آراء العديد من الاقتصاديين والماليين وما سبق أن طرح أنقل ولا أفتي بأنه لن نقدر على معالجة التضخم ودرء معظم آثاره السلبية إلا من خلال ثلاثة إجراءات أساسية، أستبعد منها تغيير سعر الصرف لاختلاف فقهاء الاقتصاد حوله، وهي:
1- زيادة الرواتب بما لا يقل عن 50 في المائة كما اقترح الدكتور مقبل على أن تكون متدرجة من الأسفل للأعلى أي أن يحصل على 50 في المائة الأقل راتبا و40 في المائة لمن هو أعلى حتى تصل إلى نسبة 5 في المائة تعطى لأصحاب الرواتب الأكبر أي الوزراء ومن في حكمهم.
2- تخفيض سعر الخدمات الأساسية كالكهرباء والغاز والهاتف وخفض، إن لم يكن إلغاء، رسوم كثير من الخدمات والجمارك حتى نرفع من قيمة دخل الفرد الشرائية.
3- وضع آلية محكمة وصارمة لمراقبة تحديد نسبة ربح بحيث لا تتجاوز حدا معقولا لا ضرر فيه على المستهلك ولا ضرار على التاجر لمنع الاستغلال وضبط السوق في هذه الفترة الصعبة.
هذه الإجراءات يمكن أن تتخذ استثنائيا ومؤقتا حتى تنحسر موجة الغلاء ولا تكون ملزمة بديمومتها للدولة، وهي ما يجب أن يفكر فيه فعلا وعاجلا. والغريب أنه في الوقت الذي تشغل قضية التضخم الجميع وأصبحت حديث الخاصة والعامة، ورغما عما يطرح من آراء وتقدم من اقتراحات وتعالي أصوات الشكوى من الغلاء، تبقى المؤسسات الاقتصادية الرسمية، وزارة المالية ومؤسسة النقد، تسمع وترى ولكن لا تتكلم.
كاتب وتربوي في التعليم الفني
التعليقات