محمد كركوتي: وضع الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين العام لهيئة السياحة والآثار يده على المفصل المصاب في مفهوم السياحة في المملكة العربية السعودية، خلال مناقشته خطط إنعاش السياحة في هذا البلد. فليس مطلوبا أن يتوافد ملايين السياح إلى المملكة، لكي يسهموا في ازدهار السياحة فيها، بل المطلوب 5 ـ 10 في المائة من السعوديين الذين يقضون إجازاتهم في الخارج، أن يبقوا في بلادهم مستكشفين المكنونات السياحة في المملكة. وهذه النسبة ليست كبيرة لأنها لا تتعدى أكثر من 25 ـ 50 ألف سائح من أصل خمسة ملايين سعودي، يتجهون إلى أصقاع الأرض، وينفقون أكثر من 15 مليار دولار سنويا. وإذا ما بقينا ضمن نطاق هذه الأرقام، فإن السياح quot;المفترضينquot; سينفقون أكثر من 150 مليون دولار ، إذا ما قرروا تمضية إجازاتهم في السعودية.


أعترف سلفا.. أن معايير السياحة السعودية، لا تتناغم مع المعايير السياحية في العالم، من حيث التوجه العام، لأسباب عديدة يعرفها الجميع، في مقدمتها طبعا: القوانين المحافظة النابعة من طبيعة المملكة. فما يتوافر في لندن, باريس, روما, وبرشلونة ـ على سبيل المثال ـ لا يتوافر بالضرورة في الرياض, جدة, الدمام، وشواطئ السعودية على البحر الأحمر. وما تعج به المناطق السياحية في العالم، ليس موجودا على الأرض في المملكة. وعلى هذا الأساس ينبغي التعاطي مع القضية، من منطلق نوعية السائح، لا الإغراءات السياحية فقط، ومن مكنونات الثقافة المحلية، لا إرهاصات الثقافات الأخرى. لا أعرف نسبة أتباع ومريدي السياحة المفتوحة ndash; بالمناسبة هم الأكثر - لكنني أعرف تماما أن هناك راغبين في quot;السياحة المحافظةquot; التي يصطلح البعض على تسميتها quot; السياحة العائلية quot;، يمكن أن يجدوا ملاذا ماتعا لهم في المملكة، وبالتالي يمكن أن يسهموا في الإنعاش السياحي المطلوب. لقد أظهرت الإحصاءات السياحية ـ على سبيل المثال - في مدينة كدبي، أن نسبة الإشغال في quot;الفنادق المحافظةquot; التي لا تقدم الخمور ولا توجد فيها الملاهي الليلية، بلغت أعلى مستوى لها في الموسم الحالي، وأن هناك طلبا على هذا النوع من الفنادق.


وهذا يعني ببساطة.. أن السياحة في السعودية يمكن أن تحقق انتعاشا كبيرا، إذا ما بدأ القائمون عليها، بإطلاق عمليات تسويق متطورة، وتقديم تسهيلات تستقطب الباحثين عن quot;السياحة المحافظةquot;. هذا بالنسبة إلى السائح السعودي أو المقيم في المملكة، أما بالنسبة إلى السائح غير السعودي، فلا بد من أن تقدم السلطات التسهيلات الضرورية, ولا سيما تأشيرات الدخول, لكي تسهم هذه الشريحة في حركة الانتعاش المطلوبة. نحن نعلم أن السلطات في المملكة أقدمت على مجموعة من الخطوات لتسهيل الحصول على التأشيرات، لكن هذه الخطوات تقف على عتبة التسويق الذي لا يزال دون مستوى التحرك السياحي العام. ومهما كانت quot;تعريفاتquot; السياحة، فإن الحقيقة الأبرز، تستند إلى أرضية، لا سياحة دون تسويق، ولا نشاط لهذه الصناعة الحيوية، دون تعريفها من قبل منتجها. ولكي نكون منصفين، هناك حركة تسويق سعودية كبيرة للمقدسات الدينية في المملكة، لكن في الواقع تحمل هذه الأماكن بمكنوناتها، عناصر تسويقها. فالراغبون في زيارتها ليسوا في حاجة إلى إغراءات، لأنها ndash; أي الإغراءات ndash; موجودة في ضمائرهم وثقافتهم وقناعاتهم.


المطلوب تسويق سعودي محليا وخارجيا، لاستقطاب الراغبين في quot;السياحة المحافظةquot;. فحتى أكبر الدول استقطابا للسياح في العالم ndash; كفرنسا - لا تتوقف عمليات التسويق فيها، على الرغم من أن حصتها السنوية من السياح تزيد على 75 مليون سائح، وكذلك الأمر في بلد كإسبانيا يستقطب 49 مليون سائح، وإيطاليا التي تستقبل أكثر من 41 مليون سائح، وبريطانيا التي تصل حصتها السنوية إلى أكثر من 25 مليون سائح. والأمر نفسه ينسحب على بقية الدول المتمتعة بصناعة سياحية تبدو خيالية ndash; من حيث الحجم - في كثير من الأحيان. وعلى هذا الأساس، فإن quot;السياحة المحافظةquot; وإن كانت لا تتبع معايير السياحة المفتوحة، لكن ينبغي ألا تبتعد عن آليات التسويق السياحي. فالقضية لا تنحصر فقط، في طرح الإمكانات والمواقع والصحارى الهائلة غير المكتشفة بعد، وشواطئ البحر الأحمر، أمام السائح المحلي وغير المحلي، بل تشمل تحريك القطاع السياحي، بحيث يخلق المزيد من الوظائف وفرص العمل، في ظل تنامي حركة تنويع مصادر الدخل الوطني في المملكة.


مرة أخرى، كل هذا لا بد أن يتصاحب مع حركة تسويق وتعريف كبيرة، محليا وخارجيا، تتحلى بمنهجية الحرفية السياحية. فعلى سبيل المثال، هناك الملايين في هذا العالم، من المهووسين في زيارة الأماكن التي لم تكتشف بعد. والمملكة تزخر بهذا النوع من المواقع. وهناك ملايين أيضا، يسعون إلى قضاء عطلاتهم في مغامرات صحراوية، وهذا يتوافر بكثرة في المملكة. وإذا ما تم تطبيق المخططات الحكومية في تسهيل منح التأشيرات، خصوصا أن الأمير سلطان بن سلمان قال: إن تأشيرات الدخول السياحية باتت أسهل، خصوصا في ظل وجود المعاملات الإلكترونية، إلى جانب نشاط منظمي الرحلات، الذين من المتوقع مستقبلاً أن ينجحوا في إعداد التأشيرات للراغبين خلال 24 ساعة، أقول إذا ما تم ذلك بالفعل، فإن المملكة لن تكون مضطرة إلى quot;إقناعquot; نسبة من سياحها، بقضاء إجازاتهم فيها لإنعاش صناعة السياحة، بل ستكون مهيأة لاستقبال المزيد من السياح الأجانب، الراغبين في اكتشاف كل ما يدخل في النطاق السياحي، وفق معايير المملكة بالطبع.


وعندما تصل المملكة إلى هذا المستوى السياحي، فإنها تستطيع إلى جانب استقبالها أعدادا هائلة من الحجاج سنويا، وإلى جانب عوائدها المالية من المواسم الدينية بشكل عام، أن تجد مكانا لها في قائمة الدول الأكثر استقطابا للزائرين، من سياح ومتعبدين، وقبل هؤلاء ستجتذب نسبة كبيرة من مواطنيها، لكن ليس قبل أن يعرفوا الإمكانات السياحية الحقيقية الكبيرة في بلادهم.