الحكومة ترصد 45 مليون دولار، ومواطنيها في حيرة
بعبع المضاربة مرشح لإرباك رمضان الجزائر كالعادة !
كامل الشيرازي من الجزائر: مع اقتراب شهر رمضان الفضيل في الجزائر، تستبد الهواجس ويعتري القلق مجددا نفوس السكان المحليين، إزاء ما يشكله بعبع المضاربة من إزعاج لعموم المستهلكين سيما الموظفين محدودي الدخل، وعلى خلفية ما شهدته رمضانات سابقة من مظاهر الغلاء والاستغلاء التي قضت مضاجع الجزائريين، سعت الحكومة هناك لتقديم وصفة تواجه بها آلة المضاربين من خلال زيادة نفقاتها الموجهة للدعم الاجتماعي، لكن ذلك لم يحل دون طمأنة الشارع المحلي الذي بدأ قبل مدة في اقتناء سائر الضروريات قبل أن تدرك المواد الغذائية منحناها المخيف في الأسبوع الأخير الذي يسبق افتتاح شهر الصيام، في ظلّ انتقادات يوجهها مختصون لاستمرار عجز الحكومة عن احتواء quot;اللائحة المجنونةquot;، والحيلولة دون تفاقم مزايدات التجار والمضاربين.
دعم إضافي .. ولكن
على مبعدة أقل من أسبوعين عن الموعد، أعلن الجهاز التنفيذي عن تخصيص 3 مليارات دينار ndash; ما يعادل 45 مليون دولار - وذلك لدعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، في خطوة وصفها خبراء بـquot;الاستباقيةquot; غداة تنامي المخاوف في البلاد من quot; رمضان اجتماعي ساخنquot;، لذا اهتدت الحكومة إلى حتمية سد حاجيات الجزائريين المتزايدة في شهر رمضان، تبعا لكون التهاب الأسعار ينهك كاهل قطاع معتبر من المجتمع المحلي.
وستكون القيمة المذكورة موجهة بنسبة كبيرة لتجسيد مختلف العمليات الخيرية والتضامنية مع العوائل المحتاجة خلال شهر رمضان المعظم، حيث يُرتقب توفير ما يقارب مليون و500 ألف قفة، وفتح حوالي 500 مطعم وتوزيع 7 ملايين وجبة ساخنة لفائدة المعوزين، في وقت تشهد الجزائر ترديا واضحا لوضعها الاجتماعي جرّاء انتشار البطالة، بالتزامن مع اتساع رقعة الفقر، هذه الظاهرة تعاني منها 950 ألف عائلة، ما يمثل 22% من المجتمع الجزائري البالغ تعداده 35 مليون نسمة.
المتطلبات كثيرة والأسعار لا ترحم
بحكم تبعية الجزائر شبه المطلقة لاستيراد كثير من المنتجات الغذائية، يخشى متابعون أن يكون رمضان المقبل عنوانا كبيرا لصعود أسعار المواد الغذائية في الجزائر إلى أعلى مستوياتها، علما أنّ مناسبات سابقة شهدت ارتفاعات بـ8.6، و13 بالمئة على التوالي، ما أدى إلى تعاظم الغليان الجماهيري، تجاه تواصل مسلسل الارتفاع quot; الفاحش quot; في أسعار المواد الأكثر استهلاكا، والزيادات المهولة التي طالت أسعار الزيت والدقيق والبقول الجافة، التي أحرقت جيوب أرباب الأسر وأفرغ جيوبهم، وأحيت شعورا متناميا بالخوف لدى الشارع المحلي الغارق في دوامة مستمرة جعلت الموظفين البسطاء ما دفع بالكثير إلى مراجعة حساباتهم، واستباق الأشياء من خلال اقتناء مبكّر لبعض المواد المهمة والتي تعرف غلاء فاحشا في أسعارها كمادة الطماطم، الكوسة، واللحوم الحمراء، بغرض تجميدها.
زيادات استنزفت القدرة الشرائية
يخشى مراقبون للأسواق المحلية، أن تشهد مواد أساسية كالبطاطا واللحم والدقيق والزيت ارتفاعات متجددة الشهر القادم، ما يعني استحالة اقتناؤها على المواطنين البسطاء، رغم حديث وزير التجارة الجزائري quot;الهاشمي جعبوبquot; عن تسقيف الأسعار، وجزم وزير الزراعة رشيد بن عيسى بوجود مخزون كافي.
وبينما يصرّ خبراء على وجود تلاعب بالمنتجات والأسعار والأسمدة وغيرها من طرف من ينعتونهم بـquot;السماسرةquot;، ينظر متابعون بقلق إلى ما يحدث، ويفسرون الواقع بما تنسجه أطراف خفية تعمل على خلق أسباب معينة لإبقاء السوق في اضطراب كبير في معزل عن أي رقابة، إذ لا يفهم أكثرية الجزائريين، كيف أنّ بلادهم تجتر نفس السيناريوهات منذ سنوات عديدة، رغم كل ما تتغنى به السلطات والإعلام الحكومي من مخططات ومنجزات، والتباهي الذي يحرص مسؤولين حكوميين على تكراره بمناسبة أو بغيرها.
ويتوجس الجزائريون من تجدد معايشتهم quot;حرب أعصاب يوميةquot; كتلك التي أربكتهم رمضان الماضي والفترة التي أعقبته، طالما إنّ المضاربة بألوانها اشتدت في أسواق الجزائر، ومعها احتدمت فوضى الأسعار، ما دفع مراقبين للتحذير من تبعات محسوسة تلقي بظلالها على اقتصاد البلد المنهك بالتقلبات منذ النصف الثاني من العام الماضي.
ولدى تجولنا بعدد من أسواق الجزائر العاصمة، كان الشعور بالخوف سيدا للموقف بين جمهور الزبائن، حيث أطلق طارق (36 سنة) مهندس في شركة خاصة، زفرة تذمرّ ولاحظ أنّ الأسعار قد تصير نارا بفعل جشع التجار، بينما تساءلت العجوز الطاووس التي صادفناها لدى أحد الجزارين:quot;كيف لي أن أطعم أبنائي وأحفادي؟quot;، فيما قال ناصر (29 سنة) المعلّم في الطور الابتدائي:quot;الفاتورة الاجتماعية غالية كثير، ولا قدرة لي على تحملها مع تفاقم الضرائب والزيادات''، من جهتهنّ أبدت مجموعة من النسوة اللواتي التقيناهم بالسوق الشعبي ''مارشي12''، قلقهنّ إزاء معضلة تشغل بال المواطنين، كلهنّ طرحنّ سؤالا واحدا:quot;أين المخرج؟.
ويعزو الباعة المضاربة إلى ما تقوم به أيادي السماسرة في أسواق الجملة، ما دفع بالشارع الجزائري للزهد في أشياء كثيرة أصبحت في عداد الكماليات، على غرار البهارات، المخللات والمكسرات وكذا عديد الفواكه كالمشمش، والتفاح، والإجاص والزبيب والبرقوق المجفف، لأنّ لا طاقة لدى المستهلكين لتحمل مزيد من التكاليف.
وجع أرباب البيوت
مع تزامن شهر رمضان مع الدخول المدرسي، يضرب الآلاف من أرباب البيوت كفا بكف، ويتساءلون عن سبل تلبية حاجات أبنائهم المتزايدة، بعدما صارت تكلفة الطفل الواحد لا تنزل تحت سقف 2000 دينار شهريا في أسوأ الأحوال، ما يعني أن رب العائلة إذا كان لديه أربع أطفال ما يزالون في طور التعليم، عليه أن يخصص ما لا يقل عن 30 ألف دينار (ما يعادل خمسمائة دولار) ليضمن لهم نمطا معيشيا عاديا، وتحصي جهات غير رسمية، نحو 3 ملايين و نصف مليون طفل معوز في الجزائر، من أصل 6.7 مليون طفل متمدرس.
ويوجه معارضون أصابع الاتهام إلى quot;مجموعة من المتحكمين داخلياquot; وهم من يطلق عليهم محليا (أثرياء البازار)، وبنظر قوى المعارضة فإنّ هؤلاء quot;يفتعلون دائما أزمات توجّه بسياسات تلفيقيةquot;، كما يلقون باللائمة على السلطات لعدم صرامتها في تطبيق الرقابة على تنفيذ القوانين، وعدم إقرارها تغييرات اقتصادية جذرية، وتنظيم السوق المحلية عبر توضيح أطر العلاقة بين المنتج والمستهلك، ودعم قاطرة الانفتاح الاقتصادي الذي تشهده الجزائر حاليا.
وتحذر قوى المعارضة من اتجاه الجبهة الاجتماعية نحو الانفجار، وتخشى احتمال حدوث quot;غليان شعبيquot; في ظلّ هزال القدرة الشرائية والأزمة المعيشية المستفحلة، خصوصا مع تصدّي بارونات السوق وتجار السوق الموازية لكل إجراءات الحكومة، ما معناه مواصلة الارتفاع الفاحش إرهاق ميزانيات الجزائريين إلى غاية وضع حد للسمسرة وتوابعها.
التعليقات