د. جاسم حسين
يناقش مقالنا جانبا من التقرير المعدل لعام 2007, الذي أصدره البنك الدولي حول تحويلات العمالة المغتربة. حسب التقرير، بلغ حجم تحويلات العمالة المغتربة في عام 2007 تحديدا 337 مليار دولار مسجلا زيادة قدرها 11 في المائة مقارنة بالعام 2006.

نصيب الدول النامية
كشف التقرير المدعم بالإحصاءات عن أن الدول النامية حصلت على نصيب الأسد باستقطابها 251 مليارا, أي نحو 75 في المائة من مجموع الأموال المرسلة. في بعض التفاصيل المثيرة، حصلت دول منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية على 61 مليار دولار مستفيدة من فرص العمل المتوافرة في الولايات المتحدة. وحدها المكسيك استقطبت 25 مليار دولار. تستفيد المكسيك من موقعها الجغرافي المتاخم لحدود الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. وربما يكون الرقم الحقيقي لحجم الأموال الداخلة إلى المكسيك أعلى, حيث يفضل بعض العاملين أخذ أموال نقدية معهم لأسباب لها علاقة مثل تحاشي دفع الضرائب.

كما نجحت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في الحصول على 59 مليار دولار. وحظيت الفلبين بمبلغ قدره 17.5 مليار دولار. تعمل العمالة الفلبينية في مختلف بقاع العالم مستفيدة من خصائصها التي تشمل المثابرة في العمل وحسن معاملة الزبائن وقدرة المخاطبة باللغة الإنجليزية. عالميا، حافظت الهند على مركز الصدارة بجلبها 27 مليار دولار وتلتها الصين 26 مليار دولار ومن ثم المكسيك والفلبين.

28 مليار دولار من الخليج

كشف التقرير قيمة الأموال المرسلة من دول مجلس التعاون الخليجي 28 مليار دولار عام 2007 مسجلا زيادة قدرها 2 في المائة مقارنة بعام 2006. والأهم من ذلك، أشار تقرير البنك الدولي إلى مضاعفة حجم الأموال المرسلة من دول الخليج في الفترة ما بين 2002 و2007. ويعود هذا التطور النوعي إلى حدوث تطورات اقتصادية نوعية في دول مجلس التعاون في السنوات الخمس الماضية, وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط ما فسح المجال أمام تعزيز المصروفات.

كما أكد التقرير أن زيادة قيمة الأموال المرسلة من دول الخليج إلى بعض الدول الأخرى مثل: الهند, باكستان, بنجلادش, والفلبين, فضلا عن مصر أسهمت في التخفيف من التداعيات السلبية لارتفاع أسعار النفط والمواد التموينية على اقتصادات هذه الدول النامية. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على إيجابيات اقتصادات دول مجلس التعاون الست بالنسبة إلى عديد من البلدان المصدرة للعمالة.
بيد أنه يقل الرقم 28 مليار دولار مع إحصاءات أخرى منسوبة لشركة ويسترن يونيون الرائدة في صناعة التحويلات المالية. فقد جاء في تقرير خاص أن العمال الأجانب قاموا بإرسال 59 مليار دولار من دول مجلس التعاون عام 2005. بمعنى آخر، فإن قيمة الأموال المنسوبة لتقرير (ويسترن يونيون) تساوى ضعف الرقم المنشور في تقرير البنك الدولي. يبقى أن هناك موضوع خروج أموال نقدية من دول المجلس أثناء سفر العمال. يعمل بعض الأجانب بإرسال الأموال خارج الأطر المصرفية أو الرسمية ربما تفاديا لدفع رسوم التحويل والفرق في شراء وبيع العملات.

إحصاءات مقلقة

تتميز دول مجلس التعاون بأنها توفر سبل العيش الكريم لملايين الأشخاص في مختلف بقاع العالم. تستقطب إمارة دبي عمالة من 100 دولة في العالم. بل من حق دول مجلس التعاون الخليجي أن تزعم أنها من أكثر المناطق استضافة للأجانب. فقد أكد التقرير أن نسبة المغتربين إلى عدد السكان تعتبر الأعلى في العالم, حيث تبلغ 78 في المائة في قطر, 71 في المائة في الإمارات, 62 في المائة في الكويت, و41 في المائة في البحرين. لكن ربما تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك, حيث أكدت الأرقام الرسمية المحدثة أن نسبة المغتربين تزيد على 48 في المائة للسكان في البحرين.
لا شك أنه لأمر غير معقول أن يشكل الأجانب (العمالة المغتربة إضافة إلى أفراد أسرهم) غالبية السكان في أي بلد. على أقل تقدير، يمثل الأجانب أكثر من نصف السكان في ثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون. وكرد فعل لهذه الحقيقة المرة، أعلنت الإمارات حديثا خطة لإعادة التوازن في التركيبة الديمغرافية للسكان.

تشجيع الاستثمار المحلي

مع الأسف الشديد, لا توجد إحصاءات يعتمد عليها فيما يخص الدخل السنوي للعمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون للوقوف بشكل دقيق على الأهمية النسبية للأموال المرسلة للخارج. لكن الاعتقاد السائد هو أن الأجانب يرغبون في إرسال أموالهم لأوطانهم بدل استثمارها محليا. وعليه هناك ضرورة لتشجيع العمالة الأجنبية في استثمار جانب من الأموال التي يحصلونها على دورات استثمارية داخل دول المجلس, ما يعني منحهم بعض المزايا.
المؤكد أيضا أن تجارة استصدار الحوالات وبيع وشراء القطع الأجنبي مربحة بدليل انتشارها في مدن دول مجلس التعاون لدرجة أن بعضها تعمل على مدار الساعة. المطلوب من السلطات في دول مجلس التعاون تعزيز الفرص الاستثمارية للعمالة المغتربة خدمة للاقتصادات المحلية.

(عضو مجلس النواب في البحرين)