تعتبر مهنة الدعارة في تشيكيا ومنذ سنوات عدة واحدة من أكثر القطاعات التي لا تخضع لأي نوع من الإشراف الاقتصادي أو الصحي أو الاجتماعي، وذلك بسبب غياب القانون الذي ينظم عمل الناشطين فيها، الأمر الذي يجعل ميزانية الدولة تخسر سنوياً وفق مختلف التقديرات ما بين 8- 9 مليار كورون. ولكون تشيكيا من الدول التي لا تزال رخيصة في مسألة الأسعار في هذا القطاع بالنسبة إلى الدول الغربية، فإنها أصبحت ومنذ فترة واحدة من الدول العشرين الأكثر شهرة في مجال تقديم الخدمات الجنسية وتوجه السائحين إليها لهذا الغرض.

براغ: في الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تنظيم سوق العمل لديها، عبر إصدار المزيد من التشريعات والقوانين وفرض الرسوم والضرائب، فشلت بعض الدول في التوصل إلى تنظيم شامل للمهن، والتي من أهمها المهنة الأقدم في العالم، أي مهنة البغاء. ولا تختلف تشيكيا عن غيرها من البلدان التي لا تنظم هذه المهنة، وبالتالي فإن الإشراف الاقتصادي والصحي غير متوافر وربما معدوم، مما يتسبب في خسارة الدولة والكثير من الأضرار للعاملات في القطاع والمتعاملين معهن من الرجال.

تعتبر مهنة الدعارة في تشيكيا ومنذ سنوات عدة واحدة من أكثر القطاعات التي لا تخضع لأي نوع من الإشراف الاقتصادي أو الصحي أو الاجتماعي، وذلك بسبب غياب القانون الذي ينظم عمل الناشطين فيها، الأمر الذي يجعل ميزانية الدولة تخسر سنوياً وفق مختلف التقديرات ما بين 8ــ 9 مليار كورون.

وتقول الدكتورة هانا مالينوفا المديرة التنفيذية لتجمع quot;النشوة بدون خطرquot; الذي يهتم بتخفيض المخاطر الصحية والاجتماعية لنحو ستة آلاف من النساء اللواتي يمتهن الدعارة، تقول لإيلاف إن التقديرات التي لدى التجمع تشير إلى أن نحو 13 ألف امرأة في تشيكيا يمتهن الدعارة، وإنهن يمارسن ذلك في براغ في نحو 60 نادياً وفي الشوارع ليلاً أو في البيوت الخاصة. وعلى الرغم من هذا العدد الكبير نسبياً بالنسبة إلى عدد السكان والدخل المالي الذي يحققه العاملون في هذا القطاع، فإن الدولة التشيكية لا تولي هذه المسألة الاهتمام الكافي.

وترى مالينوفا أن مشروع القانون الذي بدأت بلدية براغ تحضره في هذا المجال منذ فترة يحمل تقدماً على غيره من المشاريع الأخرى، غير أنها تأخذ عليه عدم تطرقه إلى الطرف الآخر من المعادلة، أي لطالبي الخدمات الجنسية، كما تأخذ عليه إمكانية فتحه الباب أمام تقديم الرشاوى بالنظر إلى العقوبات المالية الكبيرة التي ينص عليها، إضافة إلى أنه ينص على تكرار الفحوص الطبية، خلال وقت قليل، الأمر الذي يعتبر عبثياً استناداً إلى تجربة التجمع.

وتعتقد الدكتورة مالينوفا مع العديد من المتخصصين الاجتماعيين بأن التوجه القائم منذ فترة لإحصاء عدد العاملين والعاملات في هذه المهنة سيكون صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، لأن لا أحد لديه التفويض للتحقق من هذا الأمر، ولأن بين الذين يمارسون هذه المهنة في تشيكيا عدد كبير من الفتيات الأجنبيات، ولاسيما من جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً والدول الأوروبية الشرقية عموماً ومن أفريقيا والبرازيل، كما إن القيام بعملية إحصاء في هذا المجال سيكون على حدود العمل التمييزي.

وبالتوافق مع هذا الرأي، يقول متخصصون اجتماعيون تشيكيون متابعون لهذه الظاهرة إنهم لا يستطيعون التصور كيف سيقوم مفوضون بالدخول إلى النوادي الليلية وبأيديهم أوراق لإحصاء من يعمل فيها، كما إن الفتيات الأجنبيات اللواتي يعملن في هذا المجال يتجنبن الاحتكاك أو إقامة أي علاقة مع الدوائر التشيكية.

ويشير هؤلاء إلى أن تقديم الخدمات الجنسية في تشيكيا، يتم إما في النوادي الليلية التي يبلغ عددها نحو 800 نادياً ليلياً يعمل فيها نحو 6000 فتاة، أو في بيوت خاصة أو عبر الانترنت ونشر الإعلانات أو عبر التوقف على أرصفة الشوارع في أحياء معينة من المدن الكبيرة أو على أطراف البلدات الواقعة بالقرب من الحدود النمساوية والألمانية، باعتبار أن الأجانب من هاتين الدولتين هم من أكثر الأجانب زيارة إلى تشيكيا للحصول على الخدمات الجنسية. ويقدر هؤلاء المتخصصون الدخل الذي تحققه بائعات الحب من الصنف الرفيع بنحو 3000 يورو في اليوم، فيما لا تحقق الفتيات من النوع الذي يقف على أرصفة الشوارع سوى 100 يورو في اليوم.

وعلى خلاف الوضع بالنسبة إلى بلدية براغ التي تحاول فعل شيء في هذا المجال، فإن اهتمام النواب والحكومات المتعاقبة لا يزال ضعيفاً جداً في مسألة تقنين هذه المهنة على مستوى الدولة ككل، الأمر الذي يجعل مهنة الدعارة خارج نطاق السيطرة عملياً.

وبالنظر إلى كون تشيكيا من الدول التي لا تزال رخيصة في مسألة الأسعار في هذا القطاع بالنسبة إلى الدول الغربية، فإنها أصبحت ومنذ فترة واحدة من الدول العشرين الأكثر شهرة في مجال تقديم الخدمات الجنسية وتوجه السائحين إليها لهذا الغرض.

ويؤكد نائب رئيس اتحاد مكاتب ووكالات السياحة في تشيكيا توميو أوكامورا في حديث لـquot;إيلافquot; أن الأجانب يصرفون على الدعارة في تشيكيا سنوياً 3 مليار كورون، فيما يصرف التشيك نحو سبعة مليار. أما أكثر الأجانب حضوراً إلى تشيكيا لهذا الغرض فهم الألمان والبريطانيون والنمساويون. ويضيف أن الهدف الرئيس لغالبية السياح الجنسيين إلى تشيكيا هو براغ، ولذلك فإن دخل النوادي والعلب الليلية الواقعة وسط براغ يصل إلى نحو نصف مليار كورون شهرياً.

وينبه أوكامورا إلى أن براغ أصبحت في الفترة الأخيرة هدفاً للمثلين جنسياً من الأجانب، ولذلك يوجد في براغ الآن نحو 30 نادي لهم، إضافة إلى مقاهي مختلفة وحمامات البخار quot;الساوناquot; وفنادق وبنسيونات خاصة بهم. وأشار إلى أن الاتحاد نفذ استطلاعاً بين أصحاب نوادي المثليين جنسياً، فتبين له أن خمسة بالمئة من زوار هذه النوادي هم من الأجانب، وأن أعدادهم في تنامي. ويرى أن أحد الأسباب الرئيسة لتنامي سياحة المثليين جنسياً في تشيكيا يعود إلى أن التشيك هم شعب ملحد في غالبيته، ولذلك ليست لدى التشيك نظرة فوقية إلى هذا النوع من الناس، كالبولنديين مثلاً، كما إن براغ مدينة كبيرة يزورها أكثر من 4 مليون سائح سنوياً، أي أربعة أضعاف سكان العاصمة أنفسهم. وبالتالي فإن لا أحد يشعر بوجود السياح المثليين بين هذا العدد. ويضيف بأنه وفق معطيات الاتحاد فإن 400 ألف شخص من المثليين جنسياً يزورون تشيكيا سنوياً. أما عدد السياح الذين زاروا تشيكيا العام الماضي فقد بلغ 6.67 مليون أجنبي، منهم 4.06 زاروا براغ.

وفي موضوع آخر، ليس له علاقة بالدعارة، وإنما بالتوجهات السياحية للتشيك، يقول توميو أوكامورا إن اتحاد وكالات ومكاتب السياحة التشيكي لاحظ بأن تنامياً قد حصل في عدد التشيك الذين يسافرون إلى مناطق مختلفة من العالم، بحثاً عن المتعة الجنسية. وأضاف أن استطلاعاً نفذه الاتحاد قد أشار إلى أن نحو خمسة بالمئة من النساء التشيكيات يسافرن إلى الخارج لهذا الهدف، وأحياناً مرات عدة في العام الواحد. أما وجهتهن الرئيسة فهي تونس. وأرجع ذلك إلى أن الرجال التونسيين يتعرفون بشكل نشط مع الأجنبيات، لكونهم لا يستطيعون ممارسة الجنس قبل الزواج مع النساء التونسيات، كما إن الأوروبيات يشعرن بالسعادة من خلال الاهتمام الكبير الذي يولى لهن هناك، والذي لم يعتدن عليه في بلادهن.

ورأى أن من أسباب التوجه إلى تونس أيضاً أن أسعار الرحلات السياحية إليها هي من الأرخص في تشكيا بين الرحلات إلى المناطق البحرية. وأضاف أن وجهة الرجال التشيك الذين يبحثون عن المتعة الجنسية تختلف عن التشيكيات، حيث يقصد الرجال تايلاند لهذا الغرض، مشيراً إلى أن نحو ثلث الرجال التشيك الذين يسافرون إلى الخارج يتعرضون لتجارب جنسية.

وفي العودة إلى موضوع الدعارة في تشيكيا فقد لوحظ بأن غالبية النوادي الليلية التي هي عملياً بيوت للدعارة، تعمل وفق تراخيص لا تتطابق وطبيعة ما تقوم به، فالنادي الليلي المسمى آل باسو مثلاً والموجود في مدينة بلزن، حسب استقصاء قامت به إحدى الصحف التشيكية، هو بيت للدعارة. أما لدى السلطات المعنية فمسجل بأنه مركز رياضي وثقافي. ويبرر رئيس قسم التراخيص في المدينة أوتاكار اوت هذا الأمر بالقول إن إدارته لديها معايير محددة يمكن على أساسها منح الرخص للمطاعم أو البارات أو مراكز التدريب الرياضية. أما بالنسبة إلى مهنة الدعارة فلا تمتلك إدارته التعليمات الخاصة بذلك لأنه لا أحد عرف وحدد هذه المهنة قانونياً.

ولذلك تعمد مختلف النوادي الليلية إلى تمويه نشاطاتها كي تستمر في عملها. وتعترف الشرطة التشيكية بأن جوهر المشكلة يكمن في أن الدعارة غير مرخص لها، لكنها في الوقت نفسه ليست محظورة. وبالتالي لا تقوم الشرطة سوى بمعاقبة الأفعال المرافقة لهذه العملية، مثل القوادة أو الاتجار بالنساء وغيرها، ولذلك ترى الشرطة بأن تقنين هذه المهنة أصبح حاجة ماسة اجتماعياً واقتصادياً وصحياً، لأن الاستمرار في تجاهل الوضع سيحول تشيكيا إلى quot;بانكوك وسط أوروباquot;.

وبالتوازي مع تفشي الدعارة في تشيكيا وغيرها من دول وسط وشرق أوروبا، تتم عملية إتجار واسعة بالنساء من هذه الدول حسب منظمة الهجرة الدولية التي تؤكد أن نصف مليون امرأة يتم بيعها سنوياً إلى شبكات الدعارة في العالم، وأن النساء من دول أوروبا الشرقية يشكلن ثلثي هذا الرقم. وتعترف منظمة الشرطة الأوروبية بأن تجارة الرقيق الأبيض منظمة بشكل جيد. أما

المنظمات غير الحكومية المهتمة بهذه المسألة وبعض الأجهزة الأمنية في أوروبا الشرقية فتؤكد أن الكثير من النساء يقعن في فخ الاستدراج الذي يجري عادة عن طريق نشر إعلانات مكثفة في مختلف الصحف في دول أوروبا الشرقية عن الحاجة إلى مربيات أو نادلات في المطاعم أو مغنيات أو راقصات أو عارضات أزياء للعمل في الغرب أو في بعض الدول البلقانية بعروض مغرية.وبعد وصول الفتيات إلى (أماكن العمل) تصادر جوازات سفرهن، ويحتجزن لأسابيع عدة، يتعرضن خلالها للإهانات والتعذيب ثم يجبرن على ممارسة الجنس مع كثير من الرجال، إلى أن يروضن تماماً، ثم يبيعهن القوادون إلى عصابات مختلفة، الأمر الذي يجعل عودتهن إلى بلدانهن أو الوصول إلى الشرطة صعباً. وتؤكد العديد من المصادر المتابعة لتجارة الرقيق الأبيض في أوروبا أن العديد من الدول والمناطق في البلقان غدت مفترق طرق بالنسبة إلى الكثير من النساء، ولاسيما اللواتي يستدرجن من جمهوريات رابطة الدول المستقلة، كأوكرانيا أو ملدوفيا وروسيا البيضاء، فالنساء الأكثر جمالاً يرسلن إلى أوروبا الغربية، ولاسيما إلى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، في حين أن الأقل جمالاً وجاذبية يرسلن إلى تركيا واليونان والشرق الأوسط.

وفي دليل على الحجم الخطر الذي وصلت إليه هذه التجارة، يقول تقرير حديث نسبياً للمجلس الأوروبي إن أرباح القوادين ومجموعات المافيا التي تعمل في هذا المجال في دول الاتحاد الأوروبي ارتفعت في الأعوام العشرة الماضية بنسبة 400% وإن شبكات الدعارة هذه تعرض الآن نصف مليون امرأة للبيع، ويبلغ الدخل الذي تحققه النساء فيها للقوادين ومزوري الوثائق ومهربي البشر وغيرهم 13 مليار يورو سنوياً.