القرار يخص مجموعات الاستيراد وبأثر رجعي

الجزائر تلزم الشركات الأجنبية بالتنازل عن ثلث رساميلها

كامل الشيرازي من الجزائر: أعلنت الجزائر، ليلة الاثنين، أنّ المجموعات الأجنبية الناشطة على أراضيها، ستكون مطالبة بالتنازل عن ثلث رساميلها لفائدة جزائريين وبأثر رجعي، وأفاد وزير المال الجزائري quot;كريم جوديquot;، أنّ القرار يخص عموم الشركات الأجنبية المختصة بالاستيراد، وذلك بإلزامها تخصيص 30 بالمائة من رأسمالها لشريك جزائري له أثر رجعي، وهو قرار من شانه إثارة حفيظة كثير من المتعاملين الخارجيين في الجزائر.

وربط المسؤول الجزائري هذا الإجراء برغبة بلاده توخي تنظيم أمثل للتجارة الخارجية إثر تنامي الواردات، ما جعل وزارة المال تطبق سلسلة إجراءات على غرار إقرارها رسوما جبائية على تحويل المداخيل والأرباح في حدود 15 بالمائة، وبشأن عملية تمليك جزائريين 30 بالمائة من رأسمال الشركات الأجنبية للاستيراد، برغبة الحكومة هناك لفرض رقابة أكبر على المورّدين الأجانب، ومنح الأولوية للمتعاملين المحليين.

بيد أنّ خبراء يخشون من تداعيات قرار كهذا على منظومة الاستثمار الأجنبي في الجزائر، وتأثيره على عزوف محتمل للشركات الكبرى عن الخوض في السوق الجزائرية، علما أنّ فرض الحكومة الجزائرية العام الماضي لضريبة على الأرباح الاستثنائية لمجموع الشركات النفطية الأجنبية، كانت له ردود فعل قوية من طرف الشركات الأميركية والبريطانية على وجه الخصوص.

وينظر مراقبون إلى تشديد السلطات الجزائرية لإجراءاتها حيال المجموعات الأجنبية، برغبة غير معلنة في ترجيح كفة الشركات المحلية المملوكة للحكومة، بعدما اتهمّ مختصون الحكومة فيما مضى بخلق quot;مفاضلة غير مشروعةquot; بين المستثمرين الأجانب والمحليين، ولعلّ منح المجموعات الجزائرية الأولوية في المرحلة القادمة سيسمح لها بالارتقاء إلى منافسة العمالقة حال تمكن الجزائر من إتمام انخراطها في المنظمة العالمية للتجارة.

وتأتي الخطوة الجديدة بعد انتقادات قوية كالها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لعدد من المستثمرين الأجانب، ما دفع الحكومة الجزائرية، أوائل شهر أغسطس/آب الماضي، إلى المسارعة بإقحامها بندا جديدا ألزم المجموعات الأجنبية الناشطة في الجزائر، بتمليك جزائريين ثلث رساميل المشاريع الاستثمارية الأجنبية مستقبلا.

ويرى خبراء تحدثوا إلى quot;إيلافquot; أنّ القرار أتى ليضع حدا لاستنزاف الاقتصاد الجزائري غداة تحويل مليارات الدولارات من رؤوس الأموال خلال السبع سنوات المنقضية، وجاء القرار الجديد بنية تجاوز مطبات سابقة ألقت بظلالها على الاقتصاد المحلي في صورة ممارسات/مساومات قام بها متعاملون في السابق، وهي سوالب جعلت الرئيس الجزائري يوجه انتقادات لاذعة إلى النظام الاقتصادي المعمول به في بلاده، حيث استغرب كيف لمستثمر أجنبي أن يعرض سبعمائة مليون دولار ليتحصل على أرباح بالمليارات، ونعت ذلك بـquot;اللااستثمارquot; مصنفا إياه في خانةquot; العثرةquot; التي قصمت ظهر الاقتصاد الجزائري ومكّنت من بروز مؤسسات quot;طفيليةquot; اتخذت quot;تحرير الاستثمارquot; كمظلة، على حد تعبيره.

ويرى المختص quot;أنيس نواريquot; أنّ إبلاغ الحكومة مختلف المتعاملين الأجانب أنّها ستمتلك أغلبية رساميل المشاريع بما يتوافق مع وسائلها ومصالحها الوطنية، يمثل بمنظاره محاولة من السلطات لتصحيح وضع مغلوط تكرّس منذ تدشين الجزائر مرحلة الانفتاح الاقتصادي، ويشير نواري إلى تجارب سابقة لم تجن منها السلطات الكثير، ضاربا المثل بما تضمنه القانون السابق للمحروقات من محاذير/مزايا كانت في صالح المجموعات الأجنبية، قبل أن تنتبه الحكومة إلى ذلك بعد نحو سنتين من ذلك، والانطباع نفسه ينسحب على مجموعات أجنبية نشطت في قطاعات صناعية وأخرى خدمية.

من جانبه، يركّز الخبير الاقتصادي الجزائري quot;عبد الحق العميريquot; أنّ quot;زهدquot; سلطات بلاده خلال الأعوام الفارطة في السيطرة على رساميل مئات المشاريع الاستثمارية التي رخصت لها منذ مطلع الألفية الحالية، شجع على تضييع مكاسب هائلة، حوّلت قطاع من المستثمرين الأجانب إلى أثرياء من الدرجة الأولى، ويستدل العميري بما كشفه بنك الجزائر عن تحويل الشركات الأجنبية العاملة في البلاد لمخصصات بحدود 22.2 مليار دولار أميركي إلى الخارج منذ العام 2001، وذلك في إطار تحويل فوائد الشركات الأجنبية التي تنشط في الجزائر في قطاعات العقار والبناء والأشغال العامة وتجارة السيارات والأدوية والمنتجات الزراعية والأغذية، يؤيد المتتبع quot;سليم لعجايليةquot; هذا الطرح، طالما أنّ قطاعا من المستثمرين الأجانب الذين استعملوا التسهيلات الممنوحة من طرف الحكومة لتحويل مبالغ ضخمة إلى الخارج. ويلاحظ quot;أنيس نواريquot; أنّ افتقاد الجزائر لحصة الأسد في المشاريع التي تجسدت على أراضيها، أضاع على الخزانة العامة هامشا هاما من المكاسب، ويدرج نواري الأرباح المحققة من طرف مجموعات نفطية بحدود 10.7 مليار دولار، وهي quot;غنيمةquot; سرعان ما تراجعت إلى 4.7 مليارات دولار العام المنصرم، إثر فرض الحكومة لضريبة على الأرباح الاستثنائية لمجموع الشركات النفطية الأجنبية.