بين النفط والمال كان نجيب محفوظ حاضراً
الحربش لإيلاف: quot;أوفيدquot; هدفها الشعوب وليس الحكام
سلوى اللوباني من القاهرة: لا اخفي اهتمامي بإجراء الحوار مع quot;سليمان الحربشquot; المدير العام لصندوق أوفيد للتنمية الدوليةفي فيينا-النمسا انطلاقا من اهتمامه بالثقافة والفكر بناء على ما قرأته عنه في عدة صحف وسمعت عنه من بعض الأصدقاء، كان لدي الكثير من التساؤلات..فكيف لشخص على عاتقه كل هذه المهام وكثير الأسفار يجد الوقت للقراءة وأيضا يتذوق الأدب بهذا العمق! وما تأثير ذلك على عمله وقراراته؟ هل ساعدته الثقافة أو لنقل القراءة في مجال الأدب؟ هل هناك ارتباط بين الثقافة والاقتصاد؟ كان لقائي بالسيد سليمان الحربش مرتبا له أن يتم منذ شهر ونصف في منطقة البحر الميت في الأردن أثناء تواجده هناك من اجل اجتماعات مجالس محافظي الصناديق العربية للتنمية الاقتصادية لمناقشة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها السلبية على الاقتصاد العربي والتدابير اللازمة لمواجهتها إضافة إلى تفعيل قرارات القمة الاقتصادية العربية الأخيرة إلا أن ظروف عمله اضطرته للسفر إلى quot;فييناquot; قبل موعد لقاءنا، فتم اللقاء مؤخرا في مصر خلال زيارة استغرقت يومين لتوقيع اتفاقية تمويل مشروع محطة كهرباء أبو قير مع السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي وهذا خامس مشروع من نوعه يسهم quot;اوفيدquot; فيه. تم اللقاء في مصر.. المدينة التي يحبها الحربش ويحمل لها الكثير من الذكريات الجميلة على حد تعبيره..كان لدي مجموعة من الأسئلة الاقتصادية والثقافية إلا أن ضيق وقت الحربش لم يسمح بالإجابة عليها جميعها.
الحربش والصناعة البترولية
الأستاذ سليمان الحربش من مدينة الرس بالمملكة العربية السعودية، متزوج وله أربعة أولاد، حصل على درجة البكالوريوس من كلية الاقتصاد جامعة القاهرة عام 1966 ونال درجة الماجستير في الاقتصاد من جامعة تكساس عام 1974. ودورة في اقتصاديات نقل البترول لندن 1978. عمل في وزارة البترول والثروة المعدنية أكثر من أربعين سنة ويعد من أولئك الذين ساهموا في تنفيذ السياسة البترولية السعودية وما انطوت عليه من منعطفات كان لها اكبر الأثر على صناعة البترول العالمية. أوكل إليه خلال عمله في الوزارة رئاسة ثلاث شركات على درجة عالية من الأهمية هي الشركة الوطنية السعودية للنقل البحري، وشركة تكساكو السعودية (حاليا شيفرون)، وشركة الحفر العربية وهي شركة سعودية فرنسية. تم تعيينه عام 1982 وكيلا مساعدا. وفي عام 1990 عين محافظا للملكة في منظمة الأوبك، شارك في مؤتمرات الأوبك منذ عام 1974 ولغاية اليوم، في الفترة من عام 1980-1989 أصبح عضوا في لجنة الدراسة في أرامكو قبل التملك وهي اللجنة المعنية بدراسة ميزانيات الشركة قبل عرضها على مجلس الإدارة. شارك في الكثير من المؤتمرات الدولية، عضو في العديد من اللجان ومجالس الإدارات فقد أسهم في بناء الكثير من قواعد الانطلاق لعدد من الشركات، وهو رئيس فريق الطاقة المعني بالتفاوض مع دول السوق الأوروبية المشتركة. تولى quot;أوفيدquot; عام 2003 وتم تمديد رئاسته لخمس سنوات قادمة لجهوده المتعددة خلال الفترة الماضية والتي كان لها الأثر الكبير في مساعدة وانجاز عدد من المشاريع في عدد من الدول.
أبو زهير..صاحب الحضور القوي
وأقدم هنا بعض الكلمات التي تصف الحربش من الجانب العملي والجانب الشخصي، كلمات مقتبسة من نص خطاب وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي الذي ألقاه في حفل التكريم الذي أقامته وزارة البترول بمناسبة انتهاء عمل الأستاذ سليمان جاسر الحربش في وزارة البترول بعد 41 سنة من الخدمة فيها وانتقاله إلى فيينا مديراً عاما لصندوق اوفيد والذي نشر في جريدة الجزيرة في 24 أكتوبر 2003 يقول الوزير بالنص: quot; لقد احترت كيف أبدأ خطابي عن صديقنا وزميلنا أبو زهير، فهو صاحب حضور قوي من أي جانب أردت فيه الحديث عنه، سواء أكان هذا الجانب عمليا أم شخصيا..فمن أراد منا أن ينظر إلى رجل محبوب أمضى عمره في خدمة بلده، فلينظر إلى زميلنا الذي نكرّمه هذه الليلة: سليمان الجاسر الحربش. فهذا الرجل اتفق مفاوضوه ونظراؤه وزملاؤه وأصدقاؤه على انه يدخل إلى القلب بسرعة. أما دخوله إلى العقل حين يناقش أو يحاور أو laquo;يلذعraquo; فأسرع من ذلك. لقد عرفته، شخصياً، رجلاً مجرباً، سريع البديهة، يتمتع بأسلوب متميز في الحديث والكتابة باللغتين، يشد إليه الأنظار، ويستحوذ على قناعات من يعمل معه. فمن أقصى الكرة الأرضية في الغرب إلى أقصاها في الشرق، ومن صقيع الشمال إلى سموم الجنوب، كان دائماً يحمل حقيبته ويرحل ممثلاً للمملكة أو منتدباً، بالنيابة عن وزارة البترول، ليحاور ويفاوض ويقرر كل ما فيه مصلحة بلادنا ونفعها وخيرها. ان ما يميز أبو زهير، هو ما يميز الرجل الناجح والقيادي في أي مكان أو زمان.. انها المقدرة على تحمّل مختلف المسؤوليات والتعامل معها في آن واحد وبكفاءة عالية، فهو رجل ذو معرفة واطلاع واسع ليس فقط في الشأن البترولي والاقتصادي، بل في الشؤون السياسية والثقافية والأدبية وغيرها. ولأبي زهير مقدرة لغوية واهتمام واضح بهذا الجانب laquo;العربية والإنجليزيةraquo; من نواحي مفرداتها وقواعدها وأسلوبها وفنونها. ولدى أبي زهير ذاكرة قوية، فهو يستطيع تذكر أدق تفاصيل قصة حدثت منذ عشرين أو ثلاثين عاماً، وهي تفاصيل تشمل على سبيل المثال اسم الفندق الذي سكنه آنذاك، ورقم الغرفة، والشخص الذي قابله، بل ونوعية وجبة الأكل التي تناولهاquot;.
*خلال عدة ايام تنقلت بين دمشق، عمان، طهران، ابو ظبي، الدوحة، الرياض والقاهرة..كيف تتحمل كل هذه الاسفار؟ الا تكل من هذا السفر؟
يذكرني هذا السؤال بقول ابن زريق:
ما آب من سفر الا وأرقه عزم الى سفر بالرغم يزمعه
كأنما هو في حل ومرتحل موكل بفضاء الله يذرعه.
لا أكل بالعكس فان مثل هذه الأسفار هي مصدر متعة لي لأنها تصب في صميم المهمة النبيلة التي أنفذها أنا وزملائي في صندوق أوفيد للتنمية الدولية. هذه المهمة الإنسانية تتلخص في بناء المدارس، والمستشفيات، والطرق والسدود، الذي يستفيد منها السواد الأعظم من الشعوب الفقيرة.
*كيف تستطيع أن توفق بين السفر وأسرتك؟
أنا استطعت عبر السنين أن أوفق بين التزاماتي العائلية وبين عملي لكنني قبل عام 2003 لم أكن مستعدا حتى للنظر في البحث عن عمل خارج المملكة. والسبب في ذلك الوقت هو الالتزامات العائلية الذي تمثل في وجود أبنائي في المدارس، أما وقد زالت هذه الظروف فأنني استطعت أن أسافر. أما زوجتي د. مي التي قضت ردحا من الزمن في تدريس علم الأحياء في جامعة الملك سعود فقد شجعتني على قبول المنصب والسفر إلى فيينا بل إنها وجدت في هذه المدينة مرتعا خصبا لخدمة المرأة العربية ونشر منجزاتها العلمية أمام الجمهور النمساوي والعرب المقيمين وذلك بفضل منحة سخية من صاحب السمو الملكيالأمير سلطان بن عبد العزيز.
*يقال بان دور quot;أوفيدquot; لم يكن بارزا في فيينا قبل مجيئك فكان بالنسبة لهم مجرد مبنى قديم جميل، أما الآن أصبح دور أوفيد بارزا!
إذا كان هذا ما يقوله الناس فلا تعليق لدي ولكن أنا في الحقيقة ذكرت في مناسبات عديدة إن الملك فهد رحمه الله عندما وقع كتاب التعيين الخاص بي.. كتب فيالبرقية quot;إننا لم نسمع عن هذا الصندوق ولا عن الدول التي ساعدهاquot;. وهذا يدلك على انه كان هناك تعتيم غير مقصود على أعمال الصندوق. نعم هذا صحيح المبنى جميل ويتميز بأنه تاريخي وجميع الناس تعرفه. ولكن كان ينظر إليه كما لو كان قسما تابعا لمنظمة quot;أوبكquot;.كما أن الناس تخلط بين منظمة أوبك و أوفيد. هذا الصندوق دفع منذ تأسيسه 9 بلايين دولار على تمويل المشاريع التنموية بصرف النظر عن اللون والجنس والدين يضاف إلى ذلك مشاريع القطاع الخاص وبرنامج تمويل التجارة وأيضا عمليات المنح مثل المساعدات التقنية ومعونات الإغاثة في حالات الطوارئ وحساب خاص لمكافحة مرض الايدز ومنح للمعونات الغذائية وحساب خاص لمساعدة الشعب الفلسطيني ومنح لتوفير المبادرات المجتمعية والمعونة الإنسانية والأبحاث وغيرها الكثير. يجب أن أوضح هنا أننا نعمل في مجال تنمية البنى التحتية من الطاقة والنقل والاتصالات وأيضا تنمية الموارد البشرية في التعليم والصحة وتوفير المياه والمرافق الصحية وأيضا تنمية القدرة على الإنتاج في الصناعة والزراعة والتنمية الريفية.
*قمت بتغييرات جوهرية في quot;أوفيدquot; وخاصة في المجال الإعلامي حتى تبرز دوره وأهدافه?
كان هناك خمول إعلامي فيما يخص عمل الصندوق. توليت رئاسة الصندوق في نوفمبر 2003 وبعد ذلك بشهرين أو ثلاثة أخرجنا ما يسمى بالحملة الإعلامية الأولى والآن نعمل على الحملة الإعلامية الثانية، هذه الحملات الإعلامية تشتمل على عدة أمور منها تصميم شعار (لوغو) جديد للصندوق، وأصدرنا نشرات جديدة للصندوق، وأيضا نشرة أسبوعية بسيطة جدا تحتوي على كل نشاطاتنا من زيارة الضيوف إلى الدورات إلى مقابلة رجال الأعمال وغيرها. كما أصدرنا مجلة للموظفين اسمها insights. كما تم تأسيس برنامج المنح الدراسية السنوية، قدمنا منحا دراسية للماجستير في التنمية المستدامة حصلت عليها سيدة من الفلبين وأخرى من الباكستان. وتم تأسيس جائزة اوفيد السنوية للتنمية. وتأسيس كرسي لدراسات التنمية المستدامة في إحدى الجامعات المرموقة. كما قمنا ونقوم برعاية العديد من النشاطات على سبيل المثال رعاية أنشطة مؤسسة الفكر العربي ومؤتمر الايدز وأيضا مؤتمر التنمية والبيئة في البحرين. اشتركنا في معارض كثيرة مثل معرض الايدز في تورنتو ومكسيكو سيتي والسنة القادمة في فيينا.. والاهم أننا اندمجنا في quot;فييناquot; نفسها بين السفارات والمنظمات، أصبح لدينا علاقات فعالة معهم، أوفيد أصبح لها شخصية متألقة الآن. وشاركنا منذ عام 2007 برعاية ماراثون فيينا العالمي الذي تشارك به 80 دولة على الأقل وتمثل رعايتنا له بدفع مبلغ معين للقائمين على هذا النشاط إضافة إلى تقديم منحتين لمنظمتين خيريتين 50 ألف يورو لكل منظمة نقوم بها بشكل مصاحب مع الماراثون كجزء من التبرع. وفي الشهر القادم سنقوم برعاية كونسيرت مارسيل خليفة وريع الحفل يذهب عن طريق الاونروا إلى الطلبة الفلسطينيين النوابغ. والحملة الإعلامية لا تنفصل عن الإصلاحيات الإدارية داخل اوفيد مثل الحوافز واستقطاب الكفاءات والشباب أي دم جديد وفكر جديد. لم يلتحق شخص واحد للعمل في اوفيد منذ قدومي إلا وكان ذو كفاءة. لدينا شباب ممتازين متخرجين من جامعات جيدة وبتقدير عال وليس فقط من الدول الأعضاء.
*ما هي نسبة الموظفين من الدول الأعضاء؟
نسبة الموظفين من الدول الأعضاء عالية جدا لا تقل عن 55% ولدينا من دول الخليج السعودية والكويت، هناك مثلا مدير قسم Information Technology سعودي ومدير قسم African Section ايضا سعودي. ونائب المدير العام للشؤون المالية ايراني ونائب المدير العام لشؤون العمليات جزائري. ولكن عجزنا ان نحصل على موظفين من قطر والامارات ربما بسبب عروض العمل لديهم افضل من عروضنا. ما اريد ان اقوله ان هذا الخليط من الثقافات ساعد في خلق روح جميلة للصندوق روح من التضامن والاحترام المتبادل يؤثر ايجابيا على اسلوب العمل.
*ولكن لماذا تم تصميم شعار جديد لاوفيد ضمن الحملة الإعلامية؟
الشعار السابق كان خليطا من شعار البنك الدولي وشعار منظمة أوبك وعندما بدأنا التفكير بشعار يخصنا وردنا في البريد خطابفتحناه بالخطأ وجدنا أن احد جيران أوفيد قد أسس شركة باسم Opec Fund Corporation ، تقدمنا بشكوى لوزارة الخارجية النمساوية وجاءنا الرد بأننا لا نستطيع أن نحميكم لأنه ليس لديكم شعار رسمي مسجل لدينا. فبدأنا على الفور في تصميم الشعار الذي ترينه وهو بشكله البيضاوي يضم الأفكار التي نريدها وهي تعبر عن مهمة أوفيد، الشمس تعني الأمل، الكرة الأرضية تعني العالم، أما عبارة أوفيد هي الأحرف الأولى من الاسم الرسمي. وقمنا بتسجيل هذا الشعار لدى منظمة الأمم المتحدة لحماية الملكية الفكرية في جنيف، وأصبح متداولا في كافة المنظمات الدولية وقد صادق عليه كل من مجلس المحافظين والمجلس الوزاري لاوفيد.
*يعتبر النفط عماد الاقتصاد العالمي والعالم يمر بأزمة اقتصادية عالمية. كيف تأثر صندوق أوفيد بهذه الأزمة العالمية؟
بالنسبة للازمة المالية تأثرنا كما تأثر غيرنا، هذه الأزمة التي بدأت في شكلها المالي ثم تحولت إلى أزمة اقتصادية هي أكثر الأزمات المالية عمقا التي حدثت منذ 60 عاما، على سبيل المثال معدل انخفاض الدخل الفردي في العالم يزيد أو يتعدى مثيله في الأزمات التي حدثت في الأعوام 1975، 1982، 1991 بخمس مرات. لكن ينبغي أن آخذ بالحسبان أن صندوق أوفيد ليس مؤسسة استثمارية إنما مؤسسة تنموية لذلك مفهومنا للمخاطرة يختلف عن مفهوم البنوك التجارية وهذا وفر لنا حماية من الآثار السلبية للازمة، لكن كما قلت تأثرنا وهذا التأثر الحقيقة مزدوج لأننا في أوفيد أيضا نعنى بشركائنا المستفيدين من خدماتنا في الدول النامية بمعنى أنهم عندما تأثروا بالأزمة كان لزاما علينا بطبيعة مهمتنا أن نقف معهم. مثلا دولة ما انخفض تقديرها من جيد إلى مرضي، فهذه الدولة عندما يهبط تقديرها بهذا الشكل فان البنوك التجارية تبتعد عنها، أما في البنوك التنموية فإننا نقف بجانب هذه الدول.
*أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرة quot;الطاقة للفقراءquot;، ولصندوق اوفيد دور بارز في تطبيقها. هل يمكن أن تحدثنا عن هذه المبادرة?
هذا الموضوع يستمد أساسه من قمة أوبك الثالثة التي عقدت في الرياض في نوفمبر 2007وصدر عنها إعلان الرياض المكون من ثلاث فصول، ونص الفصل الثاني الذي يعنى بالطاقة والتنمية المستدامة على ما هو المطلوب من دول أوبك بخصوص اجتثاث فقر الطاقة، أي هدف هذه المبادرة تمكين الدول النامية من مواجهة تكاليف الطاقة المتزايدة، فالدول النامية ذات الدخل المنخفض تستهلك 20% من احتياجاتها من الطاقة مما يعرف بالطاقة التجارية وهو الفحم والغاز والبترول، أما الباقي فهو 80% فيأتي من المصادر البدائية وهي الحطب ومخلفات الحيوانات. أقمنا ورشة عمل في مدينة أبوجا عاصمة نيجيريا ضمت العديد من المنظمات التنموية وممثلي شركات الطاقة وتوصلنا إلى أهم نتيجة أن السوق فشل في حل مشكلة الطاقة ولا مناص من التدخل. قمنا برفع نتائج الورشة للمجلس الوزاري في عام 2008، ثم عقد مؤتمر الطاقة في جدة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله وحضره عدد من رؤساء الدول الشخصيات من العالم منهم quot;جوردن براونquot; ورئيس الصين ودعا خادم الحرمين الشريفين في خطابه البنك الدولي لعقد مؤتمر للدول المانحة والمؤسسات المالية والإقليمية والدولية مناقشة هذه المبادرة وتفعيلها، كما دعا المجلس الوزاري لصندوق أوفيد للاجتماع والنظر في إقرار برنامج مواز للبرنامج السابق واقترح أن يخصص مليار دولار لهذا الغرض، كما أعلن التزام المملكة بمبلغ 500 مليون دولار تصرف عن طريق الصندوق السعودي للتنمية. ونعمل في أوفيد حاليا مع البنك الدولي والصندوق السعودي للتنمية على تنفيذ مبادرة خادم الحرمين الشريفين.
*قلت في حديث صحفي سابق ان السعودية تتحمل 90% من عبء استقرار السوق النفطية العالمية وبالرغم من ذلك توجه السهام لها?
قضيت أكثر من ثلاثين سنة في وزارة البترول والثروة المعدنية وعاصرت إلى حد كبير قيام منظمة أوبك والهجوم الذي يشن عليها. ويكفي أن نتذكر أن في الأسبوع الأول لقيام منظمة أوبك في 14سبتمبر 1960 كتبت quot;النيويورك تايمزquot; وقتها quot;أن هناك تنظيم احتكاري قام في بغداد ولم ينضم إليه الاتحاد السوفيتي وسوف يبقى لشهر أو شهرين ثم ينتهيquot;. قيل هذا الكلام قبل أن يكتب دستور منظمة أوبك. عندما تقرئين دستور منظمة أوبك ستجدي أن أهدافها نبيلة من استقرار سوق النفط وضمان دخل معين لصناعات البترول وتنسيق بين الأسعار.. كله لصالح المستهلك بدون شك. أنا مدافع مستميت عن أهداف أوبك واعتقد أنها أنجح وأهم منظمة قامت في العالم الثالث لأنها تدعم الاقتصاد العالمي من خلال استقرار سوق النفط كما تقوم أوفيد بدعم استقرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدول الفقيرة في جميع أنحاء العالم. المملكة العربية السعودية تستحوذ على 25% من احتياطي النفط العالمي ولديها شركة وطنية هي أرامكو السعودية كان لي شرف معاصرة إنشائها واستطيع الآن بعد عشرات السنين أن أقول إن ما كان يوصف بالدول الرجعية استطاع أن يوجد صناعة بترولية تضاهي مستوى الشركات العالمية، في عام 1982 صدر المرسوم الملكي بإنشاء الشركة وتم الإبقاء على ما لديها من صلاحيات مالية كما لو كانت شركة أجنبية بمعنى أن الشركة تتمتع باستقلال تام في تحديد مصاريفها الرأسمالية. وتسعى الشركة إلى بناء طاقة إنتاجية بمقدار 12.5 مليون برميل في اليوم. جزء من هذه الطاقة يستخدم لسد العجز في الطلب أو عندما يطرأ أي ظروف.
*لم توضح لي ما هي الأمور المغرضة بحق المملكة؟
البعض ينظر إلى أن منظمة أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية تقوم بالتلاعب بأسعار السوق لمصالح شخصية وعلى العكس تماما السعودية تقوم بالمحافظة على السعر. وأريد الآن أن أقرر حقيقة مهمة جدا وهي أن السعر المرتفع ليس بمصلحة أحد لا المنتج ولا المستهلك، ولكن أيضا السعر المنخفض جدا ليس في صالح أحد أيضا. والدليل على ذلك في عامي 1997 و 1998 انخفض السعر إلى 9 و 8 دولار فأتت الدول المستهلكة مهرولة إلى الدول المنتجة تطالب برفع السعر، لان السعر المنخفض جدا لا يشجع على بناء طاقات جديدة. أريد أن أوضح أيضا أن مرحلة استكشاف البترول سهلة في مقابل مرحلة تطوير الحقل وهذه مرحلة تحتاج إلى جهد كبير وتكلفة بالبلايين. ونقدم دائما مثال هو حقل الشيبة الذي كلف 2.5 بليون دولار ليتم تطويره، البرميل الواحد كلف في اليوم 5 آلاف دولار. لهذا قلت أن السعودية تقوم بجهد كبير في أوبك لضمان استقرار السوق من خلال بناء الطاقات الإنتاجية لذلك السعودية تتحمل 90% من عبء استقرار السوق النفطية العالمية.
*ما مدى تقاطع المصالح السياسية مع عمل أوفيد وخاصة فيما يتعلق بالنزاعات والمحاكمات الدولية، على سبيل المثال ما يحصل في السودان. هل تؤثر هذه المشكلة على مشاريعكم التنموية في السودان؟
هذا السؤال يوحي بان الصندوق مسيس وهذا غير صحيح. الصندوق خلق بإرادة سياسية بدون شك. واعتقد انه عين العقل أن يكون غير مسيس لان مشاريعنا تستهدف الشعوب وليس الحكام. نقوم ببناء طريق أو سد أو مدرسة هل هذه للحكام أم للشعوب؟ أنا شاهدت الطريق في بوركينا فاسو الذي يربط العاصمة وجادوجو بغانا، هذه المنطقة مقفلة ولا منافذ لها على البحر فكان هذا الطريق ليساعد الناس بتسويق منتجاتهم. ولو أردنا أن ندخل في خضم الخلافات والمعارك السياسية لانحسر نشاط الصندوق وافرغ من قيمته ومحتواه. وهناك أمر هام ..على سبيل المثال مشروع المدارس مدته 20 سنة وفترة السماح 5 سنوات..فإذا أردنا أن نتماشى مع الخلافات السياسية هل سنوقف المشروع؟ هذا لا يجوز. نحن نعمل في كثير من الدول، لدينا دول عربية تحت خط الفقر منها السودان، اليمن، جيبوتي وجزر القمر. الاستثمارات الاجتماعية باقية.
*بعيدا عن النفط والمال.. حدثني عن ذكرياتك في الفترة التي عشتها في مصر؟
أتيت إلى مصر في عام 1962 لكي التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وهذه قصة طويلة سأرويها لك في يوم ما لان لها علاقة بعملي أيضا. أتيت إلى مصر وأنا في اعتقادي بان لي منحة للجامعة الأمريكية وظهر أن هناك خطأ من قسم البعثات بوزارة المعارف السعودية. فأحالني الملحق الثقافي الأستاذ quot;احمد المانعquot; رحمه الله إلى جامعة القاهرة.. قلت له أريد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لان مجموعي عال وكنت العاشر مكرر في المملكة.. قال لي بما أننا في شهر أكتوبر ولا يوجد أمامي الكثير من الوقت لذلك الأفضل أن التحق بكلية الحقوق لان الملحق على علاقة جيدة بالعميد د. جابر جاد. وبالفعل التحقت بكلية الحقوق بالرغم من أنني لم أكن ارغب بهذه الدراسة وفيما بعد انتقلت إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. كان عميد هذه الكلية المرحوم د. محمد زكي شافعي رجل على درجة عالية من العلم والأخلاق، ومع انه كان متخصصا في الاقتصاد النقدي إلا أنني أعتبره أيضا من أكبر المتخصصين في اقتصاديات التنمية وهو الذي أدخل هذا الفرع في جامعة القاهرة. واعتبره أول أستاذ مرموق يفتح شهية الطلبة بهذا الفرع من العلوم الاقتصادية في ذلك الوقت. حملت الكثير من الذكريات الرائعة جدا لزملائي وللجامعة.. وللمسرح القومي ومسرحيات سكة السلامة، وبئر السلم والسبنسه لسعد الدين وهبة، والفتى مهران لعبد الرحمن الشرقاوي، وشمس النهار الفريد فرج وغيرها من مسرحيات لتوفيق الحكيم ويوسف إدريس. في الحقيقة كانت حياة جميلة بسيطة وكنا نعد أنفسنا من اسعد الناس.. كنت اسكن في شقة في منطقة الجيزة..نستخدم الأتوبيس.. نذهب في رحلات إلى الإسكندرية والأقصر وأسوان...رأيت عن قرب حقيقة الشعب المصري شعب طيب وحنون لا يوجد لديه غرور أو تعصب، لديهم المرونة لاحتواء الأخر. ولا أخفي أنني أشعر دائما بالحنين والرضا التام عندما تستطيع quot;أوفيدquot; أن تقوم بمشروع أو تقديم منحة لمصر.

*قيل انك قارئ ومثقف وناقد منصف، تقرأ في الأدب الروائي وفي شؤون الاقتصاد والسياسة. حدثني عن قراءاتك؟
أغلب قراءاتي بدأت مع المنفلوطي وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله ومن ثم انتقلت إلى الوجبة الرئيسية وهو quot;نجيب محفوظquot; ولا زلت أعتقد انه فعلا كاتب مبدع لا شك. ورواية ميرامار من أجمل رواياته وأسهلها...شخصية زهرة تعبر عن مصر، ولكن لم يعجبني الفيلم المقتبس عنها.. الرواية أجمل بكثير. صدرت رواية ميرامار أثناء بكاءنا على نكسة 1967. وكان لدي صديق اسمه quot;حمود بن راكان السبهانquot; شفاه الله كان هو عمدة أصدقاء نجيب محفوظ في الرياض. عندما كنت في مكتبة الإسكندرية منذ أشهر لحضور المؤتمر العالمي للمناطق الجافة وقام كل من د. عادل البلتاجي ود. عدلي بشاي بتقديمي، ألقيت كلمتي باللغة الانجليزية وفي ختامها توجهت إلى الجمهور وطلبت منهم أن يعذروني بتوجيهي تحية إلى مدينة الإسكندرية وقرأت باللغة العربية أول جملة بدأ فيها نجيب محفوظ روايته ميرامار على لسان عامر وجدي أحد أبطال الرواية quot; الإسكندرية أخيرا.. الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموعquot;. ومع إعجابي بهذه الرواية إلا أن الثلاثية تبقى قمة ما أخرجه نجيب محفوظ وأغلب الظن انه منح جائزة نوبل لتجسيده شخصية الرجل العربي ببطل الرواية احمد عبد الجواد ذلك الرجل المزدوج فهو عند زوجته أمينة الأسد الغضنفر وعند quot;العالمةquot; زبيدة الحمامة الوديعة، وأستطيع أن أقول إن هذه الشخصية لا زالت بيننا وهي السوس الذي ينخر في جسم الشخصية العربية. أما الآن فانا أقرأ للمرة الثانية رواية الكيميائي. ولكن قراءاتي في الآونة الأخيرة ليست روايات، أقرأ في مجال تخصصي أكثر.
*أنت رجل الاقتصاد والثقافة..كيف تجمع بينهما؟
هناك علاقة وثيقة جدا، أول مرة سافرت فيها إلى أمريكا كان لدي امتحان في مادة الكتابة في معهد اللغة الانجليزية، وكان السؤال: اذكر الخاصية التي يجب أن يتصف بها من هو في تخصصك؟ أجبت بكلمة واحدة quot;الخيالquot;. فأعجبت إجابتي الأستاذة جدا. ما أريد أن أقوله أن الخيال المبدع لا يأتي من عدم . الخيال هو الذي يساعد الإنسان على اتخاذ موقف معين أو قرار.. أي قرار استراتيجي يبدأ بأن هناك إنسان ما يحلم... حتى الاختراعات تبدأ بالأحلام. عندما أزاول رياضة المشي التي أحبها تأتيني أفكار عديدة جدا.. لذلك دائما معي قلم وورقة لأسجلها..أفكار لأمور كانت مستعصية الحل وأنا جالس. القراءة المستمرة.. قراءة الأدب تعطي بعدا هائلا جدا من الفكر ومن المقدرة على التعامل مع الظروف. مثلا أنا الآن أعمل في مؤسسة تواجه أزمة مالية.. تواجه طلبا متزايدا من دول فقيرة.. ومع ذلك والحمد لله ما زلت أطفو.. ولا زلت أتعامل مع هذه الصعوبات.. وهذا لا يعني باني محصن.. إلا أن تجارب السنين الماضية أعطتني المقدرة على مواجهة الصعوبات.