مشعل الحميدي من الخبر: كشف تقرير صدر اليوم عن أن شركة أرامكو السعودية المملوكة بالكامل للحكومة السعودية قد زادت من العقود الممنوحة في قطاع الهيدروكربونات مرة أخرى هذا العام، بعد توقف في النصف الثاني من عام 2008. حيث وصلت قيمة العقود الممنوحة في الفترة من يناير إلى يونيو الماضي إلى نحو 21 مليار دولار، بالمقارنة مع أقل من 1 مليار دولار في الربع الأخير من عام 2008، منوهاً بأنه قد تكون ندرة العقود في نهاية العام الماضي لها علاقة بالانخفاض الحاد في أسعار النفط، ولكن الأرجح أنه يعكس عزم أرامكو على إعادة صياغة العقود القائمة في ضوء انخفاض تكاليف عوامل الإنتاج، بحيث ركزت العقود الممنوحة أخيراً في القطاع النفطي على برنامج تطوير حقل منيفة كجزء من الجهود المستمرة التي تبذلها شركة أرامكو لرفع الطاقة الإنتاجية إلى نحو 15 مليون برميل يومياً بحلول عام 2015، كما حاز حقل كران قسطا كبيرا من التطوير، وهو أكبر حقل مستقل لإنتاج الغاز غير المصاحب يتم تطويره لإنتاج 1.5 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً، ابتداء من عام 2011، مع شروع الشركة في تلبية الطلب السنوي الذي ينمو بنحو 7 بالمائة سنوياً.

وتوقع التقرير الذي أصدرته مجموعة سامبا المالية عن زيادة في الإنفاق الحكومي بنسبة 24 % هذا العام، ونشوء عجز مالي بنسبة 13 % من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من ضخامة هذا العجز، إلا أنه يمكن تمويله بسهولة عن طريق خفض الأصول الموجودة، وارتفع التضخم قليلاً في مايو، ولكن هذا يعكس ارتفاعاً قصير الأجل في أسعار القمح العالمية. كما إن الضغوط التضخمية من المتوقع أن تواصل تراجعها هذا العام، ولو بشكل تدريجي.

ونوه التقرير بأنه ما زال هناك تناقض حاد بين النشاط في القطاع العام، الذي يظل قوياً، والنشاط في القطاع الخاص، الذي يستمر ركود الاستثمار فيه. فقد دفعنا حجم استثمارات القطاع العام في القطاع النفطي والقطاع غير النفطي إلى تعديل تنبؤنا بشأن الناتج المحلي الإجمالي بصورة طفيفة، ولكننا ما زلنا نتوقع انكماشاً بصورة عامة في النشاط الاقتصادي هذا العام.

وأشار إلى أنه كانت عقود القطاع العام في القطاعات الأخرى غير النفطية في فترة يناير إلى يونيو هائلة، فقد بلغت 70 مليار دولار، أو 21 % من الإجمالي الناتج المحلي في عام 2009. وهناك عدد كبير من العقود الممنوحة في قطاع الطاقة، وتوزيعها.

كما كانت هناك عقود كبيرة في مجالات النقل والتعليم والصحة والبنية التحتية (وهي الأولويات المدرجة في ميزانية 2009) ولا تشمل هذه العقود عملية توسيع مصفاة جبيل (بنحو 11.5 مليار دولار) حيث إنها تأتي ضمن مشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص (أرامكو وتوتال الفرنسية) ويعتبر عقد جبيل من النقاط المضيئة القليلة في القطاع الخاص، حيث لايزال النشاط الاستثماري ضعيفاً. فحساسية البنوك إزاء المخاطر ما زالت قوية في ظل مناخ اقتصادي غير مؤكد، ولاسيما مع ارتفاع فروق العائد على سندات الحكومة الأميركية طويلة الأجل على 3 %، وقد استمر سحب مشاريع القطاع الخاص في ظل استمرار نقص الائتمان وضعف أسواق التصدير: ووصلت القيمة الإجمالية للمشاريع المؤجلة أو الملغاة في نهاية يونيو إلى 93 مليار دولار.

وقد أصاب هذا الجمود جميع القطاعات، خاصة قطاع البناء، حيث بلغت قيمة عقود البناء في الأشهر الستة الأولى من عام 2009 إلى 103 مليارات دولار فقط، بانخفاض بنسبة 80 % عن الفترة نفسها من عام 2008.

وتوقع التقرير أن انخفاض إنتاج النفط سيؤثر كثيراًفي حصة الهيدروكربونات في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ولكن يمكن للزيادة في الاستثمارات أن تخفف من شدة الوقع، ولكننا نرى أن حصة الهيدروكربونات في الناتج المحلي الإجمالي ستخفض بنسبة 9 % من حيث القيمة الحقيقة. وبما أن النفط والغاز يمثلان ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فسيكون لهما تأثير واضح على الناتج الاقتصادي الشامل.

في الأوقات العادية، فإن هذا الانخفاض الكبير في إنتاج النفط والتراجع في الأسعار سيدفع الحكومة لإحجام الإنفاق - على الأقل على المشاريع الرأسمالية. ولكن، وكما رأينا، فقد قررت الحكومة مواجعة تردي الثقة في القطاع الخاص بسياسة قوية مضادة لتقلبات الدورة الاقتصادية. وهذا بالتأكيد سيبقى على الانتعاش المستمر في نمو القطاع غير النفطي: ونتوقع الآن نسبة نمو قدرها 2.3 % في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لهذا القطاع هذا العام.

أما المساهمة من صافي الصادرات فسوف تظل سلبية بدرجة ثابتة. فأحجام الصادرات تنخفض مع تقلص إنتاج النفط الخام، في حين أن نمو حجم الواردات لايزال راسخاً في ضوء الطفرة الاستثمارية. وهذه الاتجاهات مجتمعة ستشهد انكماش الاقتصاد العام بنسبة 1.2 % في 2009 - وهو اختلاف طفيف عن توقعاتنا السابقة، والتي كانت مقدرة بنسبة 1.8 %.

وسوف يتوقف أداء الاقتصاد في عام 2010 إلى حد كبير على مدى تعافي الاقتصاد العالمي. فالطلب العالمي الأكثر قوة ينبغي أن يرفع أسعار النفط، وبالتالي يسمح بزيادة إنتاج الخام السعودي. كما إن تعافي الاقتصاد العالمي من شأنه أن يحسن من الآفاق بالنسبة إلى الطلب على الصادرات غير النفطية الرئيسة من المملكة - أي المنتجات البتروكيماوية والمنتجات المكررة.

وعلى افتراض أن البنوك الدولية سوف تعود إلى سوق الشركات السعودية بأعداد معقولة، فسوف تبدأ التسهيلات الائتمانية للقطاع الخاص في التدفق مرة أخرى، ما يساعد على تعزيز الاستثمار. وسوف يعتمد نمو الاستهلاك الخاص إلى حد كبير على أداء سوق الأوراق المالية، الذي يصعب التكهن به، ولكنه ينبغي أن يتجه صعوداً مع أسواق الأسهم العالمية. وعلى هذا النحو، نتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4 % في العام المقبل.

و يعد إنتاج النفط الخام مكوناً رئيساً لنمو الناتج المحلي الإجمالي. وتشير نشرة دراسات صدرت أخيراًً إلى ارتفاع الإنتاج السعودي إلى 8.05 ملايين برميل يومياً في مايو، من 8 ملايين برميل يومياً في إبريل - وهي أول زيادة شهرية منذ يوليو من العام الماضي. ومع ذلك، لايزال الإنتاج أقل بكثير من مستويات عام 2008: متوسط الإنتاج في الأشهر الخمسة الأولى من 2009 بلغ 8.03 ملايين برميل يومياً بالمقارنة مع 9.2 ملايين برميل يومياً لعام 2008، بانخفاض بنسبة 13 %، وعلى الرغم من الإضافات الأخيرة للطاقة الإنتاجية، فلن نرى زيادات كبيرة في الإنتاج السعودي خلال الأشهر القليلة المقبلة. فالسعودية تدرك جيداً أن الأسعار في الوقت الحالي تبدو وكأنها تتحدى الأساسيات، فالمخزونات العالمية مرتفعة في حين لايزال الطلب ضعيفاً، خصوصاً في الولايات المتحدة، وبالتالي فمن غير المرجح أن تزيد المملكة العربية السعودية إنتاجها كثيراً في مثل هذه الظروف الهشة. ولذلك نرى أن متوسط الإنتاج هذا العام سيظل أقل بنسبة 13 % عن عام 2008. وبافتراض حدوث بعض الثبات في الطلب العالمي، سوف يبدأ الإنتاج في الارتفاع في أواخر هذا العام وخلال عام 2010، بمتوسط زيادة في العام المقبل بنحو 6 %.

وأشار التقرير إلى أن حجم العقود الممنوحة يشير إلى زيادة حادة في الإنفاق الرأسمالي للحكومة المركزية هذا العام. ولذلك، فقد رفعنا توقعاتنا للإنفاق إلى 24 % من مجموعة قدره 632 مليار ريال سعودي (169 مليار دولار). ومع توقع انخفاض الإيرادات بنحو 57 % نتوقع نشوء عجز للحكومة المركزية بمقدار 165 مليار ريال سعودي، أو 13 % من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

أما التوقعات بالنسبة إلى عام 2010 فهي أكثر إشراقاً، حيث نتوقع ارتفاعاً بنسبة 14 % في متوسط أسعار النفط، وزيادة بنسبة 6 % في إنتاج النفط الخام السعودي. وينبغي أن يبلغ الإنفاق مستويات معتدلة بعض الشيء، وإن كان سيظل مرتفعاً بالمقاييس التاريخية عند حوالي 15 %، وسوف يتسبب ذلك في عجز مالي بنسبة 11 % من الناتج المحلي الإجمالي.

على الرغم من ضخامة العجز المتوقع، فبالإمكان تغطيته بسهولة من الموارد المالية لدى القطاع العام: فقد وصل صافي الأصول الأجنبية في نهاية عام 2008 إلى 440 مليار دولار (ما يعادل 95 % من الناتج المحلي الإجمالي أو 235 % من واردات السلع والخدمات). كما كان معدل الدين الداخلي الصافي (أي إجمالي الديون ناقص ودائع القطاع العام لدى الجهاز المصرفي) سلبياً للغاية، بنسبة 47 % من الناتج المحلي الإجمالي. ومنذ ذلك الحين، انخفض صافي الأصول الأجنبية إلى 40 مليار دولار، وانخفض ودائع القطاع العام لدى الجهاز المصرفي إلى حوالى 75 مليار ريال سعودي (20 مليار دولار)، إلا أن صافي دين القطاع العام مازال سلبياً، ومن المرجح أن يظل كذلك لفترة العامين المقبلين على الأقل.

وتوقع التقرير استمرار تراجع التضخم لبقية هذا العام وعام 2010، وإن كان ذلك بشكل تدريجي. وسترتفع الإيجارات بسرعة نظراً إلى عدم التماثل القائم بين الطلب والعرض في قطاع العقارات. ومع ذلك، فإن مستقبل كل من الاقتصاد السعودي والاقتصاد العالمي يشير إلى أن عناصر أخرى ستضعف ولذلك، نتوقع أن يبلغ متوسط معدل التضخم لأسعار المستهلك حوالي 5.5 % أو 5 % بحلول نهاية العام.

يكمن عدم اليقين الرئيس في مستقبل الدولار الأميركي الذي يصعب التنبؤ به لتعدد العوامل المؤثرة فيه. فحدوث انخفاض حاد ومتواصل في قيمة الدولار (وهو ما لايتوقعه التقرير) سوف يؤثرفي أسعار الواردات السعودية. كما لانستبعد ضغوطاً على الأسعار نابعة من سياسة التيسير النقدي والمالي الأخيرة. ومع ذلك، فإن قدرة السلطات على تنظيم الطلب المحلي أفضل من قدرة معظم الدول الأخرى، ولديها القدرة على التعامل بسهولة بالغة مع تداعيات الهبوط في حصيلة الصادرات.