لندن: يواجه العالم الآن تدهوراً مروعاً في قطاع الطاقة، من شأنه أن يعوق تعافي الاقتصاد، ذلك لأن حقول النفط الرئيسة في العالم تجاوزت نقطة الذروة في إنتاجها، وبلغت نسبة الانخفاض فيها 6.7 % مقارنة بـ3.7 في العام 2007، وذلك حسب تحذير أدلى به أحد الرواد في علم الاقتصاد.

وذكر دكتور فاتح بيرول، أحد كبار الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية في باريس، التي أوكلت لها مهمة تقييم مستقبل إمدادات الطاقة من قبل منظمة التعاون والتنمية، بأن ارتفاع أسعار النفط التي قادت إلى زيادة الطلب والكساد الاقتصادي أو حتى الانخفاض في تمويل النفط، كفيلة بتحويل أي معافاة عن مسارها.

وفي مقابلة له مع laquo;الإندبيندنتraquo; قال الدكتور بيرول يبدو أن الشعوب والحكومات غافلة عن حقيقة أن النفط الذي تعتمد عليه الحضارة الحديثة آخذ في النضوب بصورة أسرع مما كان متصوراً من قبل، وإن الإنتاج العالمي ربما يبلغ ذروته خلال عشرة سنوات على الأقل قبل عقد مما تصورته معظم الحكومات.

وتوصل أول تقييم أجري على أكثر من 800 حقل من حقول النفط، التي تغطي ثلاثة أرباع الاحتياط العالمي، بأن معظم الحقول الكبرى قد وصلت إلى ذروة إنتاجها مسبقاً، وأن معدل انخفاض النفط يسير الآن بضعف الوتيرة التي كان يسير عليها قبل عامين من الآن.

وفوق ذلك، هنالك سوء استثمار مزمن من قبل بعض الدول المنتجة للنفط، وهي السمة التي ينتج عنها انخفاض في النفط في الخمس سنوات المقبلة، مما يجعل الأمل في المعافاة من الأزمة الحالية محفوفاً بالمخاطر.

وقال laquo;سينضب النفط يوماً ما، ليس اليوم أو غداً، لكنه سينضب وعلينا التخلي عن النفط قبل أن يتخلى هو عنا، وعلينا أن نعد العدة لذلك اليوم، وكلما بدأ استعدادنا مبكراً كلما كان ذلك أفضل؛ لأن كل أنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية تعتمد على النفط، لذا فإن التغيير منه يتطلب الكثير من الوقت والمال، وعلينا التعامل مع هذه القضية بجدية كبيرةraquo;.

وأشار إلى أنه سيكون هنالك مخاطرة حقيقية في مخزون النفط بعد العام المقبل، عندما يبدأ الطلب في الزيادة، لأنه لم يتم القيام بتدابير كافية لتوفير إمدادات جديدة من النفط لتعويض الانخفاض المتنامي في حقول النفط الحالية.

وتقدر وكالة الطاقة الدولية انخفاض النفط في حقول الإنتاج الحالية بنسبة 6.7 % في العام مقارنة بنسبة 3.7 %، وهي النسبة المقدرة في العام 2007.

وقال دكتور بيرول laquo;لو شهدنا ضيقاً في الأسواق فإن الشعوب ستلحظه نتيجة انعكاسه على الأسعار المرتفعة، وسيكون أثره واضحاً على الاقتصاد، وسيكون ذلك غاية في الأهمية لأن الاقتصاد العالمي سيظل هشاً وضعيفاً، غير أن الكثيرين يعتقدون أن الاقتصاد سيتعافى في السنين القليلة المقبلة، لكن ستكون تلك المعافاة بطيئة وهشة وسيتمخض عن ذلك خطورة أن يعوق ارتفاع الأسعار هذه المعافاةraquo;.

وفي أول تقييم لها لحقول النفط العالمية، توصلت وكالة الطاقة الدولية إلى أن نظام الطاقة العالمي عند مفترق الطرق الآن.

كما حذرت الوكالة من أن ذروة الإنتاج قد انقضت في دول لا تتبع لـlaquo;الأوبكraquo;، وأن حقبة النفط الرخيص ولى زمانها، ووصلت ذروة الإنتاج إلى قمتها في معظم الحقول مما يعني الحاجة لإيجاد مصادر تمويل أخرى لمقابلة الطلب الحالي.

وذكر دكتور بيرول بأنه حتى لو ظل الطلب مستقراً فينبغي على العالم إيجاد أربعة دول مماثلة للمملكة السعودية للمحافظة على سقف الإنتاج وستة أخرى مثلها ليتماشى مع الزيادة المتوقعة في الطلب في الفترات المقبلة وبعد تحقق الانتعاش الاقتصادي، أي بين الآن والعام 2030.

وأشار إلى أن هذا يعد تحدياً كبيراً من الناحية الجيولوجية، والاستثمارية والجغرافيا السياسية، وهذه مخاطرة كبيرة نسبة لعدد حقول النفط التي تعاني الانخفاض.

ويتخوف مختصو البيئة من أنه عندما ينضب المخزون العادي من النفط، فستلجأ الحكومات لاستخدام بدائل أكثر تلويثاً للبيئة مثل الاحتياطات الضخمة من رمال القار في البيرتا وكندا، والتي ستكون مدمرة للبيئة بصورة كبيرة، وذلك لكمية الطاقة المطلوبة لاستخراج برميل من نفط رمال القار مقارنة بالطاقة المطلوبة لاستخراج الكمية نفسها من خام النفط.

وقال الدكتور جيرمي ليغيت، وهو مستشار سابق في قطاع النفط ومناصر للبيئة ويعمل الآن مع شركة سولار سينشري، laquo;لا يعني الانخفاض السريع في النفط، والذي نتفق عليه جميعاً، بانخفاض الضغط الممارس على تغيير المناخ، وترغب شركة quot;شلquot; وشركات أخرى في التحول إلى (القار)، واستخراج النفط من الفحم الحجري، لكن هذه العمليات معروفة بكثافتها الكربونية، مما يعمق مشكلة المناخ، وعلينا الإسراع في التحول نحو الطاقة المتجددة والمواصلات البديلة، وفي كل الأحوال، علينا القيام بهذه الأشياء لدرء مخاطر الاحتباس الحراري، لكن أزمة الطاقة الحالية تضاعف من واجبناraquo;.

وتسأل بيرول حول أهمية النفط كمصدر من مصادر الطاقة، معتبراً أنه كان ومازال من الأهمية بمكان بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية، ولقيام معظم مناحي الحياة بوظائفها بانسيابية، وتعتمد الزراعة وإنتاج الغذاء على النفط في الوقود والمخصبات.

وفي الولايات المتحدة مثلاً، تتطلب تربية عجل واحد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة نحو ستة براميل من النفط، كما أنه أساس أي نظام من نظم المواصلات، وإنه ضروري لصناعة الكيماويات والأدوية وأصل من الأصول الاستراتيجية لأي دولة.

وكمية النفط المستخرجة هي عبارة عن تقييم يخضع دائماً للتقلبات الاقتصادية التي تحدد سعر النفط، وما إذا كان يستحق تكلفة استخراجه، والتقنية التي تحدد سهولة اكتشافه واستخراجه، كما أن الاحتياطات المحتملة تملك نسبة أكثر من 50 % لاستخراج نفط ما، بينما الاحتياطات الممكنة تملك أقل من 50 %.

ويبدو أن كل الأرقام تشير إلى التقييمات تختلف فيها الافتراضات باختلاف الخبراء، لذا فمن الطبيعي أن تكون النتائج التي يتوصلون إليها مختلفة، وتنظر بعض الدول لحجم حقولها النفطية كقضية من قضايا الأمن القومي، ومن ثم لا ترغب في إعطاء بيانات دقيقة عنها، ومشكلة أخرى تخص سرعة انخفاض الإنتاج في الحقول التي تعدت نقطة ذروة إنتاجها، وعامل آخر هو حجم الطلب المتوقع للنفط.

هذه هي النقطة التي يبلغ عندها المعدل الأقصى لاستخراج النفط ذروته بسبب معوقات تقنية وجيولوجية، مع استمرار انخفاض الإنتاج العالمي، وتعتقد الحكومة البريطانية، إضافة إلى حكومات أخرى عدة، بأن نقطة الذروة لا يمكن أن تحدث قبل مرور سنوات من القرن الواحد والعشرين، ليس قبل العام 2030 على الأقل، وتعتقد وكالة الطاقة الدولية بأن ذروة إنتاج النفط ربما تحدث في 2020، كما تعتقد أيضاً بأننا ماضون نحو laquo;انخفاض في النفطraquo; قبل أوانه، وذلك قد يكون لأن طلب النفط بعد العام 2010، سيفوق المخزون المتناقص.

وهنالك احتياطات كبيرة من غير هذا النفط المعروف، مثل رمال القار في كندا، لكن هذا النفط ليس نظيفاً، وإنه ينتج كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون التي يمكنها أن تجعل أي اتفاقية تخص التغير المناخي، غير ذات جدوى.

ومشكلة أخرى تخص السرعة التي يتناقص فيها إنتاج النفط في الحقول التي تجاوزت نقطة ذروة إنتاجها، كما أن معدل الانخفاض يختلف من حقل إلى آخر مما يؤثر على حسابات حجم الاحتياط، وإذا لم يكن العالم على استعداد تماماً لنقطة ذروة النفط، فإن الاحتباس الحراري سيكون أسوأ مما هو متوقع.