نزيهة سعيدمن المنامة:quot;الاقتصاد البحريني تأثر بالأزمة الاقتصادية كما هي حال الدول الخليجية الأخرى، بفارق علامتين، الإيجابية هي تأصل تاريخي لقطاع الخدمات لعقود طويلة وانسجام الاقتصاد مع طبيعتها بوتيرة معتدلة غير مبالغ فيها وهو ما شكل حماية لها من صدمة الانهيار، أما السلبية فهي أهمية القطاعين المالي والعقاري في الاقتصاد البحريني، وتأثر القطاع المالي الذي أدى إلى تأثر القطاع العقاري، وعدم قدرة الدولة على استعمال احتياطيات كبيرة لمساعدة الاقتصاد.هذا ما قاله وزير المالية اللبناني السابق الدكتور جهاد أزعور، كبير المستشارين التنفيذيين بشركة بوز وشركاه، في لقاءه مع quot;إيلافquot; من العاصمة اللبنانية بيروت، مستعرضا نتائج دراسة أعدها عن quot;الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على المنطقةquot;، داعيا إلى لإيجاد quot;منظومة متكاملةquot; للتعاطي مع هذه الأزمة، وأشار الدكتور أزعور خلال الحديث إلى أن إعادة الانتعاش بالاقتصاد الخليجي وارتفاع أسعار النفط ستساهم في حماية الاقتصاد البحريني، كما أن تطور الصيرفة، والصيرفة الإسلامية تمنحها الفرصة للحفاظ على مركزها المالي المهم، والحديث لوزير المالية اللبناني السابق.ودعا أزعور البحرين لإعادة النظر في منظومة التركيبة الاقتصادية للحفاظ على ما يميزها عن الدول الخليجية الأخرى التي تتمتع بفوائض مالية نفطية، فيما الاقتصاد البحريني متنوع وغير مرتبط بالنفط بشكل كامل، ومن هنا تأتي أهمية وضع أجندة اقتصادية جديدة تعتمد التطور الاقتصادي وتأثيراته عليها لتحافظ على تميزها.

موضحا أن quot;الأزمة العالمية تحولت تدريجا إلى أزمة اقتصادية ذات بعد اجتماعي طالت الدولة الناشئة والتكتلات الاقتصادية، لها تأثير في مجمل دول المنطقة وعلى مختلف القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً تلك المرتبطة بالاقتصاد العالمي، كقطاعي التصدير والسياحة، والقطاع النفطي وقطاعات أخرى تعتمد على الاستثمار الخارجي أو على نسب تمويل مرتفعةquot;.وبيّن أن تأثيرات الأزمة على الدول مختلفة باختلاف طبيعة الاقتصاد، وبحسب تحسبها لوقوع الأزمة وحذرها من ذلك مع كل الإشارات التي أرسلتها مختلف النظم الاقتصادية تنبأ بوجود أزمة متفاقمة، إلى أن بدأت البنوك بالانهيار وعصفت الخسائر بالأسواق العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية والمصارف وكل الأدوات المرتبطة بها، قبل الربع الثالث من العام 2008 حيث انفجرت الأزمة وبدأ التنسيق العالمي لحلها.ومع تطور الأزمة المالية وضربها للنظام المالي العالمي، تأثرت المنطقة العربية بهذه الأزمة من خلال التراجع السريع في سعر النفط والتراجع الحاد بالأسواق المالية مما أدى لخسائر مالية ضخمة تكبدها المستثمرين والصناديق الاستثمارية والمؤسسات المالية الكبرى وهي نقاط ضعف في الاقتصاد الخليجي، حسب أزعور، ويواصل: quot;تضاعفت ميزانيات الدول الخليجية خلال ثلاث سنوات وارتفع الاتفاق العام بشكل كبير، إلا أن التراجع الحاد اضطرها لخفض الإنفاق وتراجع أسعار الأصول الاستثمارية وتراجع البورصاتquot;.

ومما أدت إليه الأزمة كما جاء في دراسة الدكتور أزعور أن دول الخليج عانت من تراجع سعر النفط وانحسار الكتلة التمويلية الكبيرة من جراء التضخم، وخروج رؤوس الأموال لمؤسسات استثمارية ومستثمرين غربيين كما تراجع الطلب العالمي المتصل بالتصدير من دول الخليج وتراجع المحفظات السيادية والمؤسسات الاستثمارية مما أدى ذلك كله لتراجع أسعار العقارات والأصول المالية، وشح السيولة، مما دفع الدول للتدخل عبر ضخ الأموال وإعطاء ضمانات على الودائع وشراء محافظ استثمارية.كما تراجعت وتيرة التصدير وتراجع حجم التجارة العالمية النفطية والصناعية 12%، كما تراجعت الاستثمارات المباشرة وعادت الدولة لتأخذ دور أكبر في الاقتصاد.

ومن خلال الدراسة خلص الدكتور جهاد أزعور إلى أن قطر هي الدولة الأقل تأثرا بالأزمة من بين الدول الخليجية بسبب الاتفاقيات النفطية والغاز الطبيعي طويلة الأمد وهي تمر بمرحلة تستفيد من نتائج الاستثمارات المالية الكبيرة، تليها المملكة العربية السعودية التي تعتمد سياسة مالية محافظة ونظام مالي أقل انفتاحا، أما الكويت فتأثرت من الشركات غير المصرفية، أما الإمارات العربية المتحدة فتأثرت بالقطاع المالي والعقاري، الذي كان المستثمرون الأجانب بانتظار أن تعلن الإمارات فك ارتباطها بالدولار ولكن ذلك لم يحدث.

ويتوقع أزعور أن ينخفض مستوى النمو في دول الخليج في العام الحالي (2009) إلى 2% بعد أن انخفض بنسبة 6% خلال العام الماضي (2008)، وذلك لقدرة الدول النفطية على مواجه الأزمة أكثر من الدول غير النفطية، مما يجعلها جاذبة للاستثمار أكثر من الدول الغربية.كما خلصت دراسة أزعور إلى أن الربع الأول من العام الحالي والربع الثاني شهدا تحسنا ملموسا على صعيد الإنفاق والمشاريع، كما كان المستثمرين يترقبون السوق بحذر، ومع بدأ سعر النفط في الارتفاع مما سيحد من العجز في الميزانية الذي كان من الممكن أن تتعرض له هذه الدول، كما ستشهر هذه الدول فائض في المدفوعات.

ومن خلال الدراسة يطرح وزير المالية اللبناني السابق الإشكالات التي طرحتها الأزمة، وهي كيفية إعادة ارتباط طريقة جديدة لتوسيع الاقتصاد خارج قطاع النفط، إعادة النظر في المشاريع الكبرى التي يعول لتمويلها على مستثمرين من الخارج، ماهية دور الدولة خلال المرحلة المقبلة، إعادة النظر في المنظومة التي بني عليها التوسع الاقتصادي كالخدمات المالية والسياحة والعقار، وضرورة ابتكار رؤية جديدة للانفتاح الاقتصادي وتوسيع رقعة النشاط الاقتصادي.وأخيرا دعت الدراسة للإسراع في خلق سوق خليجية مشتركة نظرا لأهميتها في تكبير السوق وتخفيض التكلفة، وإعطاء الاقتصاد الخليجي بعدا أكبر، ورفع مستوى القدرة التكنولوجية ورفع القدرة عند مؤسسات دول الخليج في التنافسية والإنتاجية، كما بإمكانها الاستفادة من المرحلة لتركب قطار النمو ويلعب الاقتصاد الخليجي دورا أكبر.

كما دعا أزعور من خلال الدراسة المستثمرين الخليجيين للاستثمار في الدول غير النفطية، والتي تخطت الأزمة بشكل أفضل من الدول الأخرى والتي توفر مساحة استثمارية مربحة ومنتجة للمستثمرين العرب.يحمل الدكتور أزعور إجازة في الحقوق من جامعة باري أساس بفرنسا، كما إنه يحمل شهادة من معهد الدراسات السياسية IEP بباريس، وشهادة الماجستير في علم المال من جامعة باري 20 في فرنسا، وشهادة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، ويحمل أيضا شهادة دكتوراة أخرى في الاقتصاد من معهد الدراسات السياسية في باريس.

عمل الدكتور جهاد قبل تعيينه وزيرا للمالية بلبنان العام 2005، في شركة ماكنزي العالمية بلبنان، كما إنه أستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت، ويعمل حاليا كبريا للمستشارين التنفيذيين بشركة بوز آلن في لبنان، وكخبير اقتصادي بصندوق النقد الدولي. وبالفترة ما بين 1999 - 2005 عمل مديراً لمشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي في وزارة المال اللبنانية حيث أشرف على البرنامج الإصلاحي والتطويري في الوزارة، وساهم في إعداد مؤتمري باريس 1 وباريس 2.ظل في منصب وزير المالية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعهد الرئيس إميل لحود حتى يوليو (تموز) 2008. وشارك بحكم منصبه في مؤتمر باريس 3.