كامل الشيرازي من الجزائر: تسبب تزامن افتتاح الموسم الدراسي الجديد في الجزائر قبل أيام من حلول عيد الفطر الأسبوع القادم، في حالة من الطوارئ بين الجزائريين، لا سيما الموظفين محدودي الدخل الذين عانوا الأمرّين إبان رمضان، ليجدوا أنفسهم في ظرف ضيّق موسوم بـquot;الحرجquot;، مُجبرين على تلبية مطالب أطفالهم وعوائلهم بما تقتضيه مناسبتي المدرسة والعيد، ومخصصاتهما التي ترهق كواهل العوائل الجزائرية.ووجد أولياء الأمور مصاعب جمّة خصوصا مع ما تشهده الساحة المحلية من ارتفاع فاحش انتقلت عدواه من أسعار المواد الأكثر استهلاكا، إلى سائر الأدوات الدراسية من كتب ودفاتر ومآزر وغيرها، وبدا واضحا أنّ مهمة رب الأسرة المشكّلة من ستة أطفال متمدرسين ndash; وهو المعدّل المنتشر هناك- ستكون أكثر من صعبة، خصوصا بعدما فرضت المقررات الدراسية الجديدة، كميات إضافية من الكتب والكراريس والمآزر الموحّدة التي لا أثر لها في الأسواق المحلية.


وأفضت جولة ميدانية قادت quot;إيلافquot; عبر عدد من المحلات المختصة في بيع اللوازم المدرسية، إلى إدراك حجم الأعباء التي يئنّ تحت وطأتها أرباب الأسر متوسطة الدخل، حيث يتعيّن على الواحد من هؤلاء أن يخصص ميزانية لا تقلّ عن 35 ألف دينار (ما يعادل 500 دولار) ليضمن لأطفاله دخولا مدرسيا quot;عادياquot;، ويشير مروان (41 عاما) بمرارة:quot;أسعى للتحايل على الواقع بطريقتي الخاصةquot;.وبات الآلاف من أرباب العوائل، يتساءلون عن سبل تلبية حاجات أبنائهم من اللوازم المدرسية، بعدما صارت أدنى كلفة للطفل الواحد لا تنزل تحت سقف الأربعة آلاف دينار (ما يعادل 70 دولارا)، وتبدو أسعار الكتب والكراريس من مختلف الأحجام في غير متناول كافة المتمدرسين، بالنظر إلى الدخل المحدود الذي يتقاضاه أولياؤهم.


وأمام حتمية توفير اقتناء ملابس جديدة ينتظرها الأطفال سيما الجدد منهم بفارغ الصبر، اضطر كثير من الآباء إلى الاكتفاء بشراء بذلة واحدة لأبنائهم تحسبا للدخول المدرسي والعيد، بعدما قفزت أسعار الملابس والأحذية إلى أعلى مستوياتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر يقتضي اقتناء بذلة عادية لطفل عمره سبع سنوات مبلغا لا يقلّ عن 3500 دينار (بحدود 60 دولارا)، وإذا ما أضيف إليها الحذاء وبعض الإكسسوارات مع إضافة ثمن المآزر وكذا الكتب المدرسية، ترتفع التكلفة إلى حدود 7000 دينار (قرابة مائة دولار)، وهي مبالغ ساخنة لا يقو أي من المستخدمين البسطاء على سدادها، لا سيما أولئك الذين لهم أربعة إلى ستة أطفال متمدرسين، ويعلّق السبتي سائق بمؤسسة حكومية وأب لسبعة أطفال:quot;أعيتني الحيل، وأجد نفسي مضطرا للاستدانة أمام وضع كهذاquot;.


وتحصي جهات غير رسمية، نحو 3.5 ملايين تلميذ محتاج في الجزائر، من مجموع ثمانية ملايين تلميذ متمدرس، ما معناه أنّ قرابة نصف التلاميذ الجزائريين في وضع مزر، في وقت يضطر قطاع من الآباء لا سيما في جيتوهات الفقر والمناطق النائية وبدافع quot;قلة الحاجةquot;، إلى الامتناع عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، وهي ظاهرة تتفاقم بحسب مراجع محلية، وأصبحت تستوعب قرابة المليون طفل في سن الدراسة.
في غضون ذلك، تشهد الجزائر قبيل أيام عن قدوم عيد الفطر المبارك، أجواء استثنائية مع اللهيب الذي يطبع أسعار الملابس والأحذية بأنواعها ومستلزمات الحلويات، وحتى الآباء الجدد ممن يرغبون في شراء بذلات لبراعمهم، عليهم دفع ما لا يقل عن خمسة آلاف دينار لاقتناء سروال وقميص وحذاء من النوع العادي، وهو واقع عبّر عنه بوزيد (47 عاما) الموظف بسكك الحديد:quot;الأسعار نار تحرق الجيوب الصغيرةquot;، ويردف العياشي (37 عاما) وهو عامل بسيط في بلدة بضواحي العاصمة:quot;الظاهر أنّ هذا الموسم هو الأصعب على الإطلاق منذ سنواتquot;.
وأدى الالتهاب السائد في أسعار الملابس الجديدة، إلى انتعاش سوق الملابس المستعملة، التي يقبل عليها البعض بلهفة، علّهم يحصلون على مرادهم بين السلع الكثيرة المعروضة على الأرصفة وكذا في الأسواق الشعبية المنتشرة هناك.


وبسوق quot;علي ملاّحquot; وسط العاصمة، أعرب قاصدو المكان لـquot;إيلافquot; عن استيائهم من هذا الوضع، تقول شريفة (33 سنة) بتذمر:quot;الارتفاع الفاحش للأسعار، أعجز أسرتي عن الوفاء بالمتطلباتquot;، وتضيف زميلتها سعيدة :quot;ليس هناك خدمة لم تصبها عدوى المغالاةquot;، بالمقابل أطلق طارق (36 سنة) المهندس في شركة خاصة، زفرة قنوط، ولاحظ أنّ الأسعار صارت نارا بفعل جشع التجار، بينما تساءلت العجوز خديجة:quot;لا قوة لي ولا لغيري على تحمل وزر الأسعارquot;.


من جهتهنّ، أبدت مجموعة من النسوة اللواتي التقيناهم بالسوق الشعبي ''مارشي12''، قلقهنّ إزاء كيفية تأمينهنّ حاجيات المدرسة والعيد فالمتطلبات كثيرة والأسعار لا ترحم، فيما ينتهز الباعة الفرص لتحقيق مكاسب سريعة في مضاربة رهيبة تكاثرت معها أيادي السماسرة، ما يجعل السكان المحليين في حيرة، إذ يتخبطون بين كسوة الأولاد وحقائبهم الدراسية وإتمام باقي يوميات رمضان والعيد، ما جعل يزيد، شوقي وحاتم يؤكدون أنّ عائلاتهم قررت التخلي عن تقليد تحضير حلويات العيد، طالما أنّ الوفاء بذلك معناه quot;شدّ أكبر للحزامquot; في بلد يشهد ترديا واضحا لوضع مواطنيه الاجتماعي جرّاء اتساع رقعة الفقر ليشمل 950 ألف عائلة، أي ما يمثل 22% من المجتمع المحلي.