يلاحظ الخبراء والمراقبون الماليون أن السيولة النقدية، في منطقة اليورو، بدأت تتراجع قليلاً. ما يعني أن المصارف الأوروبية باشرت تقليل اعتمادها على المصرف المركزي الأوروبي. لكن، وفي موازاة معانقة أوروبا لطبيعتها الاقتصادية، في عهد ما قبل الأزمة المالية، تسير الولايات المتحدة الأميركية واليابان في الاتجاه المعاكس.

برن (سويسرا): في ما يتعلق بحقن الأسواق بأموال جديدة وطازجة، التي يطلق عليها الاحتياطي الفيدرالي لقب (QE) أي (Quantitative Easing)، لانعاش محرك اقتصادي أميركي بطيء، فانها أعطت فاعلية متواضعة. اذ ان هذه الحقن تقود نسب فوائد الأسواق الى أدنى الحدود لتنشيط أعمال الشركات وحركة المستهلكين. مع ذلك، فان الشركات الأميركية خائفة من الاستثمار نظراً لغياب الطلب. أما الحركة الاستهلاكية فهي شبه مشلولة في ضوء ازدياد عدد العاطلين عن العمل، هناك. في الوقت الحاضر، يؤمن المحللون السويسريون بأن المستفيدة الوحيدة، من هذه الحقن المالية الطازجة، هي بورصة وول ستريت، التي قفزت قيمتها حوالي 11 في المئة في الشهر الأخير، وحده!

ويبدو أن تخفيض قيمة العملات الوطنية، التابعة للدول الصناعية المتقدمة، مقارنة بالعملات الأجنبية الأخرى الطريقة الوحيدة لتصدير المنتجات الوطنية وبالتالي ابقاء موازنات حكوماتها داخل لباسها النظامي. وتشتد ظاهرة تخفيض قيمة العملات الوطنية نظراً لعصر العولمة، حيث يسجل، للأسف، فائض في الانتاج. ما يجعل الاستهلاك، في الدول الغربية، تتأقلم مع واقع أليم جديد.

في سياق متصل، يشير الخبير فالتر ريولفي الى أن حرب العملات تقود حربتها الصين والبرازيل، في المقام الأول. أما منتجي المواد الأولية، لا سيما في كندا وأستراليا ونيوزلندا، فهم يتحركون للقيام بمناورات توسعية لتوطيد مكانتهم العالمية. بالنسبة لمنطقة اليورو فانها تعيش، اليوم، نفس أوضاع الاقتصاد الأميركي والياباني باستثناء ألمانيا التي ازدهرت صادراتها في الشهور الثلاثة الأخيرة، بفضل ضعف اليورو ولا شيء آخر.

علاوة على ذلك، يشير الخبير ريولفي الى أن المصرف الأوروبي المركزي وقع ضحية المناوشات التي يقوم بها المصرف الاحتياطي الفيدرالي. فاليورو يرسو على حوالي 1.40 دولار. وهذا من شأنه تفجير تنافسية منطقة اليورو، من جهة، وتخريب جهود المصرف المركزي الأوروبي بصورة غير قابلة للانعكاس، من جهة أخرى. كما ينوه الخبير ريولفي بأن المشكلة اليوم ليست قوة اليورو انما الضعف الذي يستهدف الدولار الأميركي والذي تم هندسته، بصورة اصطناعية. ويجد هذا الخبير تناقضاً بين مشاكل الديون السيادية الأوروبية والأسواق المالية التي تتجاهل هكذا مشاكل، برغم أن وضع اسبانيا وايرلندا، تدهور في الشهور الأخيرة، من سيء الى أسوأ بكثير. وبات واضحاً، وفق رأي الخبير ريولفي، أن السياسة الضريبية الجديدة، في دول منطقة اليورو الغارقة في الديون، اللازمة لتخفيض العجز العام، تتضارب مع النمو الاقتصادي. لا بل هي تحمل معها ذيول ملف جديد متعلق بالكساد الاقتصادي الخانق.