تكتنز الكثيرات من الجزائريات المصوغات والحلي الذهبية، وإذا كنّ يستخدمنها للزينة والتباهي في الأفراح والمجالس العامة، فإنّ غالبيتهنّ يؤكدن لـquot;إيلافquot; أنهنّ يدخرنها للأوقات العصيبة، ولسان حالهنّ في ذلك quot;الحدائد للشدائدquot; وهو شعار رائج محليا ويٌقصد به أنّ المعدن الأصفر يتم استخدامه بفعالية لمواجهة الأزمات.
الجزائر: عائشة، نسيبة، رقية ثلاث ربات بيوت تعوّدن على ادخار الذهب منذ سنوات طويلة، ويقمن ببيعه في أوقات محدّدة حينما يحتاجنّ إلى المال، بهذا الشأن تشرح لنا السيدة عائشة (52 عاما) أم لأربعة أطفال:quot;منذ
شبابي الأول، واظبت على ادخار سلاسل وأساور وحُلوق الذهب، وحرصت في كل مناسبة على اقتناء المزيد من الذهب الخالص، ومع الوقت تشكلت لدي ثروة كبيرة منه، وقمت ببيع البعض منه، حينما احتجنا لقدر من المال لإتمام بناء وتأثيث المنزلquot;.
وتضيف السيدة عائشة أنّ مواطناتها يفعلن مثلها، فليس هناك أثمن من المعدن النفيس لاتخاذه ذخرا للأيام السود على حد تعبيرها، وهو معنى تتشبع به نسيبة (38 عاما) أم لثلاثة أطفال، إذ تشدد على أنّ الوضع الاجتماعي الذي ازداد صعوبة في الجزائر على مدار السنوات الأخيرة، دفع بها شخصيا وبالكثيرات من صويحباتها إلى بيع ما كان يملكنه من ذهب للوفاء بالحاجيات المتزايدة لعوائلهنّ.
وتشير نسيبة إلى أنّ موجة الغلاء التي أحرقت الجيوب خلال العامين الأخيرين بجانب تزامن شهر رمضان مع عيد الفطر، والدخول المدرسي، فرض عليها التضحية بكل مصوغاتها، لأنّ مائدة رمضان وحلل العيد وما يتصل بها من لوازم الحلويات، فضلا عن الأدوات المدرسية، جعلها تهب لنجدة زوجها، موضحة:quot;حتى نفي بمتطلبات أطفالنا، تعيّن علينا رصد ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف دينار (بين 70 و80 دولارا) لاقتناء ملابس للطفل الواحد، وتزويده بالأغراض الضرورية، وهو ما جعلني أبيع الذهب الذي كان بحوزتي لألبي حاجات أبنائنا الثلاثةquot;.
بدورها، لا تخفي السيدة رقية (48 عاما) وهي أم لخمسة أطفال، أنّه في ظلّ مكوثها في البيت، وتقاضي زوجها لراتب هزيل لا يزيد عن العشرين ألف دينار (بحدود 240 دولارا)، فإنّها وجدت ضالتها في بيع خواتم وأقراط وقلائد ورثتها عن والدتها الراحلة.
وتشرح رقية بابتهاج ظاهر، أنّ بيع ما تيسّر لها من الذهب خلال الفترة الأخيرة، سمح لها بجني مال وفير سمح لأسرتها بتنفس الصعداء وتجنّب الأسوأ، وهو ما جعلها تفكر في ادخار كم من الذهب خلال المرحلة القادمة، على أن تعاود بيعه لاحقا، وتشير رقية إلى أنّها أدركت من خلال احتكاكها بنساء لهنّ باع في سوق الذهب، بحتمية المتابعة الدائمة للأسعار، حتى يكون شراء الذهب أو بيعه مربحا وفي مبعدة عن أي مفاجآت غير سارة.
وفي جولة قادتنا إلى عدد من أسواق الذهب بالجزائر العاصمة وضواحيها، كانت quot;ساحة الأمير عبد القادرquot;، quot;واد كنيسquot; وهما سوقان عامرتان ببائعات الذهب، بمثابة خليتا نحل حقيقيتين، التقينا هناك بعديد السيدات اللواتي كان يعرضان قطعا ثمينة من الذهب المستعمل وبأسعار مغرية تسيل لعاب زبائنهنّ.
اقتربنّ من إحداهنّ طلبت عدم ذكر اسمها، قالت إنها تتخذ من ادخار الذهب وبيعه مهنة تعيل من خلالها أسرتها منذ رحيل زوجها، وتشير محدثتنا إلى أنّ هناك من السيدات اللواتي يفدن إلى المكان ليس لبيع ذهبهنّ، بل لاستبدال قطع قديمة بأخرى جديدة، وهو ما يشكّل مجال للكسب المضاعف بالنسبة لتاجرات الذهب المتنقلات اللواتي يدركنّ قيمة الذهب الأصلي الخالص.
واللافت أنّ السيدات الخائضات في معاملات الذهب، كثيرا ما تفضلن الذهاب إلى الأسواق الغير رسمية، أو ما تُعرف في الجزائر بـquot;الأسواق الموازيةquot;، وتبرر من استجوبنهنّ خلفية هذا التهافت على البيع أو الشراء الغير رسمي، بهزال الأسعار التي تقرها الوكالة الجزائرية للمعادن الثمينة (حكومية)، ويطبقها أصحاب محلات المجوهرات، خلافا لما يقترحه باعة السوق السوداء وبفوارق عالية، على حد ما ذهبن إليه.
التعليقات