دأب الدولار واليورو دوما في الصعود والهبوط، لكن منذ نشوء الأزمة المالية العالمية وما أفرزته من أزمات متلاحقة كالأزمة الإقتصادية في أميركا وأزمة دبي شهد الدولار هبوطا حادا في أسعاره. وهو ما حدا بالمستثمرين إلى تغيير قبلتهم تجاه اليورو لكي يحل كمنقذ بديل من الدولار. وقد أتت الرياح بما لا تشتهي السفنإذ حلت أزمة اليونان وانعكست بدورها على أوروبا ما أضعف اليورو أيضا. هذا التراجع للدولار واليورو سمح لأسعار الذهب والنفط بالإرتفاععلى العملات وهو ما فتح باب مستقبل تلك العملات وإن كان الذهب أو حتى النفط قادرين أن يحلا كبديلين للعملات.


واشنطن: شهد الدولار واليورو تراجعا حادا في الفترة الأخيرة وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب والنفط. فقد وصل سعر الأونصة حوالى 1400 دولار للأونصة الواحدة مع توقعات بالإستمرار في الإرتفاع ليصل 2300 دولار للأونصة الواحدة. كما وصل سعر برميل النفط مؤخرا إلى 87,40 دولارا للبرميل.إزاء هذا التدهور المستمر في أسعار صرف الدولار وتراجع اليورو, قد يواجهالإقتصاد العالمي تحديات كبيرة غير مجهز لها. لذلك يسود العالم قلق بالغ فما لاشك فيه أن ذلك يحمل في طياته الكثير من الآثار التي قد يكون بعضها إيجابيا للولايات المتحدة الأميركية نفسها وسلبيا قد يصل إلى تدمير دول أخرى وذلك لم يحتله الدولار من مكانة فريدة ومميزة في نظام النقد الدولي مكانة لا تحظى بها أي عملة أخرى.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد ذكرت في وقت لاحق بأن الدولار محكوم عليه بمواصلة التراجع وذلك كون مسؤولي الإحتياطي الفيدرالي يريدون زيادة التضخم أكثر بقليل. كما وأن صحيفة الأعمال اعتبرت أنquot; تخفيض قيمة الدولار ليس استراتيجية عالمية للنموquot; فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التعقيدات خارج البلاد. وعلى الرغم من التراجع الذي وصل إليه الدولار إلا أنه يبقى العملة الرئيسة في النظام المالي العالمي فهو يباع ويشترى في الصفقات اليومية في أسواق الصرف بنسبة 85% كما أنه يستخدم كعملة في 62% من احتياطيات الدول من العملات الصعبة.

من جهته صرح مارتين فيلدشتاين أستاذ علوم الإقتصاد في جامعةهارفارد لجريدة الجريدة الكويتية بأن السياسة الأميركية تسعى إلى تأمين دولار قوي في الداخل والخارج وقادر على المنافسة في الخارج, فالدولار القوي في الداخل يعني دولارا محتفظا بقوته الشرائية وذلك بفضل انخفاض معدل التضخم. فالدولار القادر على المنافسة في الخارج يعني أن الدول الأخرى لا ينبغي لها أن توظف سياسات تعمل بشكل مصطنع على خفض قيمة عملاتها من أجل تعزيز الصادرات والحد من الواردات.

ويكمل حديثه قائلا:quot; وفي الأعوام الأخيرة عمل الكثير من البلدان في مختلف أنحاء العالم على تكديس احتياطات ضخمة من النقد الأجنبي كالصين وكوريا وتايوان وسنغافورة والهند والدول المنتجة للنفط وأغلب هذه الأرصدة تستثمر الأن في السندات الدولارية ما يدل أن الدولار ما زال وسيظل العملة الإستثمارية الرئيسة في تلك البلدان الأمر الذي يعكس عمق سوق الرأسمال الأميركيquot;.بيد أنه يرى ان الخطر الرئيس الذي يهدد الدولار يتمثل في الدين الوطني الأميركي والمتنامي الذي قد وصل إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان يتراوح ما بين 25% و 50%. كما ويتوقع أن يصل إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العقد الحالي, وذلك بحسب توقعات مكتب الميزانية الأميركي غير الحزبي التابع للكونغرس.ثم يعود ليقول إنه على الرغم من التراجع الذي مني به اليورو بسبب أزمة اليونان, إلا أن اليورو هو البديل الأساسي للدولار وأن عملية إعادة التوازن لمصلحة اليورو ستستأنف في المستقبل لتصب في مصلحة اليورو.

وفي السياق نفسه يرى الدكتورمظهر السمان نائب غرفة التجارة العربية الأميركية في واشنطن سابقا يرى أن ارتفاع أسعار الذهب هو المرآة التي تعكس حالة الإقتصاد الأميركي الحالي وما يعانيه من غلاء وتضخم مالي عالٍ.ويقول :quot; إن زيادة مديونية الحكومة الأميركية وعدم تمكنها من دعم الدولار أدى إلى تزعزع ثقة المستثمرين في الدولار واللجوء إلى عملات أخرى كاليورو الأوروبي . ولكن دخول أزمة اليونان وانعكاساتها على اليورو أدى إلى تراجع اليورو أيضا. تلك الأزمات المتلاحقة أفقدت المستثمرين الثقة في العملات وهي حولت أنظار المستثمرين نحو الذهب كاحتياطي بديل.quot;ويرى السمان أن الذهب لا يمكن أن يحل محل الدولار أو العملات الأخرى كاحتياطي بديل على المدى الطويل ولا يمكن الإستفادة منه على المدى الطويل فالذهب معروف بثبات أسعاره والمتغير هو العملات فهو معدن وليس عملة. أما النفط فلا يمكنه أن يحل بديلا كونه مادة سائلة وليست عملة.

كما يؤكد أن الاستثمار في الذهب لا يمكن أن يستمر طويلا كونه يضعف الاقتصاد ويفقد العملات قيمتها والحل لابد من خلق فرص عمل جديدة ومكافحة البطالة وزيادة الإنتاج وخلق طلب على الإنتاج لتحريك السوق وتبدأ عملية البيع والشراء وهو ما يحرك عجلة الاقتصاد ويعطي فرصة أكبر لشراء العقارات المجمدة وبالتالي يقل التضخم وتقل نسبة العجز في الميزان التجاري.ويتوقع صندوق النقد الدولي بأن قيمة الدولار ستستمر بالانخفاض للخمس سنوات القادمة وبصورة معتدلة وذلك مبنيا على تصوراته لأساسيات الاقتصاد الأميركي وحتى الأن لم يقدم الصندوق رقما محددا لقيمة الدولار وذلك بحسب الخطأ المحتمل في مثل هذه التقديرات.

أما الدكتور محمد شعف أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاهوما المركزية فيرى أن هبوط الدولار يصب في مصلحة الاقتصاد الأميركي ولكنه قد يضر باقتصاديات بلدان أخرى تعتمد على الدولار ولكن هبوطه يسهم في زيادات الصادرات الأميركية للخارج كما يشجع السائحين على زيارة الولايات المتحدة ما يسهم في رفع نسبة السياحة وهو ما يدخل نقودا للبلاد ويحرك السوقquot;. كما يؤكد أن الذهب لا بمكن أن يحل بديلا للدولار أو حتى أي عملة أخرى للتداول ولكنه قد يكون حلا للمستثمرين في الوقت الحالي وليس كاستثمار لعقود طويلة.