![]() |
الأزمة المالية ومخاطر التداعيات التي تهدد القطاع المصرفي في أيرلندا، دفعت حكومتها بعد تردد طويل للتقدم بطلب إلى الاتحاد الأوروبي من أجل الحصول على قروض تنقذ بوساطتها ما يمكن إنقاذه. وفي حين أشادت بروكسل بخطة التقشف الصارمة هذه أثارت في الوقت عينه احتجاجات شديدة في البلاد.
برلين: وافق الاتحاد الأوروبي على خطة إنقاذ أيرلندا، شرط أن تضع الحكومة خطة تقشفية صارمة جدًا من أجل تقليص حجم عجزها المالي، 15 مليار يورو كل عام، ما دفع بالمئات من الأيرلنديين للخروج إلى الشوارع والتظاهر، لأنهم يعتبرون أن هذا الحل سيكون على حسابهم، ويرون أن الأزمة هي نتيجة سياسة حكومة رئيس الوزراء براين كوين السيئة، وعليهم الآن كدافعي ضرائب دفع ضريبة أخطاء حكومته.
وحسب الخطة التي وضعها الاتحاد الأوروبي الصيف الماضي من أجل إنقاذ اليونان كي لا تعلن إفلاسها وإنقاذ بلدان أخرى في منطقة اليورو إذا ما تطلب الأمر ذلك، يتعين عليه منح قروض إلى كل دولة تتقدم بطلب للحصول على قرض، من صندوق أسسه بمبلغ وصل إلى 440 مليار يورو مقابل دفعها فوائد معينة والتزامها بخطة تقشفية صارمة.
لكن يمكن لصندوق النقد الدولي المساهمة أيضًا في منح القروض وتقديم 250 مليار يورو. وتصل مساهمة ألمانيا في هذا الصندوق إلى 119.4 مليار يورو، أي ما يقارب من الـ27 % من إجمالي المبلغ المودع.
وزير المال: أيرلندا غير مفلسة
في مقابلة معه نفى وزير المالية الأيرلندي براين لانيهان أن تكون بلاده مفلسة، وبرر ذلك بأن لديها احتياطًا نقديًا يصل إلى 22 مليار يورو، إضافة إلى صندوق التقاعد، وفيه ما لا يقل عن 25 مليار يورو. كما أكد على عدم وجود ركود اقتصادي في بلاده، وهذا ما اعترف به الاتحاد الأوروبي، الذي يتوقع من أيرلندا الآن استخدام الاحتياط النقدي من أجل حل جزء من المشكلة.
وفي سؤال يتمحور حول كيف يمكن للمواطن الألماني دافع الضرائب الموافقة على دعم حكومته حكومة أيرلندا بالمليارات من أجل إنقاذ قطاعها المصرفي، الذي سلك لسنوات سياسة خاطئة بتقديمه قروضًا مسهلة إلى قطاع العقارات لبناء آلاف المنازل التي لايسكنها أحد الآن، وتوقف العديد من ورش البناء لقلة المال، وسرّح الآلاف من العمل، ما رفع من نسبة العاطلين عن العمل،
رد الوزير quot;لقد أعربت ألمانيا، كما بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي عن تقديم دعمها إلى بلدان في الاتحاد تعاني مشاكل، وستشكر إيرلندا ألمانيا لهذا الدعم، وستعيد لها القروض التي قدمتها.
ولأن ألمانيا أكبر دولة اقتصادية في بلدان اليورو، فمن مصلحتها أن تحافظ على قوة واستقرار النقد الموحد وعدم تعرضه لهزات مالية جديدة ستؤثر سلبًا على وضع بلدان أخرى تعتمد هذا اليورو، فهذا سيضعف الاقتصاد الألماني والصادرات الألمانية، فكل بلد يعاني مشاكل مالية لن يتمكن من استيراد بضائع ألمانية، وهذا أمر لا جدل فيه. أما في ما يتعلق بالمنازل التي بينت ومازالت خالية، فإن استطلاعًا للرأي أثبت أن المشكلة ليست بالحجم الذي تشير إليه وسائل الإعلام.
إعادة النظام المالي إلى وضعه السليم
مع ذلك لم ينف الوزير عدم تعامل الحكومة في السنتين الأخيرتين بحزم مع التراجع الاقتصادي الأكبر في تاريخ بلاده، خاصة مع أزمة المال العامة والنظام المصرفي. ولقد وثّقت الحكومة مجريات هذه الأزمة، ففي شهر كانون الثاني (يناير) الماضي وافقت على إجراء تحقيقات بشأن أزمة المصارف، وقررت الآن أن تعيد النظام المالي إلى وضعه الصحيح، كي يكون قطاعًا صحيًا يلعب دورًا إيجابيًا في النمو الاقتصادي، كما سيتم إدخال إصلاحات أساسية على قواعد النظام المالي.
لكن هل ستتمكن أيرلندا من دفع قروضها التي سوف تحصل عليها من الاتحاد الأوروبي ومن صندوق النقد الدولي، ولن تخرج بعد من أزمتها الاقتصادية، ونسبة البطالة العمالية فيها تعدّت الـ14 %، فيوضح الوزير أن هذه النسبة المرتفعة تدعو بالفعل إلى القلق، لكن الحكومة اتخذت الكثير من الإجراءات والكثير من الإصلاحات، التي يمكن أن تحرك الاقتصاد، وذلك عبر خطة رباعية (لمدة أربعة أعوام) تتضمن استراتجية لإحداث أماكن عمل وتصورات لكيفية خفض نسبة البطالة إلى الـ9.75 % حتى عام 2014، والأمر المؤكد أن أيرلندا سوف تسدد قروضها.
كما نفى الوزير وجود ضغوطات مباشرة أو غير مباشرة من سياسيين ألمان بوجوب رفع الضرائب على الاستثمارات في أيرلندا، وتصل حاليًا إلى 12.5 %، بل قال ما يمكنه ملاحظته أن الاستثمارات الاجنبية المباشرة ليست من بلدان الاتحاد الأوروبي، وتقف أيرلندا حاليًا موقفًا تنافسيًا مع بلدان شرق آسيا، وليس مع بلدان من المجموعة الأوروبية.
خطة التقشف تثير استياء الإيرلنديين
وكانت خطة التقشف الإيرلندية الصارمة، التي أشادت بها بروكسل معتبرة أنها quot;قاعدة متينةquot; لمنح الجزيرة مساعدة دولية، أثارت احتجاجات شديدة في البلاد، حيث رأت النقابات أنها جائرة، بينما يتخوف خبراء الاقتصاد من انعكاساتها على الانتعاش الاقتصادي الذي ما زال هشًا.
تخوّف شعبي من خفض الرواتب
| وزير المالية الأيرلندي براين لانيهان |
![]() |
وفي وسط دبلن، كان الأيرلنديون تحت وقع الصدمة صباح اليوم غداة إعلان الحكومة خطة التقشف هذه، التي جاءت أقسى بكثير مما كانوا يتوقعونه. ويقول رجل في الأربعين ستؤدي هذه الخطة إلى خفض راتبه الأدنى بنسبة 12% quot;إنه حكم بالموت. إنني أعيش على الأدوية. والآن سيكون عليّ الاختيار بين شراء أدويتي أو شراء طعاميquot;.
وكانت الحكومة الأيرلندية أعلنت الأربعاء خطة تقشف على أربع سنوات، ترمي إلى توفير 15 مليار يورو من الآن وحتى 2014 تمهيدًا لمنحها مساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. وتقضي هذه الخطة بخفض إعانات البطالة والإعانات العائلية، وكذلك معاشات الموظفين والحد الأدنى للأجور مع إلغاء نحو 25 ألف وظيفة عامة.
هدف الخطة إعادة العجز لنسبة 3%
والهدف من ذلك هو رد العجز العام الأيرلندي إلى نسبة 3% من إجمالي الناتج الداخلي كما يطلب الاتحاد الأوروبي. وكانت هذه النسبة بلغت 32% هذا العام، بسبب اضطرار أيرلندا إلى ضخّ 50 مليار يورو في مصارفها لإنقاذها من الإفلاس. وتشكل خطة التقشف شرطًا إلزاميًا للحصول على مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي التي يتم بلورتها حاليًا.
وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية أولي رين مساء الأربعاء في بروكسل إن هذه الخطة تشكل quot;قاعدة صلبة للمفاوضات بشأن الإصلاحات المالية والهيكلية (التي ستكون جزءًا) من برنامج المساعدة المالية الدولية التي طلبتها أيرلندا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدوليquot;. لكن في الجزيرة النظرة مختلفة تمامًا.
وعنونت صحيفة quot;أيريش أكسامينرquot; quot;اقتطاعات للجميع ما عدا السياسيينquot;. وقالت quot;أيريش صنquot; إن الاقتطاعات quot;ستضرب الجميع لكن (رئيس الوزراء بريان) كوين سيستمر في تلقي الراتب نفسه الذي يتلقاه (الرئيس الأميركي) باراك أوباماquot;. ومع ذلك اعتبرت غالبية الصحف شأنها شأن الحكومة أنه quot;لا يوجد بديلquot;.
نقابات: خارطة طريق نحو العصر الحجري
لكن النقابات لا تشاطر هذا الرأي. فقد حذر جاك أوكنور رئيس نقابة quot;سيبتوquot;، أكبر نقابة في البلاد، من أن quot;هذه الخطة هي خارطة طريق نحو العصر الحجري، وإعلان حرب على أصحاب الرواتب المنخفضةquot;. واعتبر ديفيد بيج الأمين العام لـquot;أيريش كونغرس أوف تريد يونيونزquot;، وهي أكبر كونفدرالية نقابية في البلاد، أن quot;أول المستهدفين هم الأكثر ضعفًاquot;. وتدعو النقابات إلى quot;المقاومةquot; خلال تظاهرة تنظمها السبت الكونفدرالية النقابية، التي تراهن على مشاركة quot;عشرات الآلافquot; في هذا التظاهرة.
والغضب الشعبي، الذي بلغ ذروته بعد quot;الإذلالquot; الذي شعر به الأيرلنديون مع طلب المساعدة الخارجية، لا بد وأن يترجم في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التشريعية الجزئية التي ستجرى الخميس في مقاطعة دونيغل (شمال غرب)، كما تشير استطلاعات الرأي التي توقعت خسارة الحزب الحاكم quot;فيانا فيلquot; (وسط) لتفقد الغالبية الحكومية بذلك نائبين قبل عرض ميزانية عام 2011 التقشفية على البرلمان في السابع من كانون الأول/ديسمبر المقبل.
ويدعو رئيس الوزراء إلى وعي وطني للتصويت على التقشف، مذكرًا بأنه مطلب بروكسل، إلا أن المعارضة تبدي ترددًا. وحذّر الـquot;فين غايلquot;، حزب المعارضة الرئيس، من أنه سيطلب من الاتحاد الأوروبي إعادة التفاوض على الخطة الأيرلندية. وتثير الاقتطاعات الضخمة القلق على الانتعاش الاقتصادي الهش. ويقول كونستانتين غوردجيف الأستاذ في جامعة ترينيتي كوليدج في دبلن لفرانس برس إن quot;الاجراءات الضريبية سيكون لها تأثير كبير على الطلب، وسيستمر الاستهلاك في حالة كسادquot;.
وأبدت شركة تعاملات البورصة الأيرلندية quot;ديفي ريسيرتشquot; دهشتها لكون الخطة quot;لا تتضمن أي احتياطي لضخ رأس مال جديد محتمل في الجهاز المصرفي قد يتطلبه الأمرquot;. وقد جرى بالفعل تعويم البنوك الأيرلندية الغارقة في الديون بمنحها نحو 50 مليار يورو، إلا أن حجم الخصوم غير معروف بعد، وقد يصل إلى مئات المليارات.


.jpg)
.jpg)







التعليقات