يرى محللون أن أوروبا تعاني مشاكل، حتى يبدو في بعض الأيام وكأن عملتها الموحدة وآمالها بالوحدة الشاملة آيلة إلى زوال.وفي مثل هذه الأجواء، سيتوجه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى واشنطن في مطلع السنة الجديدة للتباحث بشأن إعادة بناء النظام النقدي العالمي على نحو قد ينبئ بأن القوة العالمية المتراجعة هي في الحقيقة الولايات المتحدة.


كان الرئيس الفرنسي دأب على القول منذ عامين إن دور الدولار بوصفه العملة العالمية الوحيدة للاحتياطات النقدية لا يعكس حقيقة ظهور عالم متعدد الأقطاب لا يستدعي بعد الآن استمرار التبعية للدولار.

وكتبت صحيفة لوموند أن ساركوزي يراهن على توظيف مجموعة العشرين في إيجاد حل لمواطن الخلل في التوازن النقدي في جبهة فرنسية ـ صينية مشتركة ضد الولايات المتحدة إذا اقتضت الحاجة. ما هو معروف بصورة مؤكدة في هذا الشأن أن محافظ البنك المركزي الصيني أشار في عام 2009 إلى أنه يريد تحويل عملة الاحتياط النقدي من الدولار إلى سلة عملات تسمى quot;حقوق السحب الخاصةquot; بإشراف صندوق النقد الدولي.

ولكن ما هو غير معروف بصورة مؤكدة وجود رغبة لدى الصينيين بإشراك أطراف ثالثة في قضايا نقدية تخصّ علاقة العملة الصينية بالدولار. وتقول مصادر فرنسية إن ساركوزي يريد أن يسأل باراك أوباما حين يستقبله في 9 كانون الثاني/يناير في واشنطن ما هي quot;خطوطه الحمراءquot; التي يرسمها بشأن الدولار. ويُفترض أن يكون أوباما قد إطلع وقتذاك على آراء الرئيس الفرنسي ومواقفه.

ويمكن تلخيص هذه المواقف في أنه من غير الجائز في عالم اليوم الامتثال لإملاءات عملة واحدة، ولا يمكن أن يكون هناك عالم متعدد الأقطاب من جهة، وعملة احتياط نقدي واحدة من الجهة الأخرى. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مصادر قريبة من الإليزيه أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ستتوجه إلى الصين في تحرك مواز لمباحثات ساركوزي في البيت الأبيض لاستطلاع موقف الصينيين من قضية الدولار نيابة عن الرئيس الفرنسي.

وبصرف النظر عن كل ذلك، لا بد أن يكون البيت الأبيض والفرنسيون والصينيون أخذوا علمًا بالبيان الرسمي الألماني الذي أصدره وزير المالية فولفغانغ شويبله حول إصلاح النظام النقدي العالمي، قائلاً فيه إن لدى ألمانيا شكوكًا في ما إذا كان نظام يُفرَض بصورة مفتعلة سيكون نظامًا ذا مصداقية، بما في ذلك ترويج حقوق السحب الخاصة. وأن ألمانيا تفضل، بحسب البيان، إجراء quot;تغيير تدريجيquot; من خلال قوى السوق.

الرئيس الأميركي من جهته لا يمكن أن يتجاهل بدون رد وجهة نظر محورها تنحية الدولار جانبًا أو إعطاؤه دورًا أقل وزنًا بين العملات العالمية، وأساسها افتراض (أو قناعة) بانحدار الولايات المتحدة وتراجع مكانتها.

ومما أثار قلق البعض أن أوباما أعلن هذا العام في إشارة إلى أفغانستان أنه لا يحمل آراء تقليدية عما يشكل انتصار أميركا أو خسارتها في الحرب. لكن الرئيس الأميركي لم يقترب قط من تشجيع الافتراضات واسعة الانتشار عن قبول أميركا بعالم متعدد الأقطاب، عالم من القوى quot;المتساويةquot; والمتنافسة، تسلِّم فيه أميركا بفقدان تسيدها أياً تكن اشتراطاتها.

والدولار ليس مجرد رمز هذا التفوق، بل إن التنازل عن امتيازاته سيضرّ بموقع الولايات المتحدة في العالم المالي والنقدي، ومن الجائز تمامًا أن يعوق التزام أميركا العسكري تجاه حلفائها في أوروبا وآسيا.

يتبنى الرئيس ساركوزي التعدد القطبي، تلك الفكرة الديغولية التي يعود تاريخها إلى عقود مضت، وكأنها وصية منزَّلة. وتؤكد صحيفة نيويورك تايمز أن مراجعة الكومبيوتر والانترنت تبين أن أوباما لم يستخدم هذا المصطلح ذات يوم. وتنقل الصحيفة عن آن ماري سلوتر مديرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية قولها إنه quot;لا الرئيس أوباما ولا الوزيرة هيلاري كلينتون تحدثا عن وجود عالم متعدد الشركاء، وهي قضية أخرىquot;. وأضافت سلوتر quot;إن الولايات المتحدة ما زالت الدولة التي تتبوأ الموقع الأمثل لتولي القيادة في هذا العالمquot;.

واقترب الأكاديمي زكي لايدي من الحقيقة بلا تجميل، عندما كتب أن الرئيس الأميركي بعد سنتين من ولايته يريد الحد الأدنى من العلاقات متعددة الأطراف، ولن يقبل بأي حال من الأحوال بصيغة quot;تمنح قوة واعترافًا دوليًا لفاعلين آخرين دون الحصول على أي شيء حقيقي في المقابلquot;.

ولعل هذا موقف واضح، لكن السؤال هو ما إذا كان كافيًا لاستدراج الرئيس ساركوزي إلى الاقتناع بجملة تقارير تعدها فرق بحث على امتداد العقد المقبل، من باب الحفاظ على ماء الوجه بدلاً من السعي إلى إلغاء دور الدولار القيادي.

فهناك إشارات من مصادر فرنسية إلى أن ساركوزي ربما بدأ يقرّ بذلك. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أحد مستشاري الرئيس الفرنسي أنه quot;أصبح أكثر حصافةquot;، وأن اهتمامه ينصبّ الآن على quot;تثبيتquot; العملات الرئيسة في العالم. ويبدو هذا موقفًا متعقلاً إزاء ما قاله مدير صندوق النقد الدولي دومنيك ستروس كان، حين وصف مستقبل أوروبا بأنه quot;أكثر غموضًا من أي وقت مضىquot;.

عندما يصل الرئيس ساركوزي إلى البيت الأبيض الشهر المقبل قد يذكِّره أوباما لكي يسمع الآخرون، بما قاله خلال حملته الانتخابية عن تفوق الولايات المتحدة. فقد أصرّ الرئيس الأميركي وقتذاك على quot;أن الحقبة الأميركية لم تنتهquot;، داعيًا إلى اغتنام الفرصة لتمديدها وتجديدها.