بيروت: كشفت آخر المؤشرات الدولية عن أنّ الاقتصاد اللبناني بدأ يجني منافع السياسات الاقتصادية الكلية التي ينتهجها البلد، لكنه لا يزال يعاني مواطن ضعف عدة، حيث تتجاوز نسبة الدين 150 % قياساً على الناتج المحلي المجمل.

وأوضح تقرير صادر من صندوق النقد الدولي نُشر اليوم أنّ القطاع المصرفي اللبناني لا يزال شديد التعرّض للمخاطر السيادية، التي تشكل 56 % من موجوداته، كما يواجه المزيد من المخاطر في الاستحقاقات، ومنها التفاوت بين ودائع قصيرة الأجل لتمويل قروض طويلة الأجل للدولة، والقطاع الخاص غير المصرفي.

وقوّم التقرير أداء السلطات اللبنانية لغاية آخر يونيو/حزيران 2009، فأشار إلى أنّه تم خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي وتعزيز الاحتياطات العامة، الأمر الذي ساهم في تعزيز الثقة وتحسين النشاط الاقتصادي، على الرغم من البيئة العالمية الصعبة، والتأخر في تشكيل الحكومة، فانخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بواقع 27 نقطة مئوية منذ نهاية العام 2006، وتضاعفت الاحتياطات العامة خلال الأشهر الثماني عشر الماضية، بحيث وصلت إلى 25 مليار دولار.

وبيّن أنّه كان للأزمة المالية العالمية والركود العالمي انعكاس محدود على الاقتصاد اللبناني. فالصادرات السلعية، التي تمثل نسبة ضئيلة من الاقتصاد اللبناني، تأثرت سلباً بسبب ضعف الطلب الخارجي، إلا أنّ نشاط البناء أظهر صموداً، وتابع كل من قطاعي السياحة والخدمات المالية الازدهار، وسط تحسن الظروف الأمنية. ولفت التقرير إلى حدوث تراجع حاد في تدفق التحويلات الخارجية، وبنتيجة ذلك توقّع أنْ ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 7 % في العام 2009 (بالمقارنة مع تقدير سابق لا يتعدى 4 %).

وأشار التقرير إلى أنّه من الأسباب التي ساهمت في زيادة الفائض الأولي هو ازدياد الإيرادات الضريبية، في ضوء عودة الاستفادة من الرسم على المحروقات وتحسين جباية الضرائب والنمو الاقتصادي المطرد، وذلك على الرغم من ضغوط الإنفاق التي سبقت الانتخابات النيابية.

وسجّل أنّه في موازاة الاستمرار في ضبط المالية العامة، فقد أدّت البيئة الاقتصادية الجيدة إلى تراجع نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي من 168 % في نهاية العام 2008 إلى 153% في نهاية يونيو/حزيران 2009، على الرغم من أنّ هذه النسبة لا تزال من بين الأعلى في العالم.

وأظهر التقرير أنّ ودائع القطاع المصرفي ازدادت بأكثر من 20 % على أساس سنوي، فيما انخفض معدل تداول الدولار بالنسبة إلى الودائع، وذلك بفضل الثقة ومعدلات الفائدة المحلية المغرية، وفي ظل الرقابة الجيدة على القطاع المصرفي، حيث لم تتأثر المصارف تقريباً بالأزمة المالية العالمية، وبقيت تحقق أرباحاً.

وبيّن التقرير أنّه على الرغم من ركود الاستثمار الخارجي المباشر، فإن تدفقات ودائع غير المقيمين ساعدت مصرف لبنان المركزي إلى حد كبير على الاستمرار في تعزيز احتياطاته من النقد الاجنبي، حتى في غياب سوق تمويل خارجي للحكومة، حيث طرأ انتعاش طفيف على الدعم من الجهات المانحة في الفصل الثاني من العام 2009، علماً أنّه لم يستمر بالوتيرة عينها إلا بعد تشكيل الحكومة.

وأوضح أنّ كلاً من النمو الاقتصادي الكبير والعودة إلى الاستفادة من الرسوم على المحروقات ساهم في زيادة الإيرادات الضريبية التي عوّضت تراجع الإيرادات من الاتصالات وارتفاع التحويلات إلى الهيئة العليا للإغاثة ومؤسسة كهرباء لبنان، ما أدى إلى تحقيق فائض أولي أعلى من ذاك المحدد له في البرنامج.

وسجّل التقرير أنّه على الرغم من هذه النتائج الجيدة، إلا أنّ صافي الاقتراض العام من مصرف لبنان كان كبيراً، بحيث تجاوز السقف المحدد له، حيث غاب هدف صافي الاقتراض بنسبة 44 % (2.6 ألف مليار ليرة لبنانية) ما عكس تخفيض ودائع الحكومة لدى مصرف لبنان من جهة، ومزيداً من اكتتابات الأخير بسندات الخزينة من جهة أخرى.

وعزا التقرير التجاوز المذكور سالفاً في جزء منه إلى تفضيل المصارف التجارية الاكتتاب بشهادات الإيداع ذات المردود المرتفع التي أصدرها لمصلحتها مصرف لبنان المركزي لمدة خمس سنوات، بهدف التعقيم أساساً على الاكتتاب بسندات خزينة لمدى 3 سنوات ذات مردود أدنى. وأوضح أنّ إدارة العمليات النقدية عبر شهادات الإيداع ساعدت على جذب التدفقات وإعادة تكوين الاحتياطات ودعم الثقة خلال الأزمة المالية العالمية. في المقابل أدّت إلى مزاحمة الطلب على سندات الخزينة ذات المردود الدنى وأثّرت على حجم ميزانية مصرف لبنان.

وختم التقرير لافتاً إلى أنّه خلال يوليو/تموز من العام 2009، غيّر مصرف لبنان المركزي طريقة إدارة العمليات النقدية بإعلانه وقف إصدار شهادات الإيداع (طويلة الأجل)، وبالتالي إعادة إحياء طلب المصارف لسندات الخزينة، الأمر الذي تواقف مع تقلّص واضح لمحفظة مصرف لبنان من سندات (اليوروبوندز)، ما أدى الى تراجع كبير في صافي اقتراض الحكومة من مصرف لبنان (نحو 1.6 الف مليار ليرة لبناني).