شهد قطاع الصناعة السعودي نموًّا وتطوّرًا متزايدين في قطاع الصناعات النفطية وغير النفطية، وسجّلت الصادرات السعودية غير النفطية خلال العام الماضي ارتفاعًا مقارنة بالعام 2008، وبدأت السعودية تخطو خطوات جادة في طريق الاقتصاد المعرفي إنتاجًا واستثمارًا ولكن الطريق لا يزال طويلاً.

الرياض: إستفادت السعودية منذ سبعينيات القرن الماضي من العوائد النفطية في تمويل برامج طموحة استهدفت تنمية مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، وقامت بالعديد من المبادرات الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتوطين التكنولوجيا ما انعكس على الصادرات السعودية من الصناعات غير النفطية .

ورصد تقرير أصدرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات السعودية في فبراير 2010 ارتفاع الوزن المصدر في شهر ديسمبر بنسبة 17 %، إذ بلغ 3869 ألف طن مقابل 3320 ألف طن في الشهر ذاته من عام 2008 ، بارتفاع مقداره 549 ألف طن، وبلغت قيمة الصادرات غير البترولية خلال الربع الثالث من العام 2009م (25620) مليون ريال مقابل (31967) مليون ريال خلال الربع الثالث من عام 2008م، بانخفاض مقداره (6347) مليونريال وبنسبة بلغت (20%). وبلغ الوزن المصدر (9961) ألف طن مقابل (9006) ألف طن، بارتفاع مقداره (955) ألف طن, بنسبة (11% ).

ولا يعني مفهوم التنمية التكنولوجية تبني أحدث ما يوجد في أسواق العالم من تكنولوجيات ولا مجرد آلات حديثة يتم استيرادها من الدول الأكثر تقدمًا لإحداث الزيادة المطلوبة في الإنتاج، فالتكنولوجيا هي المعرفة المستخدمة في الإنتاج والمقدرة على تطبيق الأبحاث العلمية لتصنيع منتج معين وإقامة الآلية اللازمة لتطويره وابتكار ما يتطلبه من فنون الإنتاج في البيئة المحلية، وفي هذا الإطار فالسبيل إلى امتلاك التكنولوجيا يكون إما بنقل التكنولوجيا وتوطينها أو الاجتهاد لامتلاك التكنولوجيا بتوليدها بالجهود الذاتية .

وهنا يقول الدكتور احمد بن عبد القادر المهندس رئيس جمعية المخترعين السعوديين (تحت التأسيس) لـquot;إيلافquot; إن التقدم الصناعي يسير جنبًا إلى جنب مع وجود سياسة لتوطين التقنية وتطوير المنتجات القائمة وابتكار منتجات أخرى لتلبية رغبات المستهلك، بجودة وسعر يضمنان المنافسة في الأسواق العالمية أمام منتجات الدول الأخرى. وكما نعلم فإن جميع الأسواق أصبحت مفتوحة بفعل اتفاقيات التجارة الحرة وأصبحت معها المنافسة شرسة ولن يكون البقاء إلا للأفضل أو الأكثر جودة.

ويضيف الدكتور أحمد المهندس أنه بناء على ذلك يؤدي البحث العلمي دورًا مهمًّا في عملية نقل وابتكار وتطوير التقنية بما يتواءم مع ظروف الدولة حتى يتحقق الهدف المطلوب منها، لذلك أصبح التطور التقني هو المعيار الفارق بين التقدم والتخلف في عصرنا الحالي وليتم تحقيق الوفورات الاقتصادية للدولة وتطوير منتجاتها.

ولا شك أن الاهتمام بالبحث العلمي والتطوير التقني ورعاية المخترعين والمبتكرين ndash; والكلام لازال للدكتور المهندس- سوف يؤدي دورًا حاسمًا في تعزيز التطوير التقني وبناء قاعدة وطنية للعلوم والتقنية تكون قادرة على الإبداع والابتكار بمشاركة المؤسسات الوسيطة والداعمة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وعندما تصبح المملكة دولة مصنعة ومصدرة فإن هذا يساعد في رفع ميزان التبادل التجاري ليكون في صالح السعوديين ويساهم في رفع إيرادات الدولة أو ما يعرف بالناتج القومي وينعكس بالتالي على رفاهية المواطن وهو الهدف الذي تسعى إليه كافة الدولة باعتباره الهدف الرئيس للاقتصاد.

ويشارك سعيد العماري مضيفًا بعدًا آخر بالقول إن توطين التكنولوجيا يرتبط بهجرة العقول أو ما اصطلح على تسميته بهجرة الأدمغة quot; وهي واحدة من أكثر المشاكل حضورًا على قائمة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلدان النامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص ، منذ أن باشرت هذه البلدان وضع برامج للتنمية والنهضة بأوضاعها، لافتا إلى أن الإحصاءات تشير إلى أن هذه الظاهرة تكلف الدول العربية خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار وأن rlm; rlm;الدول الغربية تعد الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن 450 ألفًا من rlm; rlm;هذه العقول ، وأن 45 في المئة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى rlm; rlm;بلدانهم، ما يفرز في النهاية آثارًا سلبية على واقع ومستقبل التنمية، وعلى التعليم وبناء وتطوير قاعدة تقنية وتكنولوجية عربية.

وزاد العماري لـquot;إيلافquot; أن توطين التكنولوجيا يفتح أفاقا واسعة أمام المنتجات السعودية في أسواق العالم في ظل الاتجاه العالمي لاقتصاد المعرفة إنتاجًا واستثمارًا الدكتور فؤاد العواد المشرف العام على معرض ابتكار 2010 المقرر إقامته في جدة في مايو المقبل يؤكد أن القضية الأساسية هنا تتعلق بكيفية خلق البيئة الإبداعية وتشجيع المخترعين والمبتكرين السعوديين على الإبداع، ومتى اعددنا هذه البيئة يبدأ رجال الأعمال في الدخول إلى المجال ومحاولة الاستفادة من هذا المناخ وهذه الأفكار بفتح مصانع لتشغيل أصحاب الاختراعات والابتكارات وبالتالي تظهر منتجات صنعت بفكر وايدى سعودية ، وتحمل علامة صنع في السعودية التي ستصبح بالتالي دولة مصدرة ، وهو ما سينعكس على النمو الاقتصادي وسيشكل نقلة نوعية ولن نكون دولة مستهلكة فقط .

ويطالب الدكتور فؤاد العواد عبر quot;إيلافquot; بنشر الوعي لدى كافة أفراد وشرائح المجتمع بثقافة الموهبة والابتكار والاختراع ، إذ أن للابتكار واستثمار المعرفة دوراً فعالاً في نمو الاقتصاد السعودي فإذا تكونت القاعدة وساهم رجال الأعمال والمستثمرون فيها تصبح الأمور مهيأة لصعود الصناعة الوطنية خاصة وان السعودية لديها القيمة المضافة التي تتمثل في المواد الخام حيث تمتلك الكثير من المواد الأولية التي تدخل في التصنيع ، وما بين 80 و 90 في المئة من هذه المواد الأولية متوفرة في مناطق كثيرة من الأراضي السعودية ويمكن استخلاصها بدلا من استيرادها ، فاليابان تستورد كثيرًا من المواد الأولية ثم تعيدها إلى السوق السعودي في صورة منتجات مشيرا إلى أن هناك أكثر من 3000 منتج في العالم يدخل النفط في صناعتها .

وعلى ذكر اليابان فقد كان الغرب منذ نحو نصف قرن يسبقها في التطور والتقدم والتصنيع، ولكن الآن تفوقت هي في عدد رخص الإبداع وبراءات الاختراع وسبقت أوروبا وأمريكا بسبب اهتمامها بهذا الجانب . وبجانب التجربة اليابانية فهناك العديد من الدول التي نجحت في تثبيت أقدامها على خارطة العالم المعرفية والاقتصادية ومنها التجربة التايوانية في مجال الابتكار والصناعات التقنية ودورها في دعم الاقتصاد الوطني وهي تجربة رائدة بعد أن أصبحت تايوان واحدة من أكبر المصنعين في العالم لعدد كبير من منتجات تقنية المعلومات، إذ تستحوذ على 68% على سوق صناعة الرقاقات الدقيقة في العالم ، بخلاف صناعة الدوائر المتكاملة ، وتصنيع قناع الذاكرة وتغليف الدوائر وهو ما جعلها الأولى على مستوى قارة آسيا والثالثة على مستوى العالم وفقاً للتقرير الخاص بالتنافسية لعام 2006/2005.

واستفادت دول أخرى من التجربة التايوانية وأخذت في منافسة منتجاتها سعريًا ونوعيًا، وهنا يبرزالعملاق الصيني الذي أخذت منتجاته المتنوعة تغزو أسواق العالم وتسيطر على كل شيء تقريبًا، وهنا لابد من الإشارة إلى أن ما جذب الانتباه إلى المنتجات الصينية والتايوانية وما على شاكلتها من الصناعات الخفيفة والالكترونية ذات الاستخدام اليومي وجعلها تنتشر في كل مكان هو المنافسة السعرية، والتنوع، وسرعة التجديد والابتكار . من هنا لابد من الاستفادة من هذه التجارب لدعم الصناعات الوطنية بأفكار خلاقة وابتكارات تتحول إلى منتجات ذات مردود اقتصادي يدعم الاقتصاد الوطني .