القاهرة: تحاول مصر التي تشعر بالقلق من فقدانها ما تعتبره quot;حقوقها التاريخيةquot; في مياه النيل، كسر عزلتها المتنامية في دول حوض النهر التي وقّعت اتفاقاً جديداً حول استخدام مياهه، يرى فيه المصريون quot;حكماً بالإعدامquot; عليهم.

وظلت مصر واثقة لسنوات طويلة من أن اتفاقيتي العام 1929 و1959 اللتين تحصل بموجبهما على نصيب الأسد من مياه النيل، تضمنان حقها. غير أنه بات عليها أن تواجه الآن تمرد خمس دول أفريقية وقّعت أخيراً اتفاقية جديدة تحقق لها مزايا أكبر هي أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا وكينيا ورواندا.

وكتب الأستاذ في جامعة القاهرة نادر نور الدين في افتتاحية عكست القلق الشعبي والرسمي المتنامي أن quot;الإعلان (عن إبرام هذا الاتفاق الجديد) يعتبر من قبل غالبية المصريين كحكم بالإعدام على بلد طالما وصف بأنه هبة النيلquot;. وتحصل مصر على قرابة 90 % من احتياجاتها من المياه من هذا النهر. وتؤكد القاهرة أنه حتى مع احتفاظها بحصتها من مياه النيل التي تكفلها الاتفاقات الحالية فإنها لن تستطيع أن تلبي احتياجات سكانها المائية بحلول العام 2017.

وإزاء هذا المأزق، بدأت مصر حملة دبلوماسية واسعة. وتطرقت المباحثات التي أجراها الرئيس المصري حسني مبارك أمس الأربعاء في روما مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني إلى ملف مياه النيل، فيما أكدت الصحف المصرية أن شركات إيطالية تموّل مشروعات على نهر النيل في أثيوبيا.

وقال برلوسكوني في مؤتمر صحافي مع مبارك quot;لقد تعهدنا بالقيام بعمل دبلوماسي مع بعض الدول، أولها أثيوبيا، التي ما زالت توجد مشكلات (بينها وبين مصر) حول استخدام مياه النيلquot;. وتسعى مصر كذلك إلى تثبيت تحالفها مع السودان، وهي ثاني مستفيد من اتفاقيتي 1959 و1929. لكن انفصال جنوب السودان المحتمل عقب الاستفتاء المقرر إجراؤه مطلع 2011 يهدد بإضعاف محور القاهرة الخرطوم لمصلحة دول منابع النيل.

وعلى الصعيد الدبلوماسي كذلك، يصل رئيس الوزراء الكيني رايلا أودينغا إلى القاهرة السبت، بعد بضعة أيام من توقيع بلاده بشكل منفرد الاتفاقية الجديدة. كما تستقبل القاهرة نهاية أيار/مايو ومطلع حزيران/يونيو رئيسي الكونغو الديموقراطية جوزف كابيلا وبوروندي بيار نكورونزيزا، وهما دولتان من حوض النيل، مازالتا تقاومان الانضمام إلى الجبهة المناهضة لمصر.

وستقوم كذلك وفود وزارية مصرية بزيارات إلى أثيوبيا وأوغندا، وهما الدولتان اللتين تنشطان بشكل كبير من أجل تقاسم جديد لمياه النيل. غير أن رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي أغلق الباب أمام أي عودة للوضع القائم منذ العام 1959. وقال زيناوي في مقابلة مع قناة الجزيرة الأربعاء quot;البعض في مصر لديهم أفكار بالية، ويعتقدون أن النيل ملك لمصر. الظروف تغيرت (الآن) وإلى الأبدquot;.

وأضاف أن quot;الاتفاقية الجديدة تهدف إلى مراجعة اتفاقيتي 1929 و1959quot; اللتين تحصل مصر بموجبهما على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل والسودان على 18.5 مليار متر مكعب. وتعادل حصتا مصر والسودان قرابة 87% من مياه النهر.

وتعطي الاتفاقيات الحالية لمصر كذلك حق تعطيل أي مشروعات في منابع النيل، قد تعتبرها مضرة بمصالحها. وأكد أنه quot;لا ينبغي أن تحاول مصر إيقاف ما لا يمكن إيقافه، لتحقيق تقدم لا بد من الوصول إلى اتفاق يربح فيه الجميع عن طريق الجهود الدبلوماسيةquot;.

وفضلاً عن وضعها الصعب على الصعيد الدبلوماسي، باتت الحكومة المصرية تواجه انتقادات داخلية متزايدة، بسبب إدارتها لملف مياه النيل. وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشبكي لوكالة فرانس برس إن quot;ما يحدث حالياً هو نتيجة تخلي مصر عن دورها في أفريقياquot;. ويضيف quot;خلال الأربعين سنة الأخيرة اعتقدت مصر أن علاقاتها مع الشمال تكفيها وأنه لا ينبغي أن تحتفظ بأوراق في دول الجنوبquot;.

وأكد هاني رسلان الخبير المتخصص في الشؤون الأفريقية في المركز نفسه أن quot;الاتفاقية الجديدة توشك أن تصبح أمراً واقعاً، فكينيا وقّعت، ويرجح أن توقّع الكونغو وبوروندي قريباًquot;. لكنه اعتبر أن هذه الاتفاقية quot;لن تؤثّر في المدى المنظور أي على مدى العشرين عاماً المقبلة على الأقل على حصة مصر من مياه النيلquot;.

ورأى أن quot;المشكلة سياسية في الأساسquot;، مشيراً إلى أن quot;الدول الأفريقية تعتبر أن مصر متعالية عليها، وأن لها تاريخاً استعمارياً في القارة، وتريد الهيمنة، ولا بد من جهد لتبديد هذه القناعةquot;.