في الوقت الذي يولي فيه البنك المركزي الأوروبي أهمية قصوى بالتضخم، ويُنظَر إلى مهمة الإبقاء على تلك المشكلة تحت السيطرة على أنها المسؤولية القانونية الأساسية للبنك، يؤكد خبراء اقتصاديون على أن تلك المشكلة تحولت إلى هاجس، تسبب في تغاضي البنك عن تهديد آخر أكبر في النطاق على القارة الأوروبية، ألا وهو الانكماش.

القاهرة: يعتقد كثير من الخبراء أن مشكلة الانكماش هذه هي مشكلة أكثر خطورة من مشكلة التضخم، لأنه يدفع المستهلكين إلى تأخير عمليات الشراء في الوقت الذي ينتظرون فيه حدوث تراجع في الأسعار، وهو ما يؤدي إلى خلق دوامة من انخفاض الطلب والإنتاج. كما أنه يعتبر أمرًا سيئًا بالنسبة إلى المدينين مثل اليونان، لأنهم قد يضطرون إلى إعادة الأموال التي ستقدر بأكثر مما كانت حين قاموا باقتراضها.

وفي هذا السياق، تقول صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إن المتشككين في ما يقوم به البنك المركزي الأوروبي من سياسات، قد تعالت أصواتهم، بعد أن أقدم على اتخاذ تدابير تعني بإلغاء الأثر التضخمي المفترض لعمليات الشراء الحكومية للسندات التي بدأت في العاشر من شهر أيار / مايو الماضي للمساعدة في إبعاد اليونان والعديد من بلدان منطقة اليورو عن خطر التخلف عن سداد ديونها. وتمضي الصحيفة في هذا الجانب لتنقل عن كارل واينبرغ، كبير الاقتصاديين لدى ''هاي فريكوينسي إيكونوميكس'' بولاية نيويورك، قوله :quot; كيف يمكنهم أن يكونوا قلقين بشأن الأثر التضخمي لهذا ؟ فأنا إن كنت رئيسًا للبنك المركزي الأوروبي، لكنت قد اتخذت قرارًا بطبع نقود لكي أتجنب حدوث تراجع في المعروض من النقودquot;.

إلى هنا، تؤكد الصحيفة عبر تقريرها المطول حول هذا الشأن على أن خبراء من أمثال واينبرغ وعدد قليل من صناع السياسة كذلك، قد بدؤوا يشعرون بالقلق من أن خطر حدوث انكماش في القارة الأوروبية، على غرار الانكماش الذي تسبب في خنق النمو الاقتصادي الياباني على مدار فترات طويلة من عقد التسعينات بالقرن الماضي، يمثل تهديدًا أكبر من التضخم. ثم تلفت الصحيفة إلى أن الأسعار قد انخفضت في أيرلندا خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي، في حين كان التضخم دون الواحد في المئة بخمسة بلدان أخرى في منطقة اليورو. وهي المشكلة التي امتدت خارج منطقة اليورو.

وترى الصحيفة أن صانعي السياسات سيكونون على موعد مع تحدي حقيقي في هذا الشأن خلال الأشهر والسنوات المقبلة، في الوقت الذي تناضل فيه كلٍ من اسبانيا، واليونان، والبرتغال، لاستعادة قدراتها التنافسية في الأسواق الدولية. ومن دون حدوث انخفاض في قيمة عملاتهم، تقول الصحيفة إن تلك الدول ليس لديها خيار سوى القيام بخفض الديون وجعلها كذلك أقل بكثير من تلك الموجودة في بلدان مثل ألمانيا وفرنسا.

ومن المنتظر، بحسب ما أوردته الصحيفة، أن تؤدي خطوتي خفض الأجور وتخفيض الإنفاق الحكومي إلى وضع ضغوط سحيقة على الأسعار. وفي الوقت الذي يشير فيه الخبراء الاقتصاديون إلى أنه من الممكن أن يتم التعامل مع احتمالية حدوث انخفاض طفيف في الأسعار بعدد قليل من بلدان منطقة اليورو، إلا أنهم أكدوا أن ذلك سوف يزيد من الأخطار المتعلقة بمشكلة الانكماش. ويتابعون بتأكيدهم على أن المركزي الأوروبي سيواجه صعوبات أكثر من المعتاد عند وضعه سياسة نقدية تلائم كلاًّ من البلدان المتضررة والاقتصاديات التي تنمو بسرعة مثل ألمانيا وفرنسا.