تنتشر الصناعات التقليدية بشكل لافت في جنوب الجزائر، وتبرز في صدارتها تلك الخاصة بنسيج الصوف والوبر، حيث تمتهنه 83 بالمائة من العوائل هناك وتتخذه مصدرا لعيشها.

الجزائر: استنادا إلى إحصائيات ميدانية قامت بها كل من وزارتي الصناعة والمؤسسات الصغيرة و المتوسطة، وكذا السياحة والصناعات التقليدية، فإنّ 66 % من العوائل في الشريط الجنوبي للبلاد تمارس نسيج الصوف والوبر كنشاط دائم، وترتفع النسبة أكثر في محافظة الجلفة (300 كلم جنوب العاصمة)، حيث تعتمد 83% من عوائلها على مداخيل منتجاتها الوبرية والصوفية، فيما يقدّر معدل الإنتاج السنوي بحدود 30 ألف قطعة منسوجة يدويا كل عام.

ويؤكد quot;الأخضر، quot;عبد الوهابquot;، quot;عمر مختارquot;، quot;محمدquot; وهم ممارسون مخضرمون اختصوا منذ عشرات السنين بحياكة أزياء تقليدية شهيرة محليا على غرار القشابية الوبرية والبرنوس، أنّ حرفة النسيج بأنواعه، تعتبر من بين الأنشطة الاقتصادية ذات الدخل المتجدد، إذ تشجع من يمتهنوها احتكاما إلى ما تدره من موارد مجزية، ما جعل من الصناعة الوبرية ترقى بمكانتها كحرفة تقليدية لها تموقعها.

وبينما يشدّد quot;حميدquot; وquot;أحمدquot; على أنّ حرفة نسيج الوبر والصوف هي quot;مورد اقتصادي محتشمquot; ويُرجعان ذلك إلى نقص المادة الأولية وغلائها أحيانا، بالمقابل، يشرح عبد الوهاب أنّه رغم الموجة الجديدة والاتجاه العام إلى البدلات العصرية، إلاّ أنّ قطاعا معتبرا من مواطنيه يتهافتون على اقتناء منسوجات الصوف والوبر، تبعا لما تنفرد به من فنيات ولمسات تزيد من الطلبات على منتجات تبدع النساء في نسجها ليأخذ الرجل على عاتقه الحياكة وبإتقان مذهل.

بدوره، يقول الحرفي quot;نسيم شبليquot; إنّه يشتغل رفقة العديد من زملائه بمناطق quot;حاسي بحبحquot;، quot;مسعدquot;، quot;زكارquot;، وquot;عين وسارةquot; في حياكة نماذج عديدة من البرنوس البني المنسوج بالوبر الصرف، والبرنوس الأبيض المنسوج بصوف الغنم، موضحا أنّ إنجاز البرانيس المذكورة يحتاج الى حيز زمني معتبر قد يصل إلى الستة أشهر، ويقتضي تكاملا أيضا مع العنصر النسوي، إذ يتولى الأخير عملية نسج سائر أنواع الألبسة بما فيها اللباس التقليدي النسوي والزرابي باستخدام صنوف من الصوف الأبيض والأحمر والأصفر والبني الفاتح.

ويشير quot;عمر مدللquot; وهو مسؤول جهوي للصناعات التقليدية، إلى أنّ حياكة النسيج التقليدي كانت مهددة بالتلاشي، لكن دعم السلطات مكّن جمهور الحرفيين من تنفس الصعداء، ما يسمح باستمرار هذه الصناعة التي ذاع صيتها داخل البلاد وخارجها، وجعلها نموذجا رائدا للارتقاء بمنظومة الصناعات التقليدية في البلاد، خصوصا مع ما تحظى به هذه الحرفة من اهتمام كبير، رغم نقص فضاءات التسويق بيد أنّه يمكن تجاوز ذلك من خلال تنظيم أكبر لصناعة الوبر والصوف والترويج لها.

على صعيد الأسعار، تصل أسعار منسوجات الوبر والوصف في الأسواق الأسبوعية، إلى سقف الـ80 ألف دينار (ما يعادل 1100 دولار) وذلك خاضع لمعيار الجودة والطلب، حيث يقدّر سعر القشابية بين ألف دينار وعشرة آلاف دينار، وذلك خاضع إلى التزيينات المختلفة التي يستهلك حياكتها أسبوعا كاملا، بينما تتباين أسعار البرانيس الوبرية بين 30 و80 ألف دينار (بين 400 إلى 1100 دولار)، في حين يتراوح سعر الجلابية بين 15 ألف و50 ألف دينار (ما يعادل 200 إلى 650 دولار).

وتعتزم السلطات منح هؤلاء الحرفيين إعفاءا ضريبيا لمدة عشرة سنوات كاملة، مع شراء منتجات الحرفيين بزيادة تتراوح بين 3 و5 بالمائة من السعر الأصلي لبيع هذه المنتجات، فضلا عن تغطيتها للتكاليف المرتبطة بنقل هذه المنتجات وذلك بعد تسويقها، كخطوة إضافية من أجل مساعدتهم الحرفيين على الحفاظ على نشاطهم الحرفي، فيما يلفت quot;نبيل أوكيلquot; منسق وكالة تسيير القرض المصغر إلى اتفاقية مرتقبة سوف تمكن حرفيي النشاطات التقليدية من الاستفادة من صيغ القرض المصغر لتمويل الأنشطة التي تتأكد جدواها الاقتصادية.

وتبدي الحكومة الجزائرية اهتماما متزايدا بقطاع الصناعات التقليدية، وهو ما يظهر من خلال مخصصات زادت عن خمس مليارات دينار (ما يعادل نحو 63 مليون دولار) منذ العام 2003، ويرتقب أن تستفيد هذه الصناعات من أغلفة مالية إضافية تبعا لمراهنة السلطات على الأدوار التي يمكن أن تلعبها الصناعات التقليدية ضمن النشاط الاقتصادي العام، بحكم قدرتها على امتصاص العاطلين عن العمل واكتساب يد عاملة معتبرة.