ينظر كثيرون داخل إيطاليا وخارجها إلى سيلفيو برلسكوني باعتباره المشكلة التي تعانيها البلاد، حتى مع تأكيدات سابقة لرئيس الوزراء الإيطالي بأنه سيتقدم باستقالته فور إقراره مجموعة إصلاحات اقتصادية، ورغم كل ما يقال في حق الأخير، إلا أن تقارير أميركية رأت أن رحيله لن يكون حلاً بالضرورة أيضاً.


تظاهرات احتجاجية في إيطاليا منددة بالأزمة الاقتصادية وبإجراءات التقشف

استبعدت مجلة quot;التايمquot; الأميركية أن يطمئن رحيل بيرلسكوني المستثمرين، مشيرةً إلى أنه لن يقنعهم بأن إيطاليا ستكون محفوفة بقدر أقل من المخاطر من دون رئيس الوزراء المثير للجدل.

ولفتت أيضاً إلى حالة الارتفاع التي شهدتها العائدات الخاصة بسندات الحكومة الإيطالية مرة أخرى يوم أمس الأربعاء، لتصل إلى 7 % (وهي النسبة الأعلى منذ أن تم تأسيس اليورو عام 1999)، حتى بعدما تلقى المستثمرون الأخبار التي تحدث فيها بيرلسكوني عن اعتزامه الرحيل.

خمسة أسباب تبين حجم المخاطر الاقتصادية التي تُشكِّلها إيطاليا
وأكدت المجلة أنه في حالة استمرار العائدات في الصعود، فإن ديون البلاد التي تقدر بـ 2.6 تريليون دولار قد تصبح ديونًا لا يمكن تحملها. وهو ما جعل المجلة تقول إن تنامي الضغوط المالية على إيطاليا وما تشهده روما من اضطرابات سياسية هي الأحداث الأكثر رعباً التي يمكن أن تتمخض عن أزمة الديون المتصاعدة في منطقة اليورو. ورأت أن ما يحدث في إيطاليا الآن يفوق في أهميته ما يحدث في أي مكان آخر بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وعللت ذلك بخمسة أسباب، هي كالآتي:

1- إيطاليا أكبر من أن تتعرّض لخطر الانهيار. وأوضحت المجلة هنا أن ما تعنيه هو أن إيطاليا كبيرة للغاية لدرجة يصعب إنقاذها. وحتى إن نجح الأوروبيون في توفير السيولة النقدية، فسيكون من المستحيل سياسياً ربما بالنسبة إليهم أن يستخدموها في خطة إنقاذ لإيطاليا.

ويمكن النظر في هذا الشأن إلى التشاحن والتردد الذي أخّر وأدى إلى اضطراب خطة الإنقاذ اليونانية الثانية. وهو ما يعني أن إيطاليا تتحمل مسؤولية نفسها ومسؤولة عن معالجة الفوضى التي تعيشها، في ظل تضاؤل الآمال الخاصة بتحصلها على نوعية المعونات التي أنقذت اليونان والبرتغال وأيرلندا.

2- لإصلاح تلك الفوضى، يتعيّن على إيطاليا استئصال بعض المشكلات الاقتصادية العميقة. ورغم اختلاف الأسباب التي قادت إيطاليا إلى السقوط في فخّ أزمة الديون الأوروبية دون غيرها من البلدان في القارة العجوز، فإن إيطاليا مطالبة الآن، لكي تهرب من تلك الأزمة، بأن تمزق بنية اقتصادها، عن طريق تحرير أسواق العمل، وزيادة المنافسة لحفز قدر أكبر من الإنتاجية وخلق فرص عمل.

ومع أن عملية كهذه ليست سهلة تحت أفضل الظروف، فإن المستثمرين سيضغطون على روما من أجل السير في دورة إصلاح مكثفة، واتخاذ تدابير كان ينبغي تقديمها على مدى سنوات عديدة.

3- يتعين علينا أن نشك في ما إن كان نظام ايطاليا السياسي قادرا على إحداث هذا الإصلاح المتسارع أم لا. وهنا، أكدت المجلة أن أنواع الإصلاح التي تحتاجها إيطاليا لن تحظى بأي شعبية لدى المتظاهرين. وتعني تلك الإصلاحات ضرائب مرتفعة، وقدرًا أقل من الخدمات الحكومية ومزيدًا من المنافسة، وإذا بدأنا فعلاً في إضرام النيران بالنظام الاقتصادي، فمن المحتمل أن يتزايد الجهد المطلوب لإنجاز تلك المهمة.

وفي وقت يؤيد فيه بيرلسكوني إجراء انتخابات جديدة، فإن ذلك إن حدث، فإن حالة الغموض الحاصلة في روما من الممكن أن تستمر أسابيع إن لم تكن أشهرًا.

4- إيطاليا قد تتسبب كذلك في اتساع نطاق العدوى. ففي وقت كانت تشير فيه الحسابات المالية إلى أن إيطاليا كانت أقل عرضة لخطر التعرض للإعسار عن اليونان أو أيرلندا أو البرتغال أو إسبانيا، أظهرت حقيقة انغماس إيطاليا في أزمتها الراهنة كيف أثّرت بشكل كبير أزمة ديون منطقة اليوروفي جوهر الوحدة النقدية. كما أشارت طبيعة المشكلات الإيطالية إلى أن نسختها من أزمة الديون قد تستمر لبعض الوقت.

وأكدت التايم الحاجة إلى بناء توافق سياسي جديد تماماً بشأن الإصلاح الاقتصادي، ولن تظهر تلك الإصلاحات بالضرورة النتائج الإيجابية مباشرةً.

5- إيطاليا قد تكون التهديد الأكبر على الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن. ويمكن إدراك ذلك الخطر من خلال النظر لنوعية الفوضى التي أحدثتها دولة اليونان الصغيرة بالنسبة إلى الأسواق العالمية. وأوضحت التايم في تلك الجزئية إلى أن ايطاليا غير المستقرة، التي تعتبر ثامن أكبر كيان اقتصادي في العالم، قد ترسل موجات صادمة إلى أنحاء العالم كافة، قد تنافس، أو حتى قد تتجاوز، تلك الموجات التي خرجت من وول ستريت عام 2008، وهو ما يدعو إلى الخوف مما يمكن أن يحدث مستقبلاً.

إيطاليا تقوم بإصدار سندات خزينة
وسرعت إيطاليا مساء الخميس مساعيها إلى تشكيل حكومة تحظى بمصداقية وتقوم بإصدار سندات خزينة في أول اختبار لثقة الأسواق بعد الإعلان عن استقالة قريبة لرئيس الحكومة سيلفيو برلوسكوني بعدما حثها صندوق النقد الدولي على quot;الوضوح السياسيquot;.

والخميس أعلنت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد خلال مؤتمر صحافي في الصين أن quot;الوضوح السياسيquot; ضروري في روما وأثينا، لأنه quot;سيرسخ الاستقرار، وهدفي هو استقرار أكبرquot;. من جهتها، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل quot;من المهم توضيح مسألة الحكومة (في إيطاليا) لتستعيد البلاد مصداقيتهاquot;، مشيرة إلى أن إيطاليا quot;على الطريق الصحيحquot;.

وتلقت روما بوضوح رسالة صندوق النقد الدولي والأسواق والاتحاد الأوروبي، حيث سرّع الرئيس الإيطالي جورجو نابوليتانو، الذي يحظى باحترام كبير في إيطاليا، العملية السياسية، وتجاوز كل القواعد المعمول بها حتى الآن.وقال نابوليتانو الخميس في روما quot;تواجه إيطاليا مرحلة صعبة وخيارات حساسة لتخطي الأزمة. إن أوروبا تنتظر إشارات مهمة تدل على تحمل إحدى الدول المؤسسة لها مسؤولياتها. وسنكون بمستوى هذه المسؤوليةquot;.

وبفضل تدخل رئيس الجمهورية، تبنى البرلمان الإيطالي في فترة زمنية قياسية إجراءات التقشف والإصلاحات البنوية التي وعدت بها إيطاليا الاتحاد الأوروبي، وسيتم تبنيها نهائيًا بعد ظهر السبت. وسيعلن مجلس الشيوخ موقفه من هذه الإجراءات اعتبارًا من الجمعة، على أن ترفع إلى مجلس النواب، حيث يتم المصادقة عليها نهائيًا بعد ظهر السبت أو الأحد على أبعد تقدير. وبعد هذا التصويت يقدم برلوسكوني استقالته.

وتتوقع الصحافة الإيطالية أن يعيّن نابوليتانو إثر ذلك المفوض الأوروبي السابق ماريو مونتي، بعد استشارة أخيرة مع أبرز المسؤولين السياسيين في البلاد. وقد يحل نابوليتانو البرلمان، ويدعو إلى انتخابات جديدة، لكن quot;ضغوط الأسواق تبعد عملية الاقتراعquot; بحسب صحيفة quot;ال كورييريه ديلا سيراquot;.

ويرمي تعيين المفوض الأوروبي السابق، وهو خبير في الاقتصاد في الـ68 من العمر، إلى إعادة مصداقية الحكومة الإيطالية، التي تضررت بشكل كبير. وعلى نابوليتانو التحقق من أنه سيحصل على غالبية كافية لإنجاز مهمته. وقدم برلوسكوني دعمه لمونتي متمنيًا له quot;عملاً مثمرًا يصبّ في مصلحة البلادquot;، لكن عليه أن يقنع حزبه بموقفه، إذ يطالب البعض بانتخابات مبكرة.

وأعلن حزب رابطة الشمال حليفه الرئيس أنه لن يدعم حكومة مونتي. وشخصية مونتي تروق الأسواق، وترجيح تعيينه لرئاسة الحكومة ساهم في تحسين بورصة ميلانو بـ2.26% عند قرابة الساعة 14:30 تغ من يوم الخميس. وتشجع المستثمرون لأن الخزانة نجحت في جمع خمسة مليارات يورو كما كانت تعتزم. وكانت البورصات الأوروبية، كما بورصة وول ستريت، أغلقت الأربعاء على تراجع، لأن إعلان برلوسكوني عن الاستقالة لم ينجح في تبديد مخاوف المستثمرين. والأنباء السيئة بالنسبة إلى اقتصاد إيطاليا لا تزال تتراكم.

وصباح الخميس، أعلن المعهد الوطني للإحصاء أن الإنتاج الصناعي تراجع 4.8% في أيلول/سبتمبر أكثر مما كان متوقعًا، وهي أرقام تغذي مخاوف انكماش الاقتصاد الإيطالي. والخميس كذلك بلغت معدلات الفائدة على سنة التي تدفعها الخزانة الإيطالية مستوى 6.087% القياسي خلال إصدار اختباري للسندات مقابل 3.57% في 11 تشرين الأول/أكتوبر، حتى وإن تحسنت معدلات الفائدة على 10 سنوات، وتراجعت دون 7%.

وحذر المفوض الأوروبي المكلف الشؤون الاقتصادية أولي رين الخميس من أن ارتفاع معدلات الفائدة quot;سيترتب عنه عواقب مهمة على شروط التمويل وعلى الاقتصاد الفعليquot;. وانتقال أزمة الديون إلى إيطاليا، ثالث اقتصاد في منطقة اليورو، التي تبلغ ديونها 1900 مليار يورو (120% من إجمالي الناتج الداخلي)، وإلى فرنسا سيلحق ضررًا كبيرًا بمنطقة اليورو برمتها.

وتراجع الإنتاج الصناعي أكثر مما كان متوقعًا في أيلول/سبتمبر، ما ينمّي مخاوف ركود الاقتصاد الإيطالي أو انكماشه. وهي مخاوف أكدتها بروكسل بإعلانها، بحسب توقعاتها الأخيرة، أن إيطاليا ستشهد ركودًا لإجمالي الناتج الداخلي في 2012 (+0.1%) ما سيزيد من صعوبة تصحيح المالية العامة.