تعصف الأزمة المالية الأوروبية بمعظم دول العالم، وتنسحب تداعياتها على الأسواق الخليجية مسببة ارتفاعاً في معدلات العزوف عن الاستثمار وفقدان مصادر التمويل المصرفية، بالإضافة إلى الربيع العربي الذي بدوره بدأ يؤثر سلبًا على اقتصاد منطقة الخليج.


المقرضون الأوروبيون يحجمون عن الإقراض في الوقت الحالي

لميس فرحات: يشكل تصاعد الديون في منطقة الخليج تحديًا متزايدًا لإعادة التمويل على مدى السنوات الثلاث المقبلة في الوقت الذي تبحث فيه الشركات عن سبل جديدة للتمويل لسداد الالتزامات المقبلة، وسط التقلبات في أسواق رأس المال العالمية.

وبدأت انعكاسات الأزمة المالية تعصف بمعظم دول العالم، وانسحبت تداعيات هذه الأزمة على الأسواق الخليجية، بحسب صحيفة الـ نيويورك تايمزquot;.

ونقلت الصحيفة عن فيليب دوبا بانتاناسي، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بنك ستاندارد تشارترد، قوله إن quot;الربيع العربي وأزمة الديون الأوروبية تؤثّران على المنطقة، وتسببان ارتفاعاً في معدلات العزوف عن الاستثمار، بسبب المخاطر وارتفاع أقساط مخاطر السوق، الأمر الذي لا يخلق بيئة مواتية للاستفادة من سوق الدينquot;.

لكن بانتاناسي أشار إلى أن هناك مصادر أخرى للتمويل، وقال إن quot;استغلال الدين في السوق ليس سوى تطور آني في المنطقة، حيث لا تزال أسواق رأس المال متخلفة نسبياًquot;.

تستحق قيمة السندات والصكوك الإسلامية من مصدري الخليج، والتي تبلغ نحو 25 مليار دولار، في العام 2012، مع ارتفاع مجموع الاستحقاق السنوي إلى حوالى 35 مليار دولار في العام 2014، وفقاً لتقرير صادر عن وكالة ستاندرد آند بورز.

معظم هذه القيمة تأتي من دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر. واعتمدت الدولتان على رأس المال الأجنبي بشكل كبير خلال سنوات الطفرة 2007-2006، وفقاً لخدمات المستثمرين في تصنيف وكالة موديز، وتستحق قيمة معظم الصكوك، التي كانت مدتها خمس سنوات، بعد سنة أو 18 شهراً.

مركز دبي المالي على رأس مصدري السندات

وتصدر الكثير من السندات من جانب الكيانات شبه الحكومية الرئيسة، مثل مركز دبي المالي العالمي للاستثمار في دبي، والمنطقة الحرة في جبل علي، التي تستحق قيمتها التي تبلغ نحو 2 مليار دولار و1.25 مليار دولار على التوالي، في العام المقبل.أمّا الدار العقاريّة في أبو ظبي، فلديها سندات بقيمة 1.25 مليار دولار تستحق في العام 2014، وصكوك بقيمة 1.2 مليار دولار تستحق في العام 2013.

استحقاقات سعودية مقبلة

في المملكة العربية السعودية، تواجه شركة دار الأركان للتطوير العقاري استحقاقات لثلاثة سندات منفصلة، على مدى السنوات القليلة المقبلة، بما في ذلك صكوك بقيمة 3750000000 ريال سعودي، أي حوالى مليار دولار أميركي، تستحق في تموز (يوليو) 2012، فيما تستحق في العام 2014 سندات بقيمة 750.000.000 ريال، تليها في العام 2015 استحقاقات بقيمة 1.75 مليار ريال.

وفي حين تعتبر هذه العلامات دليلاً على عافية أسواق رأس المال المتنامية، يقول محللون إن الربيع العربي وأزمة الديون الأوروبية تعني تشديد شروط جمع الأموال، من خلال أسواق رأس المال في المستقبل، ولا سيما بالنسبة إلى المشاريع الجديدة.

في هذا السياق، قال مهدي مطر كبير الخبراء الاقتصاديين لدى كاب إم للاستثمار في أبوظبي: quot;إذا افترضنا أن أسواق رأس المال تعود إلى طبيعتها في أنحاء العالم كافة، وأن التزامات الديون، التي تبلغ 25 مليار دولار أميركي للعام المقبل لا تشكلمشكلة كبيرة، يمكننا الافتراض بأن الحكومات الغنية بالنفط ستوفر الدعم المرجح، إذا كان ذلك ضرورياًquot;.

مخاطر أسواق المال العالمية تؤثر على منطقة الخليج

لكنه أضاف: quot;مع ذلك، وفي ظل الوضع الراهن، حيث تواجه أوروبا أزمة ديون، وتعاني السوق الأميركية توقفًا في النمو، من المتوقع أن تغلق أسواق رأس المال العالمية، وهذا بالطبع سيؤثر على المنطقة والجدارة الائتمانية للشركاتquot;.

وسط عائدات السندات المتقلبة والمشاعر السلبية عموماً في أسواق رأس المال منذ شهرحزيران(يونيو)، أشارت ستاندرد آند بورز (S amp; P) للخدمات المالية إلى أن أياً من الشركات التي تقوّم المؤسسة معدلاتها حاولت جمع الأموال في أسواق رأس المال في الأشهر الستة الماضية. وبدلاً من ذلك، تحولت الشركات المصدرة مع احتياجات إعادة التمويل إلى البنوك لتأمين الدعم المالي.

وأشارت الصحيفة إلى وجود مشاكل أخرى، وإن ليس بالحجم عينه، من قبل شركات البنية التحتية المصنفة في دول مجلس التعاون الخليجي، أو دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان الأخرى. فعلى الرغم من أن الاحتياجات التمويلية كبيرة، لا سيما في قطاعي الكهرباء والمياه للمرافق العامة مثل شركة الكهرباء السعودية، إلا أن الشركات المصدرة، التي تستطيع الانتظار امتنعت عن التمويل،على أمل أن تتحسن شروط التسعير، وفقاً لتقرير ستاندرد أند بورز.

على سبيل المثال، أعلنت شركة أبوظبي الوطنية للطاقة، عن برنامج لشراء صكوك بقيمة 1.1 مليار دولار أميركي في أوائل تشرين الأول (أكتوبر)، لكن ظروف السوق المتقلبة أدت إلى تعثر الصفقة.

وقال كريم ناصيف، المحلل الاقتصادي في ستاندرد أند بورز: quot;لاحظنا أن الكيانات التي يرجّح أن تواجه مخاطر في إعادة التمويل لم تقم بإصدار سنداتها في السوق، كما إن الكيانات التي تحتاج تمويلاً في الوقت الراهن لم ترفع أسعارهاquot;. وأضاف: quot;هذا الأمر يشير إلى أن ظروف السوق قد لا تكون مقنعة بما فيه الكفاية في الوقت الراهن، وأن السوق مهزومةquot;.

البنوك الأوروبية تنسحب من التمويل في الخليج

تغير المشهد أيضًا بالنسبة إلى الإقراض المصرفي، فالبنوك الأوروبية، التي كانت نشطة جداً في تمويل المشاريع في دول مجلس التعاون الخليجي، تركز الآن على الحد من تقديماتها للقروض، وتعمل على بناء رؤوس أموالها، ونتيجة لذلك، فإن هذه البنوك تنسحب من التمويل في منطقة الخليج، وفقاً لخالد هولدار من مؤسسة موديز للتصنيف الإئتماني.

وأضاف هولدار: quot;إن التقليص المستمر لرأس المال الأجنبي سوف يخلق عجزاً، يؤدي إلى اتجاه الشركات المحلية للبحث عن وسائل بديلة للتمويلquot;، مشيراً إلى أن الكثير من التمويل من البنوك الأوروبية كان بهدف تمويل المشاريع، مثل البنية التحتية والطاقة والمياه التطورات، لا سيما في المملكة العربية السعودية وقطر.

واعتبر هولدار أن البنوك الفرنسية هي الأقوى في هذا المجال، quot;لكنها تعاني مشاكل هي الأكبر في تاريخها، ونتيجة لذلك، فإنها تنسحب من تمويل المشاريع في منطقة الخليجquot;.

خلال هذا الشهر، تمكنت شركة برزان القطرية للغاز من تمويل مشروع بقيمة 10 مليار دولار أميركي من قبل 31 شركة مقرضة، لكن أكبر ثلاثة مصارف فرنسية (بي ان بي باريبا، وبنك سوسيتيه جنرال، وناتيكسيس) كانت غائبة عن عملية التمويل.

وأشار هولدار إلى أن هذه البنوك عادة ما تكون نشطة جدًا، وامتناعها عن التمويل يؤشر إلى أن المقرضين الأوروبيين يحجمون عن الإقراض. نتيجة لذلك، على الجهات المقترضة التحوّل إلى الشرق أو الحصول على تمويل من أسواق رأس المال الأخرى. فالبنوك الأوروبية غارقة في مشكلاتها الخاصّة حاليا.