الأزمة الأوروبية تزداد تفاقماً

بينما بدأ ينفد الوقت لإنقاذ العملة الأوروبية الموحدة quot;اليوروquot;، وتجنبًا لحدوث حالة من الهرج والمرج الاقتصادي في أنحاء العالم كافة، ينتظر أن تتضح الإجابة عن التساؤل المتعلق بهوية الجهة، التي يتوقع أن تتحرك أولاً في مساعي الإنقاذ هذه خلال الأيام القليلة المقبلة، في الوقت الذي يتحضر فيه القادة الأوروبيون لعقد قمة مهمّة.


القاهرة: يظهر أن هناك حالة من الجمود تلتزمها الأطراف الثلاثة، التي تشارك بدور أو بآخر في الأزمة الحاصلة على الصعيد الأوروبي الآن، وهي الأسواق والشعوب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. فكلهم يرفضون التزحزح من أماكنهم، وهو ما يصعّب من إمكانية تحديد الجهة التي قد تقدم تنازلات، وما إن كان تعنتهم سيسفر عن دمار أكيد متبادل، وذلك على حد قول صحيفة لوس أنغلوس تايمز الأميركية.

وقد وافق يوم أمس وزراء مالية دول منطقة اليورو، البالغ عددها 17 دولة، في اجتماع لهم في بروكسل، على الطريقة التي يمكن من خلالها زيادة زخم صندوق الإنقاذ الخاص بهم، وعلى إصدار ما يقرب من 11 مليار دولار في صورة قروض طوارئ لليونان، وذلك لتتمكن من تجنب شبح الإفلاس.

جاء هذا الاجتماع كمقدمة للقمة، التي سيعقدها القادة في الأسبوع المقبل، والتي يتوقع أن تضغط فيها فرنسا وألمانيا من أجل إعادة صياغة القواعد، بغية توحيد صفوف الدول الأعضاء في منطقة اليورو بصورة أكثر ترابطاً، وتركيز السيطرة على الشؤون المالية والميزانيات الوطنية، لضمان التزام أعضاء النادي بالقواعد في ما يتعلق بالديون والعجز.

ومع بدء نفاد الوقت وتدافع المستثمرين لإيجاد حلول، أوضحت الصحيفة أن القادة الأوروبيين ndash; وخاصة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ndash; يتعرّضون لضغط مكثف للقيام بما هو أكثر من السعي إلى تطبيق قواعد أمان أقوى حين تشتعل الأوضاع بالفعل.

في الوقت نفسه، بدأ المواطنون الغاضبون يخرجونإلى الشارع من أجل إعلام الساسة بنيتهم المتعلقة بالتصدي لتدابير التقشف الصارمة، التي طلبتها الأسواق والمسؤولون الماليون الدوليون. وذلك في الوقت الذي تسببت فيه أزمة ديون اليورو في الإطاحة بحكومات أو قادة ست من الدول الأوروبية خلال العام الماضي.

في غضون ذلك، أشعلت الأسواق الأمور بصورة دراماتيكية خلال الشهر الماضي، بعد إظهار رفضها لأحدث خطط المسؤولين المتعلقة بإدارة الأزمات، باندفاعها لتفريغ الديون السيادية، وجعلها باهظة التكاليف بالنسبة إلى الحكومات، حتى الموجودة في قلب القارة العجوز، بما يجعلها تعجز عن اقتراض الأموال.

وفي مزاد خاص بالسندات أقيم يوم أمس، اضطرت إيطاليا لدفع أسعار فائدة تقترب من 8 %، وهو تقريباً المستوى المرتفع نفسه،الذي أجبر اليونان وأيرلندا والبرتغال على طلب خطط إنقاذ. وارتفعت في الوقت عينه تكاليف الاقتراض بالنسبة إلى إسبانيا وبلجيكا وحتى فرنسا.

إلى جانب حالة عدم الرضا التي تعيشها، أظهرت الأسواق تقلباً في وضعيتها. ونقلت الصحيفة عن جوليان كالو، كبير الخبراء الاقتصاديين الأوروبيين لدى باركليز كابيتال، قوله quot;هناك جانب أو جانبان إيجابيان لا تنظر إليهما الأسواق في الوقت الراهنquot;.

وأضاف كالو أن رد فعل الأسواق يرجع جزئياً إلى تضاؤل ثقتها في قدرة أوروبا على اتخاذ قرارها بشكل موحد في الوقت المناسب، من أجل التوصل إلى حل بشأن أزمة ديون اليورو. وهو ما تتحكم فيه، كما يتفق الجميع، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

ولفتت الصحيفة إلى حالة الإحباط، التي هيمنت على الأسواق، نتيجة رفض ميركل النظر في تدابير، كانت ترى الأسواق أنها ستضع حداً للنزيف على الأقل، إن لم تكن ستشفي الجرح.

على صعيد متصل، كان من المقرر أن تدرج مسألة سندات اليورو على جدول المناقشة خلال اجتماع وزراء المالية يوم أمس في بروكسل، لكنه لم يتم الإعلان عن نتائج إيجابية في هذا الصدد.

وقال جان كلود يونكر، رئيس الوزراء وزير مالية لوكسمبورغ، إن منطقة اليورو ستنظر في إمكانية المساهمة بمزيد من الأموال لصندوق النقد الدولي، الذي قد يعاد تهيئته كمساعدة لدول منطقة اليورو المضطربة، مثل إسبانيا وإيطاليا، التي تواجه صعوبات في تجميع الأموال داخل الأسواق التجارية.

وهناك كذلك فكرة أخرى مشابهة لسندات اليورو تعنى بتخفيف أزمة الديون، وهي المتعلقة بإنشاء سندات يطلق عليها سندات quot;الصفوةquot;، تدعمها الدول الأكثر جدارة ائتمانية في منطقة اليورو، مثل ألمانيا والنمسا، للمساعدة في دعم الدول الضعيفة، رغم إرفاق شروط صارمة.

بيد أن ميركل سبق لها أن قالت مرات عدة خلال الأيام القليلة الماضية إن مثل هذه الأفكار ليست البداية. ونقلت أنغلوس تايمز هنا عن غيرد لانغوث، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بون ومؤلف سيرة ذاتية عن ميركل، باعتبارها أول زعيمة ألمانية، قوله: إن quot;ميركل قد تكون عنيدة إلى حد كبير. فهي تتخذ قراراتها دائماً خطوة واحدة في وقت واحد، ولا تراعي بالضرورة المشهد العامquot;.

في مقابل ذلك، أشارت الصحيفة إلى أن ميركل رفضت أن تصاب بالذعر نتيجة للتقلبات التي تعيشها الأسواق، وهو ما يعود ربما إلى أن ألمانيا تعيش أجواء اقتصادية أفضل، مقارنةً بجيرانها، ولأنها تعتقد أن تناول جرعة مُرَّة من دواء السوق قد يعود بالنفع على الدول الضالة.

أما الساسة فهم محاصرون من جانب الناخبين، وعَقَّدَت الشعوب الأوروبية من المحاولات التي سعت إلى الحدّ من الأزمة، في الوقت الذي تنحدر فيه منطقة اليورو إلى حافة الهاوية.

واللافت في الأمر أيضاً أن حالة السخط لم تعد قاصرة على دول اليورو فحسب، بل امتدت إلى خارجها أيضاً، وهو ما بدا واضحاً في بريطانيا، التي تحظى بعملتها الخاصة بها، في وقت تستعد فيه للتعامل مع إضراب، من المحتمل أن يقوم به حوالى 2 مليون عامل حكومي اليوم الأربعاء. وهناك إضراب آخر مقرر يوم غد في اليونان، وهو الإضراب رقم 20 في أقل من عامين.