القاهرة: يعمل مسؤولو الاتحاد الأوروبي بشكل محموم لضمان إنقاذ العملة الأوروبية الموحدة من أزمة الديون التي تهدد كيانها بالتزامن مع مرور 10 أعوام على تدشينها. لكن بعض الأوروبيين متأكدون من استحالة إعادة عقارب الساعة للوراء بشأن التكامل.

وجاء طرح اليورو قبل ما يقرب من 10 أعوام ليكون بمثابة الخطوة الرمزية الملموسة للمسيرة الطويلة نحو تحقيق المصالحة والوئام في قارة لازالت تسكنها الذكريات الخاصة بالحربين العالميتين. وقال حينها أنصار تلك العملة الجديدة أنها ستضمن حقبة جديدة من الوحدة الأوروبية التي تتباهى بالفعل بالأسواق الحرة وحرية التنقل.

وبالاتساق مع التداعيات الاقتصادية والمالية المتلاحقة التي تشهدها القارة العجوز الآن فيما يتعلق بمستقبل عملة اليورو، وتصاعد أزمة الديون في عدة بلدان أوروبية، بدأ يكرر كثيرون الآن ذلك التحذير القاسي الذي سبق وأن أطلقته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقالت فيه quot; إذا انهار اليورو، ستنهار القارة الأوروبية كلهاquot;.

وحول تلك المعضلة التي تؤرق الساسة والشعوب في أوروبا على نحو متزايد الآن، نقلت صحيفة لوس أنغلوس تايمز الأميركية عن كونستانز ستيلزينمولر، وهي محامية تقيم في برلين وتعمل أيضاً كمحللة لدى صندوق مارشال الألماني، قوله :quot; من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في الاتحاد الأوروبي. فنحن عبارة عن نسيج كبير من التكامل الذي لن ينهار، حتى في حالة تعرض اليورو للانهيارquot;.

ثم قالت الصحيفة إن الجميع يترقب الآن ما ستفضي إليه القمة المنعقدة اليوم في بروكسل، والتي يرى كثيرون أنها قد تكون محورية في تاريخ اليورو والاتحاد الأوروبي، على حد سواء. هذا ويسعى الآن قادة الدول الأعضاء في الاتحاد، وعددهم 27 دولة، بما في ذلك الـ 17 دولة التي تستخدم اليورو، للتوصل لاتفاق اقترحته فرنسا وألمانيا، يعني بضبط الإنفاق الحكومي والاقتراض لمنع حدوث أزمات مستقبلية.

هذا وقد وصف بعض المحليين وواحد من أبرز مسؤولي الاتحاد الأوروبي تلك القمة المنعقدة منذ أمس واليوم بـ quot;الفرصة الأخيرةquot;. حيث قالوا إنه دون التوصل لاتفاق بشأن التكامل المالي واتخاذ خطوات جادة من جانب البنك المركزي الأوروبي لدعم الدول المثقلة بالديون مثل اسبانيا وايطاليا، فإن اليورو قد يُسحَق تحت الأقدام.

لكن الصحيفة عاودت لتنوه إلى أن مثل هذه التكهنات ليست بالجديدة، حيث سبق وأن أثيرت تكهنات مشابهة لها قبل بضعة أسابيع. فيما يشير المسؤولون الألمان بالفعل إلى أن اتفاقاً يعني بإقامة اتحاد مالي قد يحتاج لبضعة أسابيع قليلة كي يتم إكماله.

غير أن الصحيفة نوهت إلى وجود نوع من أنواع الاعتراض على فكرة إعادة صياغة أوروبا من المنظور الألماني، من خلال التأكيد على الصرامة المالية. كما ترفض الدول الصغيرة في الاتحاد الأوروبي فكرة أن يتم التحكم فيها من محور باريس وبرلين. فضلاً عن أن الدول العشر التي لا تستخدم اليورو، وفي مقدمتها بريطانيا، تشعر بالقلق من أن التوصل لاتفاق يقتصر على الدول الـ 17 الأعضاء بمنطقة اليورو، سوف يخلق اتحاد أوروبي ثنائي المستوى، وهو ما سيعمل في نهاية المطاف على إبعادهم عن القرارات المستقبلية الهامة التي قد تتخذ بشأن السياسة الاقتصادية.

وقد سادت مؤخراً كذلك حالة من الشكوك حيال الأوضاع المالية غير المستقرة في أوروبا، بعد تصريح ماريو دراغي، الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي، بأنه لا يخطط لتكثيف عمليات شراء سندات الدول المتعثرة. وكانت الأسواق تتوقع أن يدفع دراغي بالمركزي الأوروبي للعب دور أكبر، بعد أن ألمح الأسبوع الماضي إلى أن استشعاره بأن هناك تأثير مالي من جانب الاتحاد الأوروبي سيدفعه للقيام بتلك الخطوة.

وتابعت لوس أنغلوس تايمز حديثها بنقلها عن غيلز ميريت، من مركز بحوث أصدقاء أوروبا الذي يوجد مقره في بروكسل، قوله :quot; أوروبا لن تنهار إذا انهار اليورو. لكنها ستواجه بالتأكيد حالة كبيرة من الفوضى بالإضافة لأزمة كبرى للغايةquot;.

وشددت الصحيفة في السياق ذاته كذلك على أنه ومن المنظور الاقتصادي، سيتسبب الزوال المفاجئ لليورو في العيث فساداً، ليس فقط في القارة الأوروبية، وإنما في مختلف أنحاء العالم، وهو ما قد يؤدي للانزلاق في موجة ركود عميق، وفقاً لمحللين.

فيما قال نيكولاس فيرون، الباحث لدى معهد بروغيل البحثي في بروكسل :quot; ليس هناك من طريقة تتيح انهيار اليورو بطريقة منظمة ومهذبة. فعلى المدى الزمني القصير للغاية، ستكون هناك آثار اقتصادية مدمرة وتداعيات مالية سيئة لكثير من الأوروبيينquot;. كما حذر فيرون من التقليل من شأن التأثيرات النفسية لوفاة أكثر تجارب الاتحاد الأوروبي طموحاً وبروزاً وتعقيداً. وأضاف :quot; سيكون هناك شعوراً بالفشل الجماعي في تحقيق الأهداف التي سبق لنا أن وضعناها وحددناها بأنفسناquot;.

لكن محللين آخرين رفضوا التضخيم من النتائج المتوقع حدوثها، حال انهيار اليورو، بقولهم إن بمقدور دول المنطقة استعادة عافيتها، والاستفادة من النجاح الذي حققته آسيا في التعافي من الأزمة المالية التي شهدتها خلال عقد التسعينات من القرن الماضي.