بدأت تُظهِر مشكلات الديون الأوروبية التي كدرت الأسواق المالية العالمية على مدار الثمانية عشر شهراً الماضية علامات دالة على التحول صوب تحدٍّ أكثر عمقاً، ألا وهو ذلك المتعلق بتعرض القارة الأوروبية لموجة ركود ثانية خلال ثلاثة أعوام.


تعيش الآن اليونان وايرلندا والبرتغال وإسبانيا حالة من الركود، أو تناضل من أجل تجنب هذا الركود، في الوقت الذي بدأ يتفشى فيه ارتفاع معدل البطالة وسياسة شد الأحزمة التقشفية.

لكن على مدار الأسابيع القليلة الماضية، بدأت ألمانيا وفرنسا، القوتان المزدهرتان في أوروبا، الانجرار إلى أسفل، بعدما تضررت من انحسار طلبات الأعمال من الدول المثقلة بالديون في بقية القارة العجوز.

هذا وقد أغلقت أسهم الولايات المتحدة أمس على ارتفاع، لكنها ارتدت بعنف بسبب مخاوف بشأن أوروبا وتنامي الخوف من احتمالية تعثر اليونان في سداد ديونها السيادية أو الحكومية. وقال وزير المالية اليوناني أمس إن البلاد قد تستمر في دفع فواتيرها على الأقل حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بعدما قال وزراء مالية أوروبيون آخرون إن اليونان لن تحصل على الدفعة المقبلة من أموال الإنقاذ قبل الشهر المقبل.

وتابعت الصحيفة بقولها إنه في حالة تعرض أوروبا لحالة من التباطؤ، فإن ذلك قد يساعد في انجراف أميركا إلى موجة من الركود، وهو ما سيكون له تبعاته بلا شك حول العالم. علماً أن بنوك أوروبا من بين أكثر بنوك العالم ترابطاً، واليورو هو ثاني أكبر عملة احتياط في العالم بعد الدولار. وأوردت الصحيفة عن جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، قوله: quot;نحن في بؤرة تلك الأزمة العالميةquot;.

هذا ويتنبأ عدد متزايد من المحللين الآن أن أوروبا متجهة صوب موجة ركود صريحة. وقال ورغ كرامر، كبير الاقتصاديين في البنك التجاري quot; أزمة الديون السيادية كالفطر الموجود في الاقتصاد. كنت أعتقد أنه سيكون مجرد تباطؤ. لكني غيرت رأييquot;.

وقد توقعت أيضاً مجموعة غولدمان ساكس أن تنزلق كل من ألمانيا وفرنسا إلى موجة ركود، رغم أن باقي التوقعات تبدو أقل قتامة. وفي وقت تباطأ فيه اقتصاد منطقة اليورو بالفعل إلى درجة إنه لم يعد يشهد أي نمو على الإطلاق، إلا أنه قد يبقى في حالة ركود، كما أوضح خبراء اقتصاديون، حتى الربيع المقبل على أقل تقدير.

وإن حدث ذلك، فمن المحتمل أن تنخفض الإيرادات الضريبية وترتفع معدلات البطالة، المرتفعة أصلاً، ما سيصعب بالتالي على أوروبا مواجهة أزمة الديون السيادية وحماية بنوكها المهتزة. وفي خطوة تبين مدى السرعة التي تسير من خلالها الأوضاع، قد يخفض المركزي الأوروبي أسعار الفائدة يوم غد الخميس ndash; بعد أشهر قليلة من إقدامه على رفعها، فيما يُنظَر إليه الآن على أنه جهد مضلل لكبح تضخم وشيك. ويأتي ذلك كله في وقت بدأت تظهر فيه تداعيات المحنة في أنحاء أوروبا كافة.

ونقلت الصحيفة في هذا الشأن عن رجل أعمال فرنسي يدعى فيليب ليديير، قوله: quot;أزمة اليورو والأزمة المالية المرتبطة بديون الدول الأوروبية أزمة خطرة. والحكومات الأوروبية مطالبة بإيجاد حل على وجه السرعةquot;.

إلى هنا، تطرقت الصحيفة كذلك إلى الوضعية التي تعانيها إيطاليا هي الأخرى، خاصة بعدما قامت وكالة مودي للتصنيف الائتماني يوم أمس بتخفيض سندات الحكومة الإيطالية من Aa2 إلى A2، وحافظت على توقعاتها السلبية بشأن التصنيف. ونقلت هنا عن باولو باستيانيلو، العضو المنتدب لإحدى شركات بيع الملابس الإيطالية بنظام التجزئة، قوله: quot;رغم تفاؤلي في بداية العام بشأن قدرة أوروبا على الإفلات من مشكلاتها، وإمكانية تعامل الحكومة بصورة جادة مع المشكلات التي تعانيها إيطاليا، إلا أن الفوضى التي تعمّ الأسواق وحالة الغموض التي تكتنف هذا القدر الكبير الشاذ من الدين العام لم يعملوا إلا على إخافة الناس ودفعهم بعيداً عن الشراءquot;.

لكن الصحيفة أوضحت أن مشاعر التشاؤم هذه لا تسيطر على الجميع، ونقلت عن رونالد بوسك، عضو في مجلس إدارة شركة سيمنز العملاقة في مجال الإلكترونيات والهندسة ومقرها ميونخ، قوله: quot;لم نر أي تأثير على نشاط الأعمال الخاص بناquot;.

وختمت الصحيفة بحديثها عن الأوضاع في اسبانيا والبرتغال، وقالت إن البطالة في اسبانيا ظلت عند نسبة 20 %، وإن الحالة الاقتصادية أسوأ في البرتغال، في الوقت الذي يتوقع أن تؤدي فيه مزيد من إجراءات التقشف إلى زيادة حدة التباطؤ، بينما يتوقع أن يتراجع فيه اقتصاد البلاد بنسبة 1.8 % هذا العام، وبنسبة 2.3 % في العام المقبل.