يرى إماراتيون أن quot;توطينquot; المواطنين في المؤسسات العامة والخاصة في دولة الإمارات هو quot;توطين صوريquot; وشكلي فقط، وأنه لن يتم حلّ تلك القضية من خلال الدراسات والخطط التي تقوم بإعدادها الهيئة الاتحادية للموارد البشرية وهيئات التوطين الأخرى في الدولة.


أصحاب العمل يفضلون العمالة الوافدة على المواطنين الإماراتيين نظرًا إلى قلة متطلباتهم ورواتبهم

أحمد قنديل من دبي:يؤكد إماراتيون أن قرارات تلك الهيئات المختصة بالتوطين غير فعالة وغير ملزمة لشركات القطاعين العام والخاص، وأنها quot;حبر على ورق... ليس إلاquot;.

وقالوا لـquot;إيلافquot; إنهم يطالبون بضرورة إصدار قرار أو قانون إلزامي، يكون خاصًا بحتمية التوطين في كل المؤسسات، وفق جدول زمني معين، وأن يتم فرضه على كل الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة في أنحاء الدولة كافة، بحيث تلتزم تلك المؤسسات بتعيين نسبة لا تقلّ عن 50% من إجمالي موظفيها من المواطنين وقت صدور القانون أو القرار المطلوب، ثم تزداد تلك النسبة بمعدل ثابت سنويًا، حتى يتم الوصول إلى معدلات توطين مرضية في القطاعين الحكومي والخاص، وحتى يتم القضاء بشكل كامل على عدد المواطنين العاطلين عن العمل في الدولة، والبالغ عددهم 15 ألف مواطن، وتجنّب تحوّل البطالة إلى quot;ظاهرةquot; في الإمارات.

كما طالبوا بتشكيل لجنة رقابية مختصة تعنى بالرقابة على متابعة تنفيذ كل المؤسسات الحكومية والخاصة على مستوى الدولة لهذا القرار على أرض الواقع، ومنع تلاعب الشركات في هذا الشأن، وعرقلة جهود التوطين التي تقوم بها الدولة، وأن يتم وضع لائحة عواقب وعقوبات صارمة جدًا لمن يخالف ذلك من تلك المؤسسات.

ولفتوا إلى أن معظم المؤسسات الخاصة الموجودة في الدولة تتحايل على تعيين المواطنين عبر طرق عدة سعيًا إلى quot;تطفيشهمquot; من أعمالهم.

في المقابل قال مديرو شركات خاصة وحكومية إن مشكلة التوطين في الدولة لا تعود أسبابها إلى الشركات التى تحجم عن توظيف المواطنين، عازين المشكلة إلى المواطنين أنفسهم، الذين لا يؤدّون أعمالهم بشكل جيد، ولا يهتمون بها، ولا يتحملون أي مسؤولية، إنما فقط هم منشغلون ببلاك بيري والآي باد واليوتيوب.

quot;تطفيشquot; المواطنين من القطاع الخاص
في التفاصيل، ذكر حميد راشد (مهندس نظم معلومات) أن شركات القطاع العام والخاص في الدولة لا تريد تعيين مواطنين، ولا تسعى إلى ذلك مطلقًًا، مضيفًا أن تلك الشركات لا تثق في الموظف المواطن، رغم أن الشباب المواطنين لا يقلّون خبرة وكفاءة عن العناصر الوافدة التي تأتي للعمل في الدولة، وتشغل مناصب إدارية عليا في مختلف المؤسسات.

ولفت راشد إلى أن الشركات الخاصة تحديدًا في الدولة لا تقوم إلا بتعيين عدد قليل جدًا من المواطنين، ثم تتبع معهم سياسة quot;التطفيشquot;، أي تقوم بـquot;تطفيشهمquot; بعد تعيينهم بفترة وجيزة، من خلال زيادة ضغط العمل عليهم، أو زيادة ساعات الدوام، أو عبر منحهم مرتبات قليلة لا تتناسب مع ظروف الحياة وتكاليفها أو طبيعة الوظيفة التي يشغلونها وضغوطاتها، الأمر الذي يدفع بهؤلاء المواطنين إلى البحث عن وظائف أخرى ذات مرتبات عالية، وبالتالي تكون سياسة التوطين قد فشلت بشكل كبير في القطاع الخاص في الدولة.

وأشار حمدان خليفة (محاسب) إلى أن الأمر المثير للدهشة هو أن هناك عددًا كبيرًا من الشركات الخاصة المملوكة لمواطنين وبعض المؤسسات الحكومية المملوكة للدولة أو للحكومات المحلية يسيطر على مجالس إدارتها وقطاعاتها وأقسامها الوافدون، خصوصًا من الجنسية الآسيوية، في المؤسسات الخاصة والمصارف والبنوك الحكومية، ومن الجنسية العربية في المؤسسات الحكومية، ومن ثم يقوم الوافدون هؤلاء، الذين يتمتعون بصلاحيات إدارية وتنفيذية في تلك المؤسسات، بعرقلة تعيين الكوادر الإماراتية المواطنة في تلك المؤسسات والشركات الخاصة والحكومية، وذلك بحجة عدم توافر عناصر الكفاءة والخبرة والمؤهلات التعليمية المطلوبة في المواطنين، وبالتالي يتم اللجوء إلى تعيين وافدين، بحجة إنهم أكثر كفاءة وخبرة من المواطنين وأنهم يحصلون على رواتب أقل بكثير من المواطنين.

وقال محمد الزعابي (موظف علاقات عامة) إن التوطين في دولة الإمارات يحتاج تشديد اللوائح والقوانين المرتبطة بتعيين المواطنين والوافدين في المؤسسات الحكومية والخاصة، خصوصًا في المجال المصرفي والبنكي والتجاري، الذي تسيطر عليه العمالة الوافدة، خاصة الآسيوية من جنوب شرق آسيا، سيطرة شبه تامة.

موضحًا أن معظم أعضاء مجالس الإدارة ومديري الإدارات المختلفة ورؤساء الأقسام في تلك المؤسسات هم وافدون، يقومون بجلب أقربائهم وذويهم للعمل بعد ذلك في كل الوظائف المتاحة في إدارات وفروع تلك الشركات، وبالتالي فإن من مصلحة هؤلاء أن يتم استبعاد تعيين المواطنين في تلك الوظائف، حتى وإن كانوا من ذوي الكفاءات العالية، وذلك لكي يتسنى لهؤلاء المدراء تسيير تلك المؤسسات وفق استراتيجيتهم ورغباتهم الخاصة بعيدًا عن مزاحمة المواطنين لهم.

وأضاف الزعابي أن المؤسسات الخاصة لا تلتزم بأي نسب توطين تُفرض عليها من قبل الحكومة، وتتبع أسلوبًا سيئًا مع المواطنين في العمل، سواء من خلال جعلهم يشعرون بأنهم دون المستوى المهني المطلوب أو من خلال تهميشهم أمور العمل، مما يضطر المواطنين إلى الاستقالة والبحث عن عمل آخر.

وأشار فيصل المنصوري (موظف إداري) إلى أنه عانى مرارًا وتكرارًاجراء العمل في الشركات الخاصة، موضحًا أنه كان يعمل في مجموعةشركات تجارية كبرى في دبي، مملوكة لأحد رجال الأعمال المواطنين، ولكن كانت هذه المجموعة من quot;مديرها التنفيذي حتى أصغر مدير فيها من ذوي الجنسية الآسيوية، وكان عدد المواطنين في هذه المجموعة لا يتجاوز 10 أشخاصquot;.

لافتًا إلى أن المدير التنفيذي لهذه المجموعة كان يتعمّد تهميش الموظفين المواطنين وعدم منحهم أي صلاحيات إدارية أو تنفيذية، وكان يسعى دائمًا، في حالة وجود أي شاغر في منصب إداري أو تنفيذي في أي إدارة، كان يسعىإلى أن يبعد المواطنين عن ذلك المنصب، بحجة إنه منصب يحتاج أشخاصًا من ذوي الخبرة والكفاءة العالية التي لا تتوافر لديهم، حسب اعتقاده.

وأضاف المنصوري أن الأمر الغريب هو أن ذلك المدير التنفيذي كان يقوم باستقدام موظفين من بلاده، ليس لديهم أي خبرة أو معرفة أو حتى دراية بمجال إدارة الأعمال أو التجارة بشكل عام، ويمنحهم تلك المناصب الشاغرة بمرتبات مرتفعة جدًا تفوق مرتباتهم هم كمواطنين بكثير. مبينًا أن الشركات الخاصة تضرب بعرض الحائط كل اللوائح والقرارات التي تقرّها الحكومة لتفعيل quot;التوطينquot; في المؤسسات المختلفة.

من جهتها أوضحت مريم سلطان (متخرجة علاقات عامة) أن هناك عددًا كبيرًا من المواطنين، الذين لا يزالون يبحثون عن عمل مناسب لهم، وذلك بسبب عدم وجود رغبة حقيقية لدى المؤسسات الحكومية والخاصة في تعيينهم، مشيرة إلى أن 95% من معارض التوظيف، التي تنظمها الشركات المختلفة في الدولة، تكون غير جدّية وغير ذات قيمة حقيقية، لأن تلك المعارض لا تعقد لتوظيف المواطنين، ولا يكون هدفها تفعيل قرارات التوطين أو زيادة نسبته في الدولة quot;بحسب مريمquot;، إنما تعقد فقط من أجل عمل دعاية إعلانية مجانية لتلك الشركات المنظمة لها.

لامبالاة.. غياب الكفاءة.. بلاك بيري وآي باد
على الجانب الآخر، أوضح سالم الكعبي (مدير فيإحدى المؤسسات الحكومية) أن المواطنين يتعاملون بلا مبالاة في العمل، ولا يؤدّون أعمالهم بالدقة والكفاءة المطلوبة منهم، مثلما يقوم به الموظف الوافد، فالمواطن يظل مشغولاً طيلة ساعات عمله الرسمية بـquot;بلاك بيري وآي باد واليوتيوبquot;، ولا يعير أي اهتمام إلى عمله.

علاوة على ذلك، يترك بقية زملائه من الوافدين يقومون بأداء أعماله ومهامه، التي من المفترض أن ينوط بها هو. مضيفًا أن المواطن يعتمد على فكرة أن الشركات الحكومية لا تستطيع إنهاء خدماته لأنه مواطن إماراتي، ولذلك فهو لا يبالي بالعمل، ولا يهتم بأداء عمله بجد ونشاط.

في المقابل تضطر المؤسسة إلى تعيين وافدين من ذوي الكفاءة العالية عوضًا من المواطن، وذلك من أجل تحقيق أهداف المؤسسة، والوصول إلى أقصى معدلات الإنتاج المطلوبة منها.

وقال حسن عبدالله (مدير إحدى الشركات التجارية في دبي) إن المواطن لا يرغب في العمل في القطاع الخاص، إنما يذهب إليه مضطرًا بعد أن يخفق في الحصول على وظيفة حكومية بمرتب مرتفع، سواء في الهيئات المحلية أو الاتحادية في الدولة، أي إنه يأتي للعمل في القطاع الخاص مضطرًا، وبالتالي يكون أداؤه في العمل سلبيًا، ولا يكترث بإنجاز أعماله بجد ونشاط مثل بقية زملائه من الوافدين.

وأضاف عبدالله أن مشكلة نقص وتراجع نسب التوطين تكمن في الموظف المواطن نفسه، الذي لا يرغب في بذل الجهد، والذي لا يرغب في العناء في العمل، مشيرًا إلى أن بعض الموظفين المواطنين يتأخرون عن عملهم باستمرار، ويريدون مغادرة العمل قبل موعد انتهاء الدوام الرسمي، وفي المقابل يطالبون بالترقية وبزيادة رواتبهم إلى حد لا يتناسب مع ما يقومون به من أعمال.

ويتساءل: quot;لماذا أقوم بتعيين مثل هذا الموظف، الذي لا يجلب للمؤسسة أي نفع.. بل على العكس سيؤدي إلى تراجع إنتاجيتها؟!،.. لا بدّ أن أحصل دائمًا على الموظف صاحب أعلى طاقة إنتاجية بصرف النظر عن كونه مواطنًا أو وافدًاquot;.

وأوضح أحمد يوسف (صاحب شركه خاصة) أنه يقوم بالفعل بتعيين وافدين في شركته، ولا يقبل بتعيين مواطنين لأسباب عدة، منها أن الوافد لا يحصل على راتب كبير مثل المواطن، وأن الوافد يتفانى في العمل بشكل كبير، ويبذل قصارى جهده في العمل خوفًًا من إنهاء خدماته من العمل (تفنيشه) على عكس المواطن، الذي لا يخشى من إنهاء خدماته، مشيرًا إلى أن المواطن يشعر بأنه لو فقد وظيفته يمكنه البحث عن عمل في أي مكان آخر لكونه مواطنًا، ولذلك فإن إنتاجيته في العمل تكون ضعيفة في أي مؤسسة يعمل فيها.

وأفاد يوسف أن الدولة والمؤسسات الخاصة والحكومية الموجودة فيهاليسوا هم العائق أمام التوطين، إنما الموظف المهمل quot;المستهترquot; هو العائق الرئيس في تلك القضية.

وذكر جاسم العامري (مدير في إحدى الشركات الحكومية) أن انخفاض نسب التوطين في المؤسسات الحكومية والخاصة يرجع إلى المستوى التعليمي المتدني لبعض المواطنين، وكذلك إلى التخصص العلمي المطلوب في بعض الوظائف.

موضحًا أن هناك نقصًا كبيرًا في أعداد المواطنين في التخصصات الفنية والعلمية التي تتطلبها معظم الشركات الحكومية والخاصة، في المقابل هناك زيادة كبيرة في التخصصات النظرية التي يحملها المواطنون، ولا تحتاجها المؤسسات.

من هنا يكون ذلك هو السبب الرئيس في اعتماد الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة على استقطاب الوافدين الفنيين والمتخصصين في التخصصات المطلوبة، ومن ثم يتم تقليص الاعتماد على المواطنين، وبالتالي تسير عملية التوطين ببطء شديد.