تباين في الآراء حول الإقتصاد المصري بعد عام من الثورة

بعد مرور عام الثورة 2011 تباينت آراء الخبراء والمسؤولين ورجل الشارع في مصر حول الأحوال الاقتصادية في البلاد، وتصارعت نبرتان أولاهما تؤكد مرور عام إقتصادي مرير على مستوى الأرقام والدلالات، والأخرى ترى أن العام 2011 كان عام السعد وبداية الإنفراجة الاقتصادية في البلاد.


القاهرة: إستطلعت quot;إيلافquot; آراء عدد كبيرمنخبراء الاقتصاد بمختلف ميولهم، الرأسمالية والاشتراكية والإسلامية، وكذلك استطلعت عددًا من المسؤولين السابقين والحاليين ورجل الشارع العادي، وأظهر هذا الاستطلاع وجودنظرتين مختلفتين تمامًا تجاه الوضع الاقتصادي المصري، الأولى تحمل نبرة التفاؤل، وتؤكد أن الإصلاح بدأ توًا بعد سقوط نظام فاسد سياسيًا واقتصاديًا، والثانية تبكي أطلال الخراب، الذي حل نتيجة للاعتصامات والإضرابات العمّالية وتوقف عجلة الإنتاج، وتراجع أعداد السيّاح ومجافاة الاستثمار الأجنبي لمصر.

الاقتصاد المصري في 2011شهد تراجعًا في الدخل، بعد تأثر قطاعات السياحة والبناء والتشييد والاستثمارات الأجنبية والمحلية، كنتيجة مباشرة للإضطراب السياسي والأمني، في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير.

فبالنسبة إلى السياحة التي تعدّ واحدة من أهم مصادر الدخل القومي في عهد مبارك، تقول الأرقام، إن تدفق السائحين على مصر انخفض بصورة كبيرة، نتيجة لتدهور الوضع الأمني، حيث تشير إلى أن أعداد السائحين في العام السابق 2010 كان 13 مليون سائح، وتقلصت إلى مليون ونصف مليون في 2011 ، على أقصى تقدير.

أما عن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر إلىما يقرب من النصف مقارنة بالعام الماضي، فهو يرجع إلى الأسباب نفسهاالمبني عليها تدهور السياحة، وهي عدم الاستقرار السياسي والأمني.

رغم تضارب الأرقام، التي حصلت عليها إيلاف، وهي سمة لا تزال متأصلة، إلا أن الحديث عن الوضع الاقتصادي في مصر يأخذ منحنيات وأبعادًا متناقضة، فهناك فصيل من الخبراء يرى بضرورة وضع خطط زمنية قريبة الأجل لعلاج الوضع الاقتصادي على أساس الإحصاءات الموجودة، وفصيل آخر يرى أن الأرقام المعلنة غير حقيقية، ويجب عدمالتعامل والتعاطي على أساسها، ومن ثم يجب إعادة هيكلة الاقتصاد جذريًا.

وأصحاب الرأيين يتفقان على ضرورة البدء في تنفيذ مشروعات تنموية، مثل مشروع سيناء، أو المشروعات التي أجريت دراسات عنها، مثل ممر التنمية في الصحراء الغربية. واتجهتغالبيةالآراء إلى ضرورة اللجوء إلى التوسع في الرقعة الزراعية وإنشاء مدن وقرى جديدة بالقرب من الموارد المائية الموجودة في مصر، وتشجيع الصناعات في تلك المناطق، خاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة،وتشجيع رجال الأعمال على تبني هذه المشروعات.

كما تطرق العديد من الآراء إلى ضرورة القضاء على جذور الفساد، الذي استشرى منذ سنوات عديدة في الهيكل الإداري والتنفيذي لكل المصالح الحكومية، وطال الأعمال العامة والخاصة، وتورّط فيه أكثر من 80% من رجال الأعمال.

يقول أستاذ الاقتصاد الدكتور عبد الرحيم مندور إن منظومة الفساد في مصر اشترك فيها رجال الأعمال، بحكم ضلوعكل الجهات التي يتعاملون معها، بداية من أكبر جهة في الحكومة إلى أصغر عامل، وقداتخذ فساد رجال الأعمال أشكالاً عدة، منها ما كانت الحكومة شريكًا أصيلاً فيه، كتسهيل الإحتكار وتخصيص الأراضي والإعفاءات غير القانونية من الضرائب والجمارك، ومنها ما قام به رجال الأعمال خلسة،ومنهاما تمثل في مصّ دماء الشعب وتدمير صحتهم،بل وإبادتهم في بعض الأحيان.

الأدهى والأمرّ في فساد مصر هو غياب الجهات الرقابية وتهميش دورها، وتسليم السلطات إلى جهات، يتم إختيار كبار موظفيها بعناية بالغة، مثل الرقابة الإدارية والأموال العامة وهيئات الرقابة على التأمين والبنوك،وهو ما أصرّ عليه الخبير الإقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم - رئيس أكاديمية السادات للعلوم الاقتصادية السابق- والذي نادى مرارًا وتكرارًا بضرورة تفعيل دور الجهات الرقابية للحدّ من الفساد في ظل العصر السابق.

بالنسبة إلى رجال الدولة، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسني مبارك، فكانوا يتفننون في الفساد ونهب الأموال، حتى إن هناك تعبيرًا اشترك في إطلاقه العشرات من رجال الاقتصاد في مصر، وهو أن الحكومة المصرية كانت متميزة في منهجة الفساد وإدارته.

على الجانب المضيء، يرى محللون اقتصاديون سطوع شمس نهضة اقتصادية، بدأت في العام 2011، وستستمر في الأعوام المقبلة، بعودة الأمن والاستقرار إلى الشارع المصري والمدن السياحية والمحافظات، بعدها سيعود السائح الأجنبي إلى مصر مرة أخرى، وتعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، وتهيئة المناخ لعودةالاستثمارات الدولية والعالمية والشروع في مشروعات تنموية.

أصحاب النظرة المضيئة يتحدثون عن توفير المليارات للميزانية العامة للدولة من خلال نماذج القضاء على الفساد، مثل إعادة هيكلة الضرائب والتعاملات مع رجال الأعمال بالنسبة إلى تخصيص الأراضي والتراخيص وتوفيق الأوضاع السابقة على الثورة، والنظر بعين الإصلاح لمنظومة الدعم.

وضرب الدكتور على لطفي الخبير الاقتصادي ورئيس وزراء مصر السابق مثلاً بأنابيب الغاز، وقال إن إستيراد الغاز السائل وتصدير الغاز الطبيعي يكلّف مصر خسائر مليارية، لو أن الغاز المصري وصل إلى المصريين، وصدرنانصف ما نصدر بالسعر العالمي، لكان ذلك سببًا كافيًا لسد عجز الموازنة.

هكذا، تباينت آراء الخبراء والمسؤولين حول الوضع الاقتصادي في 2011، وجاءت النظرة الإجمالية تحمل المزيد من التفاؤل حياله، رغم الوضع الرقمي المتردي في البلاد، ولجوء الحكومة إلى الإقتراض الخارجي، بعدما أعلن أنه من ضمن خياراتها الأخيرة.