بروكسل:يأمل الأوروبيون أن يبدأوا اليوم طيّ صفحة أزمة الديون، على رغم الصعوبات المستمرة بالنسبة إلى اليونان، عبر تبنّي معاهدة انضباط مالي مشدّد والسعي وراء أسس لتحريك النمو الاقتصادي الراكد. ويجتمع رؤساء دول وحكومات الدول الـ 27 في الاتحاد الأوروبي اليوم في بروكسيل، وعلى جدول أعمالهم وضع اللمسات الأخيرة على معاهدة مالية تنشدها بأي ثمن ألمانيا، التي تجعل منها شرطاً لتضامنها مع الدول المتعثّرة.
والمصادقة على هذه المعاهدة المالية الجديدة التي تفاوضت في شأنها 26 دولة في الاتحاد الأوروبي، مع رفض بريطانيا الانضمام إليها، ستكون ضرورية مستقبلاً كي تتمكن أي دولة أوروبية من الاستفادة من مساعدات مالية من شركائها. وستفرض المعاهدة على الدول الأعضاء كلها تطبيق قواعد ذهبية في شأن العودة إلى توازن الموازنات العامة، وإدراج عقوبات شبه تلقائية ضد الحسابات العامة التي تتجاوز خطوط التوازن. ومع ذلك، ولا تزال هناك بعض النقاط الخلافية التي تحتاج إلى تسوية. وإحدى هذه النقاط الحساسة جداً سياسياً، تتناول حجم قمم منطقة اليورو المستقبلية، إذ أن بولندا تشدد على أن تتلقى الدعوة إليها، ولو أنها ليست عضواً في الاتحاد النقدي، وشددت من موقفها حيال فرنسا التي ترفض أن تكون هذه الدعوة منهجية. وترتبط النقطة الثانية بالنظام الجديد للعقوبات شبه التلقائية، المخصصة لمعاقبة تجاوز عتبات العجز أو الديون الشاملة.
وتأمل دول كثيرة أن تؤدي هذه المعاهدة إلى طمأنة البنك المركزي الأوروبي وتشجّعه على تكثيف عمله في مواجهة أزمة الديون. وقد تقبل ألمانيا في وقت لاحق بزيادة موارد صندوق الإنقاذ الدائم لمنطقة اليورو، الذي سيوضع على السكة أثناء القمة، بما بين 500 إلى 750 بليون يورو، في حين ترفض هذا الأمر حالياً، على رغم الدعوات التي أطلقها صندوق النقد الدولي وفرنسا. واختصر ديبلوماسي أوروبي كبير هذا الوضع بالقول إن المعاهدة يمكن أن laquo;تؤدي إلى بعض الحيويةraquo;، إلا أن الهدف الرئيسي للقمّة موجود عملياً في مكان آخر. فالقادة يريدون الانكباب على بحث النمو والعمل، وهما موضوعان حجبتهما طويلاً أزمة الديون وخطط التقشّف التي تلقي بأعبائها على السكان. ويتوقع تنظيم تظاهرة عامة في بلجيكا اليوم.
وفي ذهن القادة الأوروبيين توجيه رسالة تفاؤل إلى الرأي العام في دولهم. والفكرة تكمن في طيّ الصفحة بعد عامين من الأزمة عبر محاولة طرح مسائل ذات أبعاد اجتماعية، مثل البطالة في صفوف الشبيبة. وقال ديبلوماسي إن ذلك laquo;مجرد دعاية سياسيةraquo;. وكان رئيس وزراء لوكسمبورغ جان - كلود يونكر حذّر من أنه laquo;لن يكون هناك لا رقم ولا قرار مهمraquo;. ويفكر الأوروبيون في إعادة توجيه موازنات بعض الصناديق الأوروبية لمواجهة البطالة في صفوف الشباب ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي صورة أساسية، تبدو المهمة شاقة لأن الدول الأوروبية لا تفضل الوصفات نفسها لتشجيع النمو، بينها بريطانيا التي لا تتعهد إلا بالتحرير والسوق الأوروبية الموحدّة، وألمانيا التي تتكلم عن الانضباط المالي والإصلاحات، وفرنسا التي ترغب في الانكباب على دراسة تقارب السياسات الضريبية لتفادي الإغراق.
وعلى رغم أن رؤساء الدول يريدون تناول المواضيع على المديين الطويل والمتوسط، فإنه لا يزال يتعين عليهم الاهتمام بالوضع الطارئ في اليونان التي يتعلق مصيرها بالمفاوضات مع الجهات الدائنة في القطاع الخاص، لإلغاء نحو 100 بليون يورو من الديون. ويتوقف إطلاق خطة الإنقاذ الثانية لليونان البالغة قيمتها 130 بليون يورو على هذا الاتفاق الذي يجري بحثه منذ ثلاثة أسابيع، وقد يكون ممكناً زيادتها إلى 145 بليوناً، بسبب تدهور اقتصاد البلاد، بحسب مصادر أوروبية. والاتفاق الذي تتفاوض في شأنه اليونان مع المصارف لن يسمح بصورة مضمونة بإعادة مديونية البلد إلى 120 في المئة من الناتج الداخلي من الآن لغاية نهاية عام 2020. وهذا الهدف متعذّر بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي، أحد أبرز الجهات الدائنة لليونان. وفي هذه الظروف، اعتبر يونكر أن الدول المانحة لليونان، أي دول منطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي laquo;ستتخلى عن جزء من الديون اليونانيةraquo;، مثل المصارف الخاصة. وتطلب دول كثيرة في منطقة اليورو، بينها ألمانيا، فرض وصاية مشددة على البلد، مع إخضاع قراراته المالية لمراقبة أوروبية. وهذا ما ترفضه أثينا.
التعليقات