أثار سحب الحكومة المغربية مشروع قانون المالية من مجلس النواب الكثير من التساؤلات، التي تركزت حول الدوافع والأسباب، في وقت يرى مراقبون أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى محاولة ملائمة القانون مع ما يطرح من مطالب اجتماعية واقتصادية.
رئيس الحكومة المغربيةعبد الإله بنكيران |
الرباط: جذب سحب حكومة عبد الإله بنكيران في المغرب، أخيرًا، مشروع قانون المالية من مجلس النواب، انتباه الفاعلين السياسيين والمراقبين، الذين ذهب بعضهم إلى حد ربط هذه الخطوة بوجود quot;ارتباك داخل الفريق الحكوميquot;.
وهذه هي المرة الثانية، التي يسحب فيها هذا المشروع، إذ سبق لوزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، أن وضعه أمام البرلمان، قبل أن يسحبه رئيس الحكومة السابق، عباس الفاسي.
وقال عبد الرحيم منار أسليمي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، إن quot;القانون السنوي للمالية يوجد فيه مشكل دستوري، لأنه من الصعب في المغرب حاليًا أن تتم مناقشة هذا القانون، من دون إعداد القانون التنظيمي للماليةquot;.
وأضاف عبد الرحيم منار أسليمي، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;القانون التنظيمي الحالي، أي القديم، هو في وضعية عدم المطابقة مع الوثيقة الدستورية الجديدة، وبالتالي في حالة ما إذا بدأ مجلس النواب في مناقشة القانون السنوي للمالية، فإنه سيصطدم بمسألة عدم المطابقة ما بين القانون التنظيمي، الذي هو المؤطر للقانون السنوي للمالية، مع الوثيقة الدستوريةquot;.
أما الملاحظة الثانية، التي سجلها المحلل السياسي، فتتجلى في أن quot;الحكومة الحالية وجدت مشكلاً في ملائمة القانون المالي، الذي أعدّته الحكومة السابقة، خاصة في ظل الحراك الموجود حاليًا في الشارع، وارتفاع سقف المطالب، وانهيار بعض الاقتصاديات في أوروباquot;.
وذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط أن quot;القانون المالي السنوي تم إعداده من طرف الحكومة السابقة، ووضع أمام البرلمان، ثم سحب في آخر لحظةquot;، مبرزًا أن هذا يظهر أن quot;الحكومة الحالية تجد صعوبة في إعادة ملائمة هذا القانون السابق مع التحولات التي وقعت، والمتمثلة في تعدد المطالب الاجتماعية ذات الطابع الاحتجاجي. وأتحدث هنا عن مطالب العمل بالخصوص. أما المسألة الثانية فترتبط بعلاقة المقتضيات الواردة في قانون المالية، بما يجري من تحولات في الاقتصاد العالمي. وأتحدث هنا عن مشكل الطاقة، كمشكل عالمي، ثم مسألة تحويلات المغاربة في الخارج، التي يبدو أنها تعيش مرحلة صعبة نتيجة انهيار مجموعة من الاقتصاديات الأوروبيةquot;.
الحكومة في ورطة
في ما يخص الملاحظة الثالثة، يشرح عبد الرحيم منار أسليمي، فتتمثل في كون أن quot;سحب مشروع القانون مجددًا من البرلمان يظهر بأن الحكومة الحالية في ورطة، لأن الشارع يراقب ما سوف يأتي به القانون السنوي للمالية، وبالتالي فإن العديد من المطالب الاحتجاجية يرتبط، اشتعالها أو ضعفها، بما سيأتي به قانون المالية من إمكانيات وفرصquot;.
وختم منار أسليمي حديثه بقراءة هذا الإجراء من زاوية أخرى، تتجلى في إشارته إلى quot;عدم انسجام مكونات الحكومة. فمثلاً طموحات العدالة والتنمية لا تتشابه مع مقترحات المكونات السياسية الأخرى، التي كانت موجودة في الحكومة السابقة، والتي أشرفت على إعداد قانون الماليةquot;.
من جهته، قال عبد اللطيف العطروز، أستاذ القانون العام في كلية الحقوق في مراكش، إن ما دعا الحكومة إلى اتخاذ هذه الخطوة هو quot;محاولتها ملائمة مشروع قانون المالية مع برنامجها الانتخابي، ومع الإجراءات التي تود إدخالها عليهquot;، مشيرًا إلى أن تقديم مشروع قانون المالية، هذه السنة، ساده ارتباك كبير، بحيث إن الحكومة السابقة حاولت طرح المشروع أمام البرلمان ومناقشته، ولكن تزامن ذلك مع قرب الانتخابات، وهو ما طرح إشكالات كبرىquot;.
وأوضح عبد اللطيف العطروز، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، أن quot;الحكومة السابقة لم تكن تريد أن تلزم الحكومة المقبلة بقانون، مبرزًا أن quot;هناك إشكالات كبرى، والحكومة حاليًا تحاول ملائمة مشروع القانون، الذي أعدّته الحكومة السابقة، مع الأوضاع الجديدة. ولكن هذا يطرح صعوبات كبرى، فإعداد قانون المالية يتطلب من 4 إلى 5 أشهر، وهو ما يوضح لنا الإشكال الكبير الذي تجد الحكومة نفسها فيهquot;.
وأضاف أستاذ القانون العام في كلية الحقوق في مراكش quot;لا تستطيع الحكومة سوى إدخال إجراءات جزئية على مشروع القانون المالية، على أمل أن تستدرك الأمور، إما بقانون مالية تعديلي، في النصف الثاني من السنة، أو انتظار السنة المقبلة مع إعداد قانون تنظيمي جديد للمالية، يلائم الدستور الجديدquot;.
وقال عبد اللطيف العطروز quot;الحكومة تريد إدخال بعض الإجراءات، التي تشكل تميزًا أو استجابة جزئية أو أولية لما يطرح من مطالب اقتصادية، واجتماعية، طبقًا لبرنامجها الحكوميquot;.
يشار إلى أن مجلس الحكومة كان بتّ في الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية، الذي يرتكز بالأساس على إرساء وتعزيز مسار إطلاق نمو اقتصادي قوي.
التعليقات