تعتبر مشكلة السكن في المملكة من أكثر المشاكل جدلاً، وأكثرها تداولاً في الصحف والنقاشات الرسمية وكذلك غير الرسمية داخل أروقة المجالس السعودية، وتزداد المطالب يومًا بعد يوم بإيجاد حل سريع وناجع، سواء من القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، للتخلص من الهاجس المقلق للكثير من السعوديين.


القطاع الخاص يحمل علاجًا لمشكلة الإسكان

حسن الأحمري من الرياض: تشير التقارير غير الرسمية إلى أن أكثر من 65 % من السعوديين لا يملكون سكنًا خاصًا، فمعظمهم يلجأ إلى الإيجار، وآخرون ربما يختارون السكن مع أهلهم أو مع آبائهم، وهناك دراسات عدة تفنّد هذه الأرقام بشكل دقيق، والتي أثارت الكثير من اللغط، وبدأت تضغط على المسؤولين الحكوميين لسرعة إيجاد حل لهذه المشكلة.

نظرية ارتفاع أسعار المساكن
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن أسعار المساكن لا تعاني تقلبات حادة على مر العصور، ولكنها تتأثر بالأوضاع المحيطة حولها، أي ما يسمّى اقتصاديًا بـquot;الريعquot;، بمعنى أن أسعار الأراضي تتأثر إيجابًا بالتطورات التي تحدث في المنطقة، من تطور اقتصادي وتمدد سكاني وزيادة في الطلب، وتتأثر سلبًا بالظروف المحيطة من حروب وثورات وغيرها، ولكنها أيضًا لا يمكن أن تشرد بعيدًا عن دخل المواطن.

ويلاحظ في السعودية، استنادًا إلى التقارير، أن أسعار العقارات بعيدة عن دخل المواطن العادي من الطبقة المتوسطة، فمتوسط سعر شقة سكنية للبيع يتراوح بين 280 إلى 500 ألف ريال في العاصمة الرياض، وأسعار الفلل السكنية لا تقلّ عن مليون ريال، وربما تذهب إلى أبعد من ذلك خلال العامين الأخيرين، وبالتالي توقفت عمليات الشراء بشكل كبير، وتتلخص المشكلة في سببين رئيسين:

1. عدم قدرة البنوك والقطاع العام على تمويل المساكن بأسعارها الحالية: فالقطاع الحكومي، المتمثل في صندوق التنمية العقاري، قدر الحد الأعلى للتمويل بعد الزيادة الأخيرة بـ 500 ألف ريال، وهو بعيد عن الأسعار الحالية، وهي مناسبة لشراء أرض فقط، من دون الخوض في مسألة البناء، وهي مناسبة لشراء شقة سكنية لا تناسب عددًا كبيرًا من العائلات السعودية، التي يتراوح متوسط أفرادها من 4 إلى 7 أشخاص، ومعدل خصوبة المرأة في السعودية يقدر بـ 6 أطفال لكل امرأة!.

أيضًا البنوك السعودية لا تستطيع مخالفة نظام مؤسسة النقد في تجاوز نسبة الاستقطاع من مرتب الموظف الشهري، وبالتالي، وفي ظل عدم مناسبة الدخول الشهرية للطبقة المتوسطة في السعودية لأسعار المساكن المرتفعة حاليًا، لا يمكن الحصول على تمويل مناسب للوحدات السكنية والأراضي، إضافة إلى ارتفاع معدل الفائدة على القروض العقارية إلى عدد سنوات التمويل التي تصل إلى 30 عاماً.

2. ارتفاع أسعار مواد البناء والمواد الخام، التي أدت إلى ارتفاع الأسعار النهائية للمساكن الجاهزة، التي يقوم ببنائها المستثمرون الأفراد، وهي الأكثر رواجًا داخل المملكة حاليًا.

تحركات حكومية واجبة التنفيذ
بالنظر إلى الأسباب والواقع الذي ذكر سابقًا، أصبح من الضروري وجود تحرك حكومي سريع لإنهاء الأزمة، التحرك بدأ عام 2011 بأمر ملكي ببناء 500 ألف وحدة سكنية داخل المملكة، وتم تعزيز هذا الأمر في نهاية 2011 بتخصيص 250 مليار من فائض الميزانية للعام الماضي من أجل تسريع وتيرة بناء الوحدات السكنية وعلاج الأزمة، ولا شك في أن هذا الأمر سينعكس إيجابًا على المعروض السكني، مما سيؤدي إلى خفض أسعار العقارات، نظرًا إلى ارتفاع المعروض، ووزارة المالية حاليًا، وبالتعاون مع وزارة الإسكان، مطالبة بتنفيذ الأمر بأسرع ما يمكن.

وتشير الإحصائيات إلى أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في التمدد الحضري لمدن المملكة، وتركيزها في المناطق الحضرية، وخاصة العاصمة الرياض وجدة والدمام، وعدم التوجّه نحو المدن الأخرى، التي لا يمكن أن تعدّ نائية في الوقت الحالي، على الرغم من تدني مستوى الخدمات البلدية في معظمها، إضافة إلى تدني مستوى وسائل المواصلات بشكل كبير، وهذا مادفع عددًا من المواطنين إلى الهجرةنحو المدن الحضرية، وتفاقم مشكلة السكن في هذه المدن.

بالنظر إلى مشكلة الأراضي البيضاء، تشير أيضًا الإحصائيات إلى أن عددًا كبيرًا من مالكي هذه الأراضي لا يجدون مشكلة في بقائها من دون بيع، ويستفيدون من ارتفاع الأسعار، وبالتالي استغلال أزمة السكن الحالية بشكل مختلف.

في هذا الاتجاه، يقول المستشار في التنمية سعد الحمودي إن أزمة السكن استمرت على مدى عقد أو يزيد، ولن تنتهي هذه الأزمة، ما لم يؤخذ في الاعتبار عدد من النقاط، أهمها؛ أن يكون هناك تحرك رسمي وجاد وتصريح حكومي واضح ومحدد التوجه والوقت في ما يتعلق ببعض القضايا العالقة، مثل موضوع الرهن العقاري، واستصدار قانون رسوم الأراضي البيضاء، وتوجه المناطق نحو تطوير المخططات السكنية، وإنهاء موضوع منح الأراضي، والذي يسير بوتيرة بطيئة جدًا، وتسريع عجلة الإقراض العقاري.

الحلول المطالب بها القطاع الحكومي هي إصدار القوانين المتعلقة بالرهن العقاري ورسوم الأراضي البيضاء، وكذلك دعم البنوك لدفع عجلة التمويل أكثر مما هي عليه الآن. أما القطاع الخاص فهو مطالب أيضًا بزيادة استثماراته في العقار داخل المملكة، وتحفيز البنوك للنظر في برامج التمويل المقدمة لمواكبة احتياجات المواطن الحالية، وإصدار برامج تمويل خاصة بالبناء، وليس فقط بالشراء، مما سيؤدي إلى حلول جيدة على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة.