استطاعت إيران وتركيا أن تدخلان بقوة في حياة العراقيين. وتقسم البضائع الإيرانيّة العراقيين طائفيًا، فانتشار سيارة السيبا (إيرانية الصنع) في الوسط والجنوب الشيعي له دلالات واضحة مثل ندرة وجودها في مناطق غرب البلاد السني.
بغداد: لا يرغب مراد العلواني سائق التاكسي في بغداد اصطحاب سيارته الإيرانية (السيبا) إلى أهله في الرمادي (110 كم غربي بغداد) حيث يزورهم مرة أو مرتين في الشهر ويفضل السفر بدونها بسبب الاشكالات التي تسببها له السيارة.
وبحسب العلواني فان أهل الرمادي الغربية لا يفضلون السيارات الإيرانية، وفي فترة من الفترات كانت العصابات المسلحة تستهدف مقتني السيارة لأسباب سياسية او طائفية على ما يبدو.
وهذه السيارة الإيرانية إضافة إلى بضائع إيرانية أخرى، صارت تقسم العراقيين طائفيا فعلا، او تمثل حدودا فاصلة ترسم اماكن تواجد طائفة في منطقة دون أخرى. فانتشار سيارة السيبا في الوسط والجنوب الشيعي له مدلولاته وندرة او انعدام وجودها في مناطق غرب البلاد السني يحمل مدلولات واضحة ترسم ملامح الحدود الطائفية.
التكتل الطائفي
وعلى رغم أن السيارة تنتشر بكثرة اليوم في بغداد، حيث يفضلها كثيرون لرخص ثمنها، على رغم مواصفاتها المتواضعة، فان السائق رحيم فاضل يؤكد أن السيارة أصبحت احدى معالم التكتل الطائفي في العراق.
ويشير أحمد كامل الذي يعمل في بغداد لكنه يسكن الفلوجة ( 60 كيلو مترا شمال غرب العاصمة) ان اهل المدينة لا يفضلونها ليس لانها غير متينة، بل لانها إيرانية. ويعتقد احمد ان الصراع الطائفي والحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) إضافة إلى الاجندة السياسة المتداخلة تركت اثرها في النفوس.
ويتابع: للاسف فان ما يحدث امر مقلق، فالإيرانيون مسلمون ولا يمكن قياس الامور بهذا التفسير البسيط. وتشهد العلاقات العراقية الإيرانية تحسناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة خصوصاً في المجال الإقتصادي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري 10 مليارات دولار العام 2011، لكن ما يزال هناك العديد من القضايا العالقة، أبرزها مسألة ترسيم الحدود وتقاسم المياه، وتصريف مياه البزل لاتجاه الأراضي العراقية، والآبار النفطية المشتركة وتبادل السجناء.
الشعارات الوطنية
ويؤكد الباحث الاجتماعي قاسم السعدي أنه بعيدًا عن الشعارات الوطنية والخطابات فان هناك أزمة ثقة بين السيارة وبعض الطوائف في المجتمع العراقي لأسباب غير فنية. ويتابع: البعض لا يحب السيارة لأنها غير متينة وهذا امر مشروع لكن قسمًا آخر لا يحبذها لأسباب طائفية.
لكن عماد سهيل يؤكد أن الموضوع ليس هكذا، وهو يرفض التعامل مع سيارة السيبا لان إيران تساند الجماعات المسلحة وتدخل الاسلحة إلى العراق، على حد قوله. ويشير السعدي إلى أنّ البضاعة الإيرانية لا سيما السيارة قسمت العراق طائفيا فعلا والا كيف نفسر اعداها الكثيرة في الوسط والجنوب، وانحسارها بشكل شبه نهائي في الموصل والرمادي ومناطق اخرى. ويتابع: اقول بصراحة، اصبحت اعرف الهوية الطائفية للمدينة من تواجد البضاعة الإيرانية فيها من عدمها.
الباحث الاجتماعي سعيد كامل يرى ان نفوذ إيران وتركيا نافذ اليوم بقوة في حياة العراقيين، بحسب الهوية الطائفية للمنطقة فبينما ترى (شعبية) كبيرة للساسة الترك في مناطق في اربيل وديإلى والموصل والرمادي فان شعبيتهم تقل كلما انحدرت إلى الوسط والجنوب حيث تتغير الهوية الطائفية للسكان، وفي ذات الوقت فان شعبية البضاعة والسلع الإيرانية تأخذ مديات اوسع في بغداد باتجاه الجنوب. ويشير كامل إلى أنّ الصراع الطائفي الذي مر به العراق واستمر لسنوات، يرتبط اليوم بقضايا سياسية أو ثقافية واعتقادية امتد تأثيرها إلى المجالات الإقتصادية.
تنافس إيراني تركي
ووجدت دول الجوار مثل تركيا وإيران، في العراق سوقا واعدة لتصريف منتجاتها لاسيما في ظل ركود إقتصادي عالمي ومع تعرض إيران إلى المزيد من العقوبات الإقتصادية. ولا يستبعد الإقتصادي العراقي محمد السامر ان يتحول العراق إلى ساحة حقيقية لتنافس إيراني تركي علني بعدما كان خلف الكواليس على مدى فترة طويلة من الزمن.
ومع تعزيز الحصار الإقتصادي الدولي والإقليمي على إيران فانها ستسعى إلى التقليل من خسائرها عبر فعاليات إقتصادية متنوعة وبصورة اوسع في السوق العراقية.
وافتتحت الشركة العامة لصناعة السيارات التابعة لوزارة الصناعة العراقية الواقعة في مدينة الاسكندرية جنوب بغداد، في العام 2010 مصنعا لتجميع السيارات الإيرانية والتي يتم بيعها بشكل مباشر للمواطنين في جميع أنحاء العراق.
وفي ذات الوقت فان تركيا تأمل مع تزايد العقوبات على إيران ان يعزز ذلك من نفوذها بصورة اكبر في العراق. لكن المهندس المعماري سمير عبد يرى ان تركيا تسبق إيران في فرص الاستثمار في قطاعات الاعمار وان هناك ثقة بين العراقيين بالشركات التركية التي تعمل في الوسط والجنوب مثلما الشمال.
وعلى رغم ان البضاعة التركية لا تواجه ممانعة جدية فيما يتعلق بتصريف بضاعتها في الفترة المنصرمة، إلا أنّ هناك مظاهر طائفية بدأت تظهر فيما يتعلق بها لكننها محدودة جدا. لكن العائق الاكبر الان هو أمام تصريف بضاعة إيران في في بعض مناطق العراق.
المغريات والتسهيلات
ويقول كريم الجبوري (تاجر في الشورجة) إن الإيرانيين يدركون ذلك وبدأوا سياسة عرض المغريات والتسهيلات لتجار ومتاجر في مناطق كانت مغلقة امامهم وبالفعل فقد نجحوا في اختراق أسواق الموصل والرمادي بشكل واسع في السنتين الاخيرتين. ويعترف الجبوري ان رخص البضائع الإيرانية قياسا مغ السلع التركية والأردنية فتح الطريق امامها وأزال بعض من الحواجز الطائفية التي كانت تمثل عقبة حقيقية في بعض المناطق.
من ناحية أخرى يقول وميض محسن (صاحب مخزن مواد غذائية) إن بعض الزبائن من طائفة معينة يسألون عن منشأ البضاعة قبل شرائها، مما يثير التساؤل حول قدرة الإقتصاد على ردم الهوة الطائفية التي يشعر بها البعض. لكن محسن يؤكد ان انخفاض قيمة التومان الإيراني يجعل البضاعة الإيرانية سهلة التصريف.
وفي الوقت الذي تكتسح فيه الصين وتركيا والأردن السوق العراقي في مجال البضائع الغذائية والسلع الاخرى فان إيران تكتسح إلى جانب ذلك سوق السيارات بشكل واسع، حيث أن سيارت السيبا والسمند والبيجو مرغوبة لدى المواطن بسبب سعرها، إضافة إلى أنّخفاض تكاليف التصليح.
التعليقات