رغم تحسن الوضع الاقتصادي في العراق، إلا أن سوق (البالة) أو (اللنكات) مازالت مقصدًا للكثير من العراقيين ممن يجدون فيها مخرجًا للأزمات المالية التي تحيط بهم وعدم قدرتهم على تلبية متطلبات السلع والملابس نظرًا إلى غلائها، بل إن ميسورين يرتادون بشكل منتظم دكاكين الملابس المستعملة بحثًا عن حاجتهم من الموديلات النادرة والاستثنائية.


وسيم باسم من بغداد: يرتاد محمد عوفي (طالب جامعي) هذه الأماكن لسبب خاص، وهو البحث عن (الماركة)، فهو يرى أن أفضل السبل وأرخصها للحصول على ملابس بنوعية جيدة هو شراؤها من سوق (البالة)، مؤكدًا أنه جرّب شراء الملابس من متاجر بغداد، لكنه وجد في الملابس المستعملة أفضل نوعية، كما إنها أرخص بالطبع من الملابس الحديثة الجديدة، المستوردة منها والمحلية على حد سواء. واشتهرت سوق البالة في بغداد في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد على مدى أجيال بأنها مقصد الفقراء ومحدودي الدخل.

انتشار في المدن
يقول سعيد كامل (70 سنة) وهو بائع ملابس مستعملة إن الزبائن يفدون من مختلف المحافظات على مدى عقود لشراء الملابس القديمة التي يفضلها البعض لجودتها ورخص ثمنها.

وانتشرت تجارة البالة من الباب الشرقي، حيث كانت تتمركز بصورة رئيسة في مختلف مناطق بغداد والمحافظات. وفي معظم أنحاء المدن العراقية هناك متاجر خاصة بالملابس القديمة تحتل حيزًا مهمًا من أسواق الهرج التي تشتهر بها معظم المدن.

وبحسب تقارير وزارة التجارة العراقية فإن غالبية البضائع المستوردة، لاسيما الملابس والأجهزة الكهربائية، مصدرها الصين ودول جنوب شرق آسيا وتركيا، حيث يفضلها الناس لرخص ثمنها، لكن الكثير من المستهلكين يتحدثون عن سوء نوعيتها ورداءة صنعها.

غير أن الملحق التجاري الصيني، يرى أن التجّار العراقيين يتحملون مسؤولية استيراد بضاعة رديئة لرخصها، مؤكداً أن حجم التبادل التجاري بين بلاده والعراق بلغ 14 مليار دولار. كما بلغ حجم التجارة بين العراق وتركيا نحو 13 مليار دولار في عام 2011.

ازدراء الملابس القديمة

عراقيات يتبضعن ملابس من سوق شعبية في بغداد

ويعترف البائع أبو سليم، الذي أمضى نحو عقدين في مهنة (البالات) بأن الشعب العراقي بحكم عاداته وتقاليده يزدري شراء الملابس القديمة، لكنه يضطر إلى شرائها. ويعتقد أبو سليم أن فترة الحصار الاقتصادي والحرب وطدت علاقة العراقي بالملابس القديمة، مؤكدًا أن بعض المواطنين يدخل سوق الهرج على استحياء لشراء حاجته من دون الرغبة في أن يعرف الآخرون مصادر (ملابسه).

يندفع الكثير من أصحاب الدخول العالية أيضًا لشراء الملابس القديمة لينافسوا الفقراء في ذلك، إذ يعترف أبو سليم (تاجر) ومدخوله الشهري يتجاوز الأربعة آلاف دولار، أنه يدمن شراء ملابس البالات، لأن غالبيتها مصادرها أوروبية، وصناعتها ذات جودة عالية، إضافة إلى وجود ( شعار الماركة) الذي يجعل قطعة الملابس متميزة.

لكن عرض ملابس البالات تجاوز المناطق المحصورة في غالبية مدن العراق إلى المناطق المفتوحة على طول الشوارع التجارية. ويرسم التاجر أمين حسن في أسواق (جميلة) في بغداد، علاقة جدلية بين الظروف الاقتصادية ومقدار إقبال المواطن على ملابس البالات. ويعترف رحيم قاسم (موظف) بأن أناقته المعروف بها ترجع إلى اعتماده على أسواق الملابس المستعملة.

لا يقتصر الأمر على الرجال، إذ اعتادت حسناء أحمد (معلمة) على التسوق من أسواق البالة، إذ ترتدي ملابس ذات ماركات عالمية يصل سعر القطعة الجديدة منها إلى نحو (400 دولار أميركي)، بينما اشترت قميصًا مستعملاً بسعر خمس دولارات أميركية. وتغسل حسناء الملابس المستعملة جيدًا، ثم تعقمها تجنبًا من انتقال الأمراض إليها.

منافس قوي
الحاج أبو قيصر في بابل (100 كم جنوب بغداد) يتاجر في ملابس البالات منذ نحو خمس سنوات، يؤكد أنه يحرص على تقديم بضاعة تستعمل مباشرة من قبل الزبون، فهو يغسل الملابس ويعقمها و(يكويها) لتظهر بجودة عالية، لا تختلف عن الجديدة، وهذا هو سر النجاح.

يعترف التاجر أحمد الكبيسي أن أسواق البالات في العراق اليوم تعد منافسًا قويًا لأسواق (الكماليات) الجديدة، وفي بعض المواسم تسبب هذه التجارة في انخفاض مبيعات أسواق الألبسة الجاهزة. الكبيسي يفيد أنه في بعض الحالات فإن التاجر ينقل بضاعته الجديدة الكاسدة إلى دكاكين البالات لغرض تصريفها، نظرًا إلى حركة التبضع الكبيرة في أسواق البالات.

لا تقتصر (اللنكات) على الملابس، فهناك بالات الأحذية التي يُقبل عليها الجمهور بشكل مفرط أكثر من إقبالهم على الملابس. كما إن هناك أسواقًا خاصة بالأجهزة الكهربائية المستعملة أيضًا.