يتجنب التجار العراقيون أخيرًا التعامل مع مئات آلاف السيّاح الآتين من إيران بعملة بلادهم، إثر تراجعها الكبير أمام الدولار، الذي بات بدوره هدف التجار الإيرانيين، بعدما تجاهلوه لسنوات طويلة.


سعر التومان (الريال الإيراني) انخفض بشكل كبير جدًا

بغداد: في منطقة الكاظمية في شمال بغداد، التي تسكنها غالبية شيعية، تعجّ محال الصاغة والألبسة والمطاعم المحيطة بمرقدي الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد، بزوار المكان المقدس لدى الشيعة.

وعادة ما تزدحم هذه المحال والشوارع، التي تحيط المرقدين بالزوار الإيرانيين، إلا أن المواكب، التي تقلّ هؤلاء إلى هذا الموقع، اختفت تقريبًا في نهاية الأسبوع الحالي.

وقال علي محمد (42 عامًا) وهو صاحب مكتب للصيرفة، إن quot;سعر التومان (الريال الإيراني) انخفض بشكل كبير جدًاquot;. وأضاف من خلف حاجز زجاجي، وهو يلوّح بورقات مالية تحمل صورة آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، إن quot;هذا الانخفاض سبّب لنا خسارة كبيرة. فقبل شهر ونصف شهر كنت أتعامل بقرابة عشرين ألف دولار يوميًا من التومان، والآن أتعامل بأقل من ألف دولارquot;.

وتابع quot;أعتقد أنني سأتوقف عن شراء التومان بشكل تدريجي، وإذا استمر في الانخفاض فسأتوقف نهائيًا عن التعامل بهquot;.

وأدت العقوبات الدولية المصرفية المفروضة على إيران منذ 18 شهرًا، وعززها الأميركيون والأوروبيون في كانون الثاني/يناير، إلى انهيار العملة الإيرانية، التي فقدت نحو نصف قيمتها خلال عام.

وذكر جاسم العاملي (55 عامًا) الذي يملك بدوره محلاً للصيرفة في الكاظمية إن سعر الريال الإيراني انخفض إلى 18000 للدولار الواحد quot;بعدما كان الدولار يساوي حوالى عشرة آلاف قبل نحو شهرينquot;.

ويتزايد انخفاض سعر الريال عند الحدود مع إيران، إذ وصل سعر الدولار إلى 20 ألف ريال عند معبر زرباطية الحدودي في محافظة واسط (جنوب شرق بغداد). وأكد أحد المسؤولين في المعبر لوكالة فرانس برس أن quot;العشرات من التجار الإيرانيين يعملون وبشكل يومي على شراء الدولارquot;، مشيرًا إلى أنه قبل انخفاض قيمة عملة بلادهم quot;كانوا يتعاملون بالعملة الإيرانية، ولا يبحثون عن الدولارquot;.

وظلت العملة الإيرانية طويلاً أعلى من سعرها الحقيقي، قبل أن يرفع البنك المركزي الإيراني في الأشهر الأخيرة الغطاء عنها، لتخفيف خسارة البلاد من العملات الأجنبية التي تأتي من تصدير النفط.

وأكد العاملي، الذي يعمل في الصيرفة في الكاظمية منذ أكثر من عشر سنوات، أنه تدارك quot;الأمر منذ البداية، ولم أتعامل بمبالغ كبيرة، لأنني علمت أنه ستكون هناك ضغوط وعقوبات على الاقتصاد الإيرانيquot;. وأعرب عن أسفه قائلاً quot;تألمت كثيرًا على الزوار الإيرانيين، لأنهم أناس بسطاء جاؤوا إلى العراق يحملون مبالغ محدودة لأداء الزيارة، لكنهم فوجئوا بانخفاض عملتهمquot;.

وفي مدينة النجف (150 كلم جنوب بغداد)، حيث مرقد الإمام علي بن أبي طالب، التي يزورها أكثر من مليوني إيراني سنويًا، يثير تراجع العملة الإيرانية أيضًا حفيظة أصحاب محال الصرافة ومالكي الفنادق، التي تعتمد بشكل أساسي على هؤلاء الزوار.

وقال حسين إخوان (36 عامًا) الذي يعمل في شركة صيرفة هناك، إن quot;سعر صرف التومان الإيراني المتذبذب بات يشكل بالنسبة إلينا مشكلة من جهة الفارق في سعر الصرف بالنسبة إلى عمليات البيع والشراء مع العملات الأخرىquot;.

من جهته، أوضح عدي البهاش (35 عامًا) الذي يملك محلاً لبيع القماش في السوق الرئيسة في النجف أن quot;السلعة التي كنا نبيعها قبل الانخفاض بعشرين تومان، أصبحنا نبيعها بأربعين تومان من دون أن نحقق أي ربحquot;.

وأكد وزير السياحة العراقي لواء سميسم في تصريح لفرانس برس أن quot;هبوط العملة الإيرانية أثر بشكل طفيف على السياحة الدينية، إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على تدفق الزوار الإيرانيينquot;.

رغم ذلك قال خالد أبو الجيج (40 عامًا)، وهو صاحب فندق في وسط النجف، إن quot;شركات السياحة بدأت تسجل خسائر، وتحاول تعويض هذه الخسائر من خلال الدفع لنا بالتومان الإيراني، بعدما كانت تدفع بالدولارquot;.

وتابع في إشارة إلى رفض الحصول على المبالغ المستحقة بالعملة الإيرانية quot;لم نستلم مستحقاتنا من الشركات السياحية منذ انخفاض العملةquot;.

ويدفع النقص في العملات الصعبة لدى إيران التجار فيها إلى محاولة شرائها من مصادر خارجية، لعل أبرزها العراق، الذي يبلغ حجم تبادله التجاري مع إيران بين خمسة وسبعة مليارات دولار سنويًا.

وفي ما بدا محاولة لقطع الطريق على هذه المسألة، بدأ البنك المركزي العراقي خلال هذا الأسبوع في تطبيق إجراءات جديدة حيال مبيعاته من الدولار، تنص خصوصًا على تعريف المشتري. وتسببت هذه الإجراءات في انخفاض كبير بمعدلات بيع الدولار في المزاد، الذي يقيمه البنك المركزي العراقي كل أسبوع بين يومي الأحد والخميس، فقد تراوحت هذا الأسبوع بين ثلاثة وأربعة ملايين دولار، بعدما كانت تبلغ حوالى 200 مليون دولار.

وقال نائب محافظ البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح لفرانس برس إن السبب وراء هذه الإجراءات يعود إلى أن quot;الكثير من الشارين يتخفون خلف أشخاص آخرين، أي إن من يشتري ليس الشخص الحقيقيquot;.

وتابع إن العراق، الذي يملك حوالى 60 مليار دولار من احتياطات العملة الصعبة ويدفع ثمن الكهرباء والوقود اللذين يستوردهما من إيران بالدولار، شهد في الفترة الأخيرة quot;هبة في الطلب على الدولارquot;.

وفيما رفض ربط هذه quot;الهبةquot; والإجراءات الجديدة التي رافقتها مباشرة بالعقوبات على إيران، قال إنه quot;عندما رأينا أن هناك طلبًا إضافيًا وسط تعقيدات إقليمية، أردنا التدقيق أكثر في المبيعات وطبيعة الزبائن.