مدريد:أقرت الحكومة الأسبانية يوم الجمعة عدة إجراءات تشمل أشد حزمة إجراءات تقشفية تشهدها أسبانيا في تاريخها المعاصر في الوقت الذي تظاهر فيه المئات من موظفي القطاع الحكومي الإسباني يوم الجمعة في مدريد احتجاجا على خفض الإنفاق الحكومي بينما هددت نقابات عمالية بتنظيم إضرابات واتخاذ إجراء قانوني حيال تلك الإجراءات. تشمل هذه الإجراءات تخفيضات في الإنفاق العام وزيادة في الضرائب بما يعادل حوالي 65 مليار يورو (79 مليار دولار)''من الآن وحتى عام 2014 بهدف خفض عجز الميزانية. تأتي هذه الإجراءات استجابة لضغوط منطقة''اليورو''مقابل منح أسبانيا حزمة قروض لإعادة رسملة البنوك الأسبانية بقيمة تصل إلى 100 مليار يورو.


كانت الحكومة قد أعلنت هذه الإجراءات في وقت سابق من الأسبوع الحالي قبل أن تقرها صباح الجمعة. وتشمل الإجراءات زيادة ضريبة القيمة المضافة وإلغاء منح أعياد الميلاد للموظفين الحكوميين وخفض الضرائب على مشتري المنازل وخفض إعانات البطالة وتقليص عدد موظفي الإدارة المحلية وتحسين الرقابة على الحسابات المحلية. وقالت نائبة رئيس الوزراء الأسباني سورايا ساينث دي سانتاماريا 'إن هذه التخفيضات 'تضحية مهمة' من أجل الأسبان في مواجهة واحد من أصعب وأشد وأكثر الأوقات إيلاما التي تمر بها أسبانيا في تاريخها المعاصر. ودعت سانتاماريا الشعب الأسباني إلى 'الوحدة وتحمل المسئولية'''في مواجهة الأزمة الاقتصادية. يبلغ معدل انكماش الاقتصاد الأسباني حاليا 2' في حين يصل معدل البطالة إلى حوالي 25' في الوقت الراهن.

وتحاول الحكومة تقليص عجز ميزانيتها من 8.9' من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 إلى 6.3' هذا العام و4.5' العام المقبل، و2.8' في عام 2014، حسبما تم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. قالت صحيفة (إيل باييس) إن الحكومة تتعرض لمشاكل في فرض الانضباط المالي على مناطق الحكم شبه الذاتي السبع عشرة في إسبانيا والمسؤولة عن جزء كبير من العجز. ووفقا للصحيفة تحتج ست مناطق على تقليص العجز بنسبة 1.5' التي تفرضها الحكومة عليها. وتريد من الحكومة تخفيف الرقم المستهدف قائلة إن الاتحاد الأوروبي تساهل أيضا في رقم 5.3' المستهدف للعجز لإسبانيا كلها.


ومع ان أغلب المحللين يرون أن تخفيضات الإنفاق التي تبلغ قيمتها 65 مليار يورو (79 مليار دولار)''حتى عام 2014 تمثل الطريق الوحيد لاستعادة الصحة المالية لأسبانيا ولإرضاء''قادة منطقة اليورو الذين يضغطون على''أسبانيا من أجل تنفيذ حزمة إصلاحات اقتصادية''مقابل حصولها على قروض إعادة رسملة البنوك الأسبانية المتعثرة، الا ان هناك بعض الشكوك حول جدوى هذه الإجراءات في تحقيق التعافي الاقتصادي لأسبانيا. كما أن هذه الإجراءات التقشفية تنطوي على خطر إثارة الاضطرابات الاجتماعية في أسبانيا. وذكرت صحيفة (سينكو دياس) الاقتصادية إلى الحجم الكبير لتخفيضات الإنفاق ينطوي مقامرة خطيرة لأنه إما يؤدي إلى انقاذ الاقتصاد أو تفجير أسبانيا.

وتأتي حزمة التخفيضات الجديدة بعد أن كانت الحكومة قد خفضت في وقت سابق الإنفاق بمقدار 40 مليار يورو، وهو ما أثر بصورة شديدة على الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها الدولة مما فجر موجة احتجاجات شعبية قوية. ولكن خوان إغناسيو''سانث المتخصص في الشؤون المالية بمدرسة إيسادي لإدارة الأعمال في أسبانيا إن التخفيضات الجديدة في الإنفاق ضرورية ولكنها تأتي متأخرة وغير كافية. وأضاف في تصريح (لوكالة انباء د ب أ) إن زيادة ضريبة القيمة المضافة في أوقات الركود لا تؤدي إلى زيادة إيرادات الدولة ولكنها''ستساهم في إضعاف الإنفاق الاستهلاكي''المحلي وبالتالي تزداد حدة الركود. وتحتاج سياسات التقشف إلى زيادة في الاستثمارات والقروض لتحفيز النمو''ولكن الحكومة الأسبانية''تعاني صعوبات مالية والبنوك تواجه أزمة سيولة تحد من قدرتها على الإقراض.


وفي بروكسل، رحب متحدث باسم المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية أولي رين باجراءات التقشف الاسبانية الجديدة ووصفها بأنها 'خطوة مهمة لضمان إمكانية تحقيق المستهدفات المالية هذا العام'. وقال سيمون أوكونور إنه كان أمرا طيبا أن يعلن راخوي عن الإجراءات 'بشكل سريع، بعد يوم واحد' من تحديد وزراء مالية الاتحاد الأوروبي الشروط لتحقيق مرونة في الأرقام المستهدفة للعجز الإسباني.


في الوقت نفسه''نقلت تقارير إعلامية أسبانية عن مسودة مذكرة تفاهم بين مدريد ومنطقة اليورو القول إن المنطقة ستفرض شروطا أشد صرامة على أسبانيا مقابل منحها مساعدات مالية تصل إلى 100 مليار يورو لإنقاذ قطاعها المصرفي المتعثر. ومن المقرر إقرار مذكرة التفاهم النهائية من قبل أسبانيا وشركائها في منطقة اليورو يوم 20 تموز/يوليو الحالي. ووفقا لمشروع المذكرة، ستحصل البنوك على مساعدات الإنقاذ على أساس نتائج اختبارات القدرة على تحمل الضغوط المالية والمنتظر إجراؤها منتصف أيلول/سبتمبر المقبل.


وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية سيمون أوكنور في بروكسل 'سنعمل وفقا لمبدأ ضرورة مشاركة القطاع الخاص في تحمل الخسائر لضمان عدم تحمل دافعي الضرائب نصيب غير عادل من الأعباء'. كما تتضمن مسودة مذكرة التفاهم إلزام البنوك بتقديم خطة إعادة هيكلة، والقبول بمراقبة من جانب المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي والهيئة المصرفية الأوروبية. وتتضمن ايضا إلزام الحكومة الأسبانية بقدر أكبر من استقلال البنك المركزي الأسباني عن الحكومة وتشاور الحكومة مع السلطات الأوروبية بشأن أي تشريعات تتعلق بالقطاع المالي. كما تتضمن توصيات بشأن الأهداف المالية للحكومة والإصلاحات الهيكلية والمالية الاستراتيجية مثل الدعوة إلى إصلاحات إضافية لسوق العمل وإزالة القيود المفروضة على بعض الأنشطة الاقتصادية.