بعدما تحول الواقع كثيراً في سوريا خلال الفترة الماضية عمّا كان عليه في بداية فترة حكم الرئيس بشار الأسد، قبل ما يقرب من 12 عاماً، وهي الفترة التي عرفت بـ quot;ربيع دمشقquot;، وطرح خلالها العديد من الوعود بإجراء عملية تحرير اقتصادي للبلاد، ها هي الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، في ظل استمرار قمع الأسد للناشطين والمعارضين.


إحدى الساحات في منطقة دمشق القديمة بالقرب من الأسواق

أشرف أبو جلالة من القاهرة: بدأ هذا التراجع في وضعية سوريا، ورئيسها، بحلول أيلول/سبتمبر من العام 2001، عندما بدأ يقمع الأسد معارضيه ويلقي بالناشطين الداعمين للديمقراطية في السجون.

وقد كان ذلك تمهيداً سلمياً للخطوات التي سيتخذها نظام الأسد للقضاء على أي تلميح بوجود تهديد على وجوده. لكن العالم كان منشغلاً حينذاك بهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر التي وقعت في أميركا، ولم تحظَ تلك الخطوات حينها باهتمام كبير.

أوردت وكالة بلومبيرغ للأخبار الاقتصادية والبيانات المالية على شبكة الإنترنت عن سامي مبيض، وهو مؤرخ سوري، قوله : quot;لو كانت سمحت الظروف لربيع دمشق بأن ينمو ويزدهر، لكان من الممكن تحقيق هبوط آمن للدولة والنظام قبل 10 أعوامquot;.

فيما قال المحامي والناشط، الذي يبلغ من العمر 81 عاماً، هيثم المالح، quot;لم يكن هذا ربيعاً، بل كان خريفاًquot;. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الحملة القمعية التي مارسها الأسد ضد خصومه، من دون هوادة، أسفرت عن مقتل 19 ألف شخص حتى الآن. وأضاف المرصد أن هذا العدد شمل كذلك على ما يقرب من 5000 جندي نظامي.

عاود المالح ليقول إن معظم الناشطين توفوا نتيجة القصف والتعذيب والمذابح التي ارتكبت كما يقال من جانب القوات الحكومية والميليشيات الموالية للنظام. بينما أشارت منظمة هيومان رايتس ووتش إلى أن أجهزة المخابرات السورية تدير ما أسمته الـquot;أرخبيل من مراكز التعذيبquot; في أنحاء البلاد كافة.

فيما أوضحت بلومبيرغ من جهتها أن اقتصاد البلاد يتعرّض في غضون ذلك بصورة بطيئة لحالة من الاختناق، بالاتساق مع العقوبات التي بدأ يفرضها الاتحاد الأوروبي اعتباراً من أيار/ مايو عام 2011.

وسبق لوزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، أن قالت في تموز/ يوليو الماضي: quot;لقد انهارت احتياطات النقد والعملة في سوريا. وقد حرمت عقوبات النفط وحدها نظام الأسد من ملايين الدولارات في صورة عائدات مفقودة، كما إن قدرته على تمويل الحرب التي يخوضها ضد معارضيه تزداد صعوبة يوماً بعد الآخرquot;.

وأكد خصوم الأسد أن نظام عائلته نجح في البقاء لفترة طويلة في السلطة بسبب استعانته بالأساليب الوحشية في تسيير شؤون البلاد. وذلك في الوقت الذي سبق أن أكد فيه الأسد، خلال مقابلة أجراها أخيرًا مع محطة ARD الألمانية، أنه مازال يحظى بالدعم الشعبي، وأنه لا يتعين عليه كرئيس أن يهرب من مواجهة التحدي الذي يواجهه.

بورصة دمشق

وأعقبت الوكالة بتأكيدها أن نظام حكم الأسد الاستبدادي الآن يتناقض تماماً مع نظام حكم طبيب العيون، الذي كان يبلغ من العمر وقتها 34 عاماً، بعد تسلمه السلطة في تموز/ يوليو عام 2000 إثر وفاة والده حافظ الأسد.

وقال في هذا الصدد جوشوا لانديس، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، الذي سبق له العيش في سوريا، quot;إن سحر بشار هو في اختياره لزوجته، وشبابه، وعدم خبرته، فقد كان خجولاً وكان يتلعثم قليلاً في الكلام، ولم يكن لديه أفراد حراسة، وكان يتعامل ببساطة مع الناس، كل هذا كان يشعر الناس بارتياح شديدquot;.

وأكمل لانديس حديثه بالقول إن بشار حوصر بالنظام الذي قام والده بتأسيسه، وهو الذي ارتكز على الولاء الشخصي بدلاً من الكفاءة، وكان نقيضاً في الوقت عينه للانفتاح.

ثم أبرزت الوكالة التغييرات التي أدخلها نظام الأسد على الحياة الاقتصادية في البلاد، وكذلك تأثير الأزمة الحالية على النمو والتطور ومساعي اللحاق بباقي دول المنطقة. وأردفت الوكالة بنقلها عن صونيا خانجي قشيشو، وهي سيدة أعمال، وعضو أيضاً في مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، قوله: quot;لقد خنقتنا العقوبات، وها هي تقتلناquot;.

وأضافت قشيشو في السياق نفسه قائلةً: quot;ما تلك العقوبات العبقرية التي تؤثر على الفقراء وعلى هؤلاء الذين يتمتعون بدخل ثابت؟، ويمكنني القول إن تلك العقوبات تعاقب الشعب، وليس النظام، وتخلق في البلاد حالة واضحة من البطالة والفقرquot;.