يساهم الدعم المالي والنفطي الخليجي لمصر في تجاوزها أزماتها الاقتصادية، وفي تسهيل وصول عبد الفتاح السيسي إلى رئاسة الجمهورية، لكن خبراء يقولون إن الحل الجذري هو الحل السياسي وإعادة الاستقرار الذي يطمئن المستثمرين والسيّاح.


القاهرة: تواجه مصر أزمات اقتصادية خانقة، منذ الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك منذ ثلاثة أعوام. إلا أن الاقتصاد ما زال قادرًا على الوقوف على قدميه، ولم يتعرض للإنهيار، لاسيما بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي.

ويرجع الخبراء ذلك إلى الدعم الخليجي غير المحدود، حيث تضخ السعودية والكويت والإمارات مليارات الدولارات في البنك المركزي المصري، ما منح الإقتصاد المصري قبلة الحياة، وجعله قادرًا على الصمود، رغم إنهيار الإنتاج وتراجع السياحة.

إجهاض حلم الاخوان

رغم رهان جماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي على إنهيار الاقتصاد، وخروج مؤيدي مرسي في مظاهرات لإسقاط ما يعتبرونه quot;الإنقلاب العسكريquot;، إلا أن دول الخليج قادرة على إبطال مفعول الخطة الإخوانية وتمهيد الطريق الرئاسي للسيسي عبر ضخ المزيد من المليارات في الخزانة المصرية.

ويراهن النظام الموقت في مصر على الدعم الخليجي، الذي بدأ عقب أحداث 30 حزيران (يونيو) مباشرة ويسعى جاهدًا لاستمراره من خلال الحصول على حزم مساعدات جديدة، تساهم في تعويض الخسائر الاقتصادية التي يتسبب فيها ذلك المشهد السياسي المعقد، حتى يفقد مؤيدو الاخوان الأمل، وينسحبوا من فعاليات الجماعة حتى تضعف وتنتهي تدريجيًا.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، يكثف المسؤولون المصريون تحركاتهم وإتصالاتهم مع دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، التي كانت أول محطة للرئيس المصري الموقت المستشار عدلي منصور خارجيًا، والامارات، في محاولة منه لاقناع العرب باستمرار دعمهم لمصر خلال الفترة المقبلة.

وقود وسولار

واتخذ وزير البترول شريف اسماعيل خطوات مماثلة، لإقناع الدول الخليجية بإمداد مصر بالمواد النفطية العام المقبل أيضًا، لا سيما أن السعودية والإمارات والكويت تعهدت بتوفير المواد البترولية لمصر حتى نهاية العام الجاري.

وقال إن الدول الشقيقة الثلاث تزود مصر بالسولار والبنزين والمازوت منذ تموز (يوليو)، موضحًا أن مصر أرسلت إلى الدول الخليجية إفادة بحجم إمدادات الوقود التي ستحتاج إليها بعد شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل، مشيرًا إلى أن الدول الثلاث تدرس الآن تلبية هذه الاحتياجات.

ويتحرك محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز أيضًا بإتجاه دول الخليج، من أجل جذب الإستثمارات. وقال إن هناك خططًا لدعم الاقتصاد من جانب الإمارات والسعودية، عبر الاستثمار في مشروعات للبنية الأساسية وفي صورة مساعدات بترولية.

منح ومليارات لا ترد

ولم يقف الدعم الخليجي عند حد منح مصر مبلغ 9 مليارات دولار، لكنها سوف تمنح بسخاء مرة جديدة من أجل إجهاض حلم الإخوان في إسقاط النظام الحالي.

وقالت مصادر مصرفية مصرية لـquot;إيلافquot; إن الإمارات ستمنح مصر 3 مليارات دولار، منها وديعة بملياري دولار من دون فائدة، ومليار دولار منحة لا ترد، وهو نفس توزيع حزمة المساعدات السابقة من الامارات التي تسلمتها مصر قبل أشهر، مشيرًا إلى أن السعودية وعدت مصر بمنحها 5 مليارات دولار جديدة، بالإضافة إلى منتجات بترولية.

وحصلت مصر على سبعة مليارات دولار من إجمالي مساعدات قدرها 12 مليارًا تعهدت بها دول خليجية، بواقع 3 مليارات من الإمارات ومليارين من كل من السعودية والكويت، ومن المتوقع أن تغدق دول الخليج على مصر المزيد من الأموال.

تجاوب خليجي

الاوضاع الاقتصادية في مصر متدهورة للغاية، لا سيما قطاع السياحة والإنتاج، بسبب إستمرار التظاهرات وإستمرار الدولة في فرض إجراءات إستثنائية، كحال الطوارىء وحظر التجوال، إلا أن الدعم الخليجي أنقذه من الإنهيار.

وقال الخبير الإقتصادي الدكتور سمير عبد الحميد لـquot;إيلافquot; إن الدعم الخليجي سيمكن مصر من تجاوز الأزمة فى حال استمرارها لعدةأشهر أخرى، لحين عودة الهدوء إلى الشارع المصري، مشيرًا إلى أن السلطة المصرية تسعى جاهدة لاستمرار الدعم الخليجي، quot;وتلك الجهود ستلاقي تجاوبًا كبيرًا من بعض دول الخليج، خاصة السعودية والامارات، لاسيما أن هاتين الدولتين بدأتا حملة الدعم من دون أن يطلب منهما ذلك، ولن تتأخرا في تقديم المزيد من الدعم.

وأضاف أن الهدف ألا تسقط مصر أو تتعرض للإنهيار اقتصاديًا، ويعود نظام حكم الإخوان مرة أخرى، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لأنظمة الحكم الخليجية. ولفت إلى أن هذا الدعم يعتبر دعمًا شخصيًا لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، الذي يسعى الى الترشح لمنصب الرئيس، ما يمهد الطريق له بشكل تام.

ووفقًا للدكتور حسين عمران، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، الاقتصاد المصري لا يتحمل استمرار الازمة السياسية لفترة أطول، مشيراً إلى أن الحساب الختامي لموازنة مصر للعام المالي 2012 / 2013، المنتهي في حزيران (يونيو) الماضي يظهر أن قيمة العجز بلغت 239.9 مليار جنيه بنسبة 13.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 166.7 مليار جنيه خلال العام السابق، متوقعًا تضاعف عجز الموازنة فى حال استمرار الاوضاع على هذا النحو.

مسكنات فقط

وأوضح عمران لـquot;إيلافquot; أن المساعدات الخليجية مسكنات تساعد على تخطي الازمة موقتًا. ولفت إلى أن الاقتصاد المصري يحتاج لحلول جذرية قبل بداية العام القادم، quot;والحل السياسي هو الوحيد القادر على تجنب انهيار اقتصادي وشيك، والمساعدات الخليجية قد تكون سببًا فى إنقاذ السلطة الحاكمة في مصر، وعلى رأسها وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، في حال تراجع احتجاجات الاخوان المسلمين مع مرور الوقت، وتساهم في وصوله للرئاسة بشكل سهل، فلن يشعر المصريون بالأزمات، لكن لا بد من حلول جذرية، لاسيما أن الدعم الخليجي لن يستمر مدى الدهرquot;.

وبحسب الخبير المصرفي الدكتور مختار سليم، فإن المساعدات الخليجية قادرة على تمكين مصر من تخطي أزمتها رغم الاوضاع الاقتصادية الصعبة. وأضاف لـquot;إيلافquot; أن الأهم في الفترة الراهنة هو إنهاء حالة الطوارئ وحظر التجوال، quot;فتمديدهما يرسل إشارة بالغة السوء للمستثمر الأجنبي، ويعد أمرًا خطيرًا على مستقبل الاستثمار في مصر.

ونبّه سليم إلى أن إستمرار الإجراءات الإستثنائية سيدفع مؤسسات التصنيف العالمية لتخفيض تصنيف مصر، ما يضاعف من الضغوط على الاقتصاد مستقبلاً، لافتًا إلى أن الدعم الخليجي لعب دورًا محوريًا حتى الآن في إنقاذ الاقتصاد من الانهيار، متوقعًا استمرار الدعم حتى خروج مصر من أزمتها، لاسيما أن استقرار دول الخليج يرتبط بالاستقرار المصري.