خرج قطاع إنتاج الدواء الحكومي في مصر من حلبة المنافسة مهزومًا أمام الشركات الخاصة، فخطوط إنتاجه متهالكة، ويبيع الأدوية بأقل من كلفتها الحقيقية، والدولة لا تفيه مستحقاته في ذمتها، ما يضعه في أزمة حقيقية.
القاهرة: كان قطاع الدواء الحكومي في مصر رمانة الميزان التي تضبط سوق الدواء، وتحد من سيطرة شركات القطاع الخاص والشركات الأجنبية، بما ينتجه من أدوية تباع بأسعار في متناول عامة الشعب. ولطالما دعمت الحكومات المصرية الأدوية، خصوصًا في الحروب والأوبئة، لكن الشركات الخاصة اليوم تصعب منافستها.
وتعتبر صناعة الدواء واحدة من كبرى الصناعات في مصر، إذ يزيد حجم الاستثمارات فيها عن 20 مليار جنيه (3.35 مليارات دولار)، في 120 مصنعاً للأدوية، تغطي نحو 93 في المئة من السوق المحلية من الأدوية، التي وصلت نسبة استهلاكها من الأدوية إلى 15.3 مليار جنيه مع نهاية العام 2010، لكن يبقى القطاع الحكومي المصري في إنتاج الدواء في مرتبة متأخرة، فلا تمثل شركات الدواء المملوكة من الدولة أكثر من 4 في المئة فقط من سوق الدواء المصرية، ولا تستطيع الدخول في منافسة قوية على الرغم من استحواذها سابقًا على أكثر من 80 في المئة من السوق.
أدوية لا تغطي تكلفتها
أكد الدكتور عبد الغفار صالحين، رئيس لجنة الصحة في مجلس الشورى التي كانت تناقش مشاكل الدواء في مصر منذ أيام، لـlaquo;إيلافraquo; أن شركات الأدوية الحكومية مثقلة بالديون والخسائر، وأن الشركة القابضة التي تتبعها 8 شركات تنتج 504 أدوية، تباع بسعر لا يغطي تكلفة الإنتاج، بسبب الدور الاجتماعي الذي تتصدى له الشركات، ما تسبب في خسائر بقيمة 128 مليون جنيه خلال العام 2012.
وأضاف صالحين أن شركات قطاع الأعمال تنتج 467 دواءً تباع بأقل من سعر التكلفة، ومتوسط سعر منتجات الشركات الحكومية من الأدوية هو 4 جنيهات، فيما يبلغ المتوسط بالشركات الخاصة والدولية 13 جنيهًا.
وأوضح صالحين أن أسعار بعض هذه المنتجات ثابتة منذ 15 سنة، فيما زادت أسعار الخامات بشكل كبير خلال تلك المدة، مؤكدًا أن المطالب الفئوية للعمال تضرب كل شركات قطاع الأعمال التابعة للدولة، بما يؤثر على سير العمل سلبًا، ويعطل تنميتها.
خطوط إنتاج متهالكة
هناك أسباب أخرى يتطرق إليها محمد وهبة الله، عضو مجلس إدارة الشركة المصرية لتجارة الأدوية، الذي أوضح لـquot;إيلافquot; أن عدد شركات الأدوية في مصر 120 شركة، فيما يبلغ عدد الشركات الحكومية العاملة في الدواء 11، منهم 8 شركات لإنتاج الدواء، وشركة متخصصة في التجارة، وشركة مستلزمات وأخرى للعبوات الدوائية، ما يعني وجود منافسة قوية في السوق، بالإضافة إلى أن أغلب خطوط إنتاج هذه الشركات قديمة، وبعضها لم يجدد منذ الستينات.
وقال وهبة الله إن لهذه الشركات مستحقات لدى الدولة تبلغ 600 مليون جنيه، فيما تعاني الشركات الحكومية من عدم قدرتها على تمويل الاستثمار اللازم لاستمرار تطورها، مطالبًا الحكومة مساندة الشركات التابعة للدولة ودعمها لوقف نزيف الخسائر فيها، خصوصًا أن هذا القطاع كان يساهم في السوق المحلية بما يقارب 80 في المئة، ونظرًا لعوامل كثيرة انخفضت هذه النسبة إلى 4 في المئة.
دور الدولة
أكد الدكتور مجدي حسن، الرئيس السابق للشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، ضرورة مساندة الدولة لقطاع الدواء الحكومي، نظرًا للدور الاجتماعي الذي يقوم به في توفير الدواء بأسعار مناسبة، quot;فيجب اعتبار مساندة شركات القطاع جزءًا من الحفاظ على الأمن القومي عن طريق تسهيل خطوات تسجيل الأدويةquot;.
وطالب حسن بوضع خطة قومية لمساندة القطاع، وتحريك أسعار الدواء المنتج بواسطة الشركات لتكون الأسعار مواكبة للسوق، والعمل على مواكبة التحديث والتطوير الذي يحدث في شركات الدواء العالمية، مشيرًا إلى خطة تنفذ على ثلاثة مستويات، quot;الأول يتعلق بشركات لا تحتاج لخطط مالية ضخمة لأنها ستطور نفسها في مواقعها الحالية، والثاني شركات تحتاج لتمويل لبناء مصانع جديدة في مواقعها الحالية، والثالث يتعلق ببناء مصانع جديدة في أماكن جديدة.
التعليقات