بدأ المواطن العراقي يقلل من نفقاته، ويتقشف في تأمين احتياجاته، ليحتفظ بما لديه من أموال، وظهر ذلك جليًا على أحوال السوق العراقية، التي لم تعد تشهد زحامات تسوق كانت معروفة بها، فيما يؤكد اقتصاديون أن هذا الانكماش له تأثير سلبي على الصناعيين المحليين والمستثمرين.

&
عبد الجبار العتابي من بغداد: تعيش الاسواق التجارية العراقية العادية او (المولات) انكماشًا واضحًا في حركة التسوق، بعدما استشعر المواطن العراقي قسوة عام 2016، وأكد المسؤولون في الحكومة العراقية ان هذا العام سيكون قاسيًا على العراق ماليًا، ومنهم وزير المالية، مع انتشار شائعات حول الاجراءات الحكومية التي قد تؤثر على ما يتقاضاه الموظف من راتب او ما سيدفعه من ضرائب وغير ذلك.&
&
منتزهات فحسب
فقد ضعفت حركة الناس في الاسواق العامة الكبيرة منها والصغيرة، وصار بعض التجار يشكون من ضعف التسوق، فيما تشهد المولات حركة عادية تتميز بالنزهات، وليس الشراء، إلى حد ان احد العاملين فيها قال ان المول تحول الى متنزه، ونسبة عدد المشترين قلت الى اكثر من&ثلثي النسبة في عام 2015.
&
وقد تجولت "إيلاف" في اهم المناطق التجارية، كالشورجة والكرادة والبياع والمنصور ومول المنصور، واطلعت على ضعف الحركة هناك، وعدم وجود الزحام الذي كانت تشهده هذه المناطق سابقًا، بل ان احد التجار في الكرادة اكد أن الناس تدخل الى محله، وتتفرج وتخرج، ولا تسأل عن الاسعار حتى، مشيرًا الى ان المواطن العراقي صار يخشى على الاموال التي بحوزته، ويعمل بالمثل القائل (القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود)، فالعراقيون تنتظرهم ايامًا صعبة ربما.
&
الاساسيات الحياتية
واكدت سلمى عبد الله، موظفة حكومية، ان الموظف صار يخشى على ما لديه من اموال، وقالت: الوضع غير المستقر جعل الخوف يتسرب الى قلوبنا خاصة مع تصريحات المسؤولين عن التقشف، وعدم قدرة الدولة على توفير الرواتب، وهذا ما جعلنا نتريث قليلاً في الانفاق، ونقتصر على الاساسيات الحياتية من دون هدر ولا تبذير.
&
اضافت: انا كربة بيتٍ تجدني أشعر بالخوف من المستقبل المجهول، وهذا من حقي، فلا ضرورة للانفاق الزائد، ولا لشراء الكماليات، ولا اخفي عليك اننا استعنا في الشتاء هذا بالملابس القديمة، وحتى المكياج حاولت كإمرأة وزوجة ان استعين بما لديّ منه، وبصراحة الوضع لا يطمئن، وعلينا شد الاحزمة كما يقال، حتى نرى ما يحدث والله يستر.
&
كساد ولكن
اما محمد جاسم، صاحب محل اسواق تجاري في الشورجة، فقد اكد ضعف التسوق منذ بداية السنة الجديدة، وقال: من الممكن ان اؤكد لك ان الناس باتت تخاف ان تصرف مثلما كانت تصرف في الأشهر الماضية، والسبب هو الوضع العام للبلد الفوضوي، وصعود الدولار يوميًا، وحيرة التجار، فالكثير من تجار الجملة غابوا عنا خلال الاسابيع الماضية، والسبب ان البضاعة لدى عملائهم لم تصرف بعد، وهذا يؤكد ان المواطن العراقي لم يعد مهتمًا بالنفقات، كما كان، بل انه يحافظ على مدخراته المالية وتنمية احتياطاته خاصة مع تصريحات بعض المسؤولين التي سببت الخوف للناس.
&
واضاف: اعتقد ان الكساد الحالي يؤثر سلبًا على الوضع الاقتصادي في البلد، فمن ناحية تريد الحكومة الاعتماد على الصناعة المحلية، ومن ناحية المواطن لا يشتري، وسوف تتوقف المعامل، وتكثر البطالة، لعدم وجود من يشتري هذه البضائع.
&
المستقبل المجهول
من جانبه، اكد حميد هاشم، صاحب محل تجاري في الكرادة، ان الناس لم تعد لديهم الرغبة في الشراء. وقال: لا مقارنة بين البيع قبل سنة أو اشهر على الاقل والان، فالنسبة تدنت كثيرًا، واعتقد ان الناس لا يريدون فقدان كل شيء، لان المستقبل المجهول يحتم عليهم الانفاق المبرمج المعتمد على الحاجات الضرورية، وليست الكمالية.
&
واضاف: الكثيرون يدخلون الى المحل، لكنهم يتفرجون ويخرجون، وطالما اسمع زوجة تقول لزوجها لنتفرج فقط، ونادرا ما يسأل احد عن سعر سلعة معينة، وهذا مؤشر إلى ان البعض يحتاط لمستقبله، وهذا حق مشروع، لأن الحكومة غير قادرة على مواجهة الشعب بالحقيقة.
&
فوائد واضرار
الى ذلك اكد المتخصص في الشأن الاقتصادي ضرغام محمد علي: ان الانكماش الاقتصادي الحالي الذي تعيشه الاسواق العراقية نتيجة التخوف من الانفاق سينعكس سلبًا على التوجه نحو الاستثمار والصناعة، وقال: السوق العراقية تشهد حالة انكماش في الانفاق الفردي والحكومي، انعكس على حركة الاسواق التي تعاني كسادًا في السلع وانخفاضًا بالسيولة النقدية.
&
واضاف: الانكماش سوف يتحقق لسببين، الاول قلة الانفاق الحكومي الاستثماري والتشغيلي، اللذين يعتبران من العوامل المحركة للسوق العراقية، والسبب الثاني تراجع مردود الرواتب، والذي تعتبر عائداته مشغل السوق المحلية لكون الدولة حاليًا هي من تملك سوق العمل، فما تنفقه على الرواتب يشغل السوق وحتى بوجود الرواتب فإن حالة القلق والترقب من انقطاعها ستؤدي الى قلة الانفاق، وبالتالي تتراكم السلع، ويقل الشراء، وتدخل السوق حالة ركود نسبي.
&
وتابع: هذه الحالة من شأنها ان تؤثر على الجاذبية الاستثمارية من جهة، وعلى عودة الصناعيين المحليين للانتاج من جهة أخرى. وأوضح: الامر لا يخلو من فوائد استحداث انماط استهلاكية مجتمعية قليلة التبذير، ويقلل من تدفق العملة الى الخارج، عبر تراجع استيراد السلع الكمالية والتركيز على الاساسية فقط.
&
وختم بالقول: من الضروري الآن الاستفادة من هذا المناخ برسم سياسات اقتصادية تشجّع على بقاء العملة الاجنبية داخل البلاد عبر تشجيع الزراعة والصناعات الاساسية.
&
مخاوف المستهلكين
اما الصحافي الاقتصادي ليث محمد رضا فقال: إن التعاملات التجارية السائدة في السنوات السابقة كانت تختص غالبًا بالسلع المستوردة التي أغرقت السوق، وكان تصاعد الميل الحدي نحو استهلاكها يمثل استنزافًا لثروة البلاد.
&
واضاف: أن الحديث عن أن تراجع الطلب على هذه السلع سيضر بالانتاج المحلي هو مبالغة افتراضية، لأن الانتاج المحلي مازال ضعيفًا وهامشيًا. وتابع: أن التراجع الراهن في الميل الحدي نحو الاستهلاك يعود الى المخاوف متوسطة الاجل، التي تسيطر على المستهلكين، لاسيما الموظفين منهم، من تراجع مدخولاتهم بسبب تراجع ايرادات الموازنة المالية العامة، قد يكون ايجابيًا أن استثمر لخلق حراك جديد من المبادرات الخاصة لمشاريع انتاجية متوسطة وصغيرة كانت غائبة بسبب تفضيل الوظيفة الحكومية الذي سيبدأ بالتراجع في ظل الصدمة الاقتصادية الحالية.
&