يوقع الاتحاد الاوروبي وكندا خلال قمة في بروكسل الاحد اتفاقية التبادل الحر بعد تأخير نجم من خلافات حادة داخل بلجيكا تشير الى ان نتائج المرحلة التالية التي تقضي بالمصادقة على النص في برلمانات كل الدول الاعضاء في الاتحاد، ليست محسومة.
بروكسل: حدد موعد افتتاح القمة عند الساعة 09:30 بتوقيت غرينتش لتوقيع الاتفاقية رسميًا في الساعة 11,00 ت غ. لكن الموعد ارجئ لساعة ونصف ساعة بسبب تأخر وصول رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي واجهت طائرته مشكلة تقنية عند الاقلاع من مطار اوتاوا.
ترودو متفائل
وتبنت الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مساء الجمعة، مجموعة النصوص التي تشكل الاتفاق. واعلن المجلس الاوروبي انه اصبح بذلك "جاهزا لتوقيعه". واعلن رئيس مجلس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك ان "المهمة انجزت!".
ورد رئيس الوزراء الكندي من جهته انه يتطلع للتوجه الى بروكسل لتوقيع الاتفاق. وكتب على موقع تويتر بعدما تحدث هاتفيا مع توسك ان "القمة بين كندا والاتحاد الاوروبي ستعقد الاحد. انه خبر رائع، واتطلع الى أن اكون هناك".
الرسالتان ايجابيتان وتنمان عن براغماتية كبيرة، لكنهما لا تزيلان بالكامل الشعور بالاستياء في الاتحاد الذي اهتز قبل ذلك بقرار بريطانيا الخروج منه وازمة المهاجرين والارهاب، بعد موجة الحماسة السياسية والرفض الذي احاط بتوقيع الاتفاق الهادف الى الغاء الرسوم الجمركية مع دولة صديقة.
الازمة الجديدة انطلقت هذه المرة من بلجيكا وبالتحديد من والونيا الناطقة بالفرنسية ويبلغ عدد سكانها 3,6 ملايين نسمة. وقد رفض برلمانها الموافقة على اتفاقية التبادل الحر كما يسمح له الدستور البلجيكي. وفي غياب توافق بلجيكي لم يكن من الممكن التوصل الى اتفاق اوروبي.
اثر ذلك على مصداقية الاتحاد الاوروبي. وقال ترودو "اذا كانت اوروبا عاجزة عن توقيع تفاهم تجاري تقدمي مع كندا، فمع من تفكر اوروبا ان تتعامل في السنوات المقبلة؟". ويخشى الوالون الذين اصبحوا الناطقين باسم المعارضين للاتفاقية، انعكاسات هذه البنود على القطاع الزراعي. وهم قلقون خصوصا من اتاحة الفرصة لاي مجموعة متعددة الجنسيات لتهاجم دولة تتبنى سياسات عامة مخالفة لمصالحها.
واكد المعارضون للاتفاقية انه لا يمكن ترك امر التحكيم في هذه الخلافات لمحكمة خاصة، مطالبين بضمانات للموافقة على النص. وادى بطء "المشاورات" الى تأجيل قمة كندية اوروبية اولى كانت مقررة الخميس في بروكسل. ولم يصدر من الاتحاد الاوروبي اي تصريح كان من شانه التاثير في المفاوضات الشاقة الجارية بين البلجيكيين. وقال ناطقون باسم الاتحاد "نحن نحترم هذه العملية الديموقراطية".
تطبيق جزئي
وتم التوصل الى اتفاق تسوية ظهر الخميس في نهاية المطاف، ويقضي بتعديل بعض الصفحات. وقال رئيس حكومة والونيا الاشتراكي انه سيكون هناك "اتفاقية مصححة (...) اكثر عدالة من الاتفاقية السابقة".
لكن في الواقع ليست هناك تعديلات كبيرة، بل اعلانات تكرر بنودا مدرجة اصلا في الاتفاقية، وتقدم في مجال تعيين قضاة محكمة التحكيم واعلان بلجيكا انها ستطلب من محكمة العدل التابعة للاتحاد الاوروبي التحقق من ان هذه المحكمة مطابقة للقانون الاوروبي.
قال وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندير، معبّرًا عن ارتياحه "لا شيئ بسيطا في بلجيكا لكن القليل من الاشياء مستحيلة". وما ان تم التوصل الى اتفاق بين البلجيكيين حتى قرر الاتحاد الاوروبي انتهاز الفرصة على الفور. وخلال ساعات الجمعة حصل على موافقة الدول الـ27 الاعضاء الاخرى ثم قرر تنظيم القمة اعتبارا من الاحد.
وبعد المصادقة على الاتفاقية، سيكون على الاتحاد الاوروبي مواجهة المرحلة التالية التي تتلخص بالمصادقة على النص من قبل البرلمانات الوطنية والاقليمية في كل دول الاتحاد الاوروبي ليصبح نهائيا. ويبدو ان هذا الامر لن يكون سهلا.
وقد بدأت حملة الترويج. فقد اكد رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الاوروبي ان النص "اتفاق حديث وتقدمي يفتح الباب لفرص جديدة ويحمي المصالح المهمة في الوقت نفسه". واضاف "انه يتضمن ايضا امكانية الطرق التي يجب اتباعها للاتفاقات التجارية المقبلة"، بينما يجري التفاوض مع الولايات المتحدة حول اتفاق آخر عبر الاطلسي اكثر طموحا.
مضمون الاتفاق
اصطدمت المعاهدة التجارية التي ستوقع الاحد بين كندا والاتحاد الاوروبي (سيتا)، ويصفها المسؤولون الاوروبيون بأنها "اتفاق نموذجي" للتبادل الحر، بمعارضة حادة، على غرار الشراكة الاطلسية للتجارة والاستثمار (تافتا) الذي تجرى مناقشتها في الوقت الراهن مع الولايات المتحدة.
والمعاهدة التجارية بين كندا والاتحاد الاوروبي التي كان الطرفان يجريان مناقشات في شأنها منذ سبع سنوات، وتعد وثيقة ضخمة من اكثر من 1600 صفحة، ستلغي اكثر من 99% الرسوم الجمركية بين الاتحاد الاوروبي وكندا.
واوتاوا هي الشريك الثاني عشر لبروكسل على صعيد الاستيراد (1.6% من واردات الاتحاد الاوروبي)، والثالث عشر الذي يعنى بالصادرات (2%)، كما تفيد الارقام التي نشرها معهد يوروسات للاحصاءات. وبلغ الفائض التجاري للاتحاد الاوروبي مع كندا في 2015، 6.9 مليارات يورو على صعيد السلع و3.8 مليارات على صعيد الخدمات.
وتؤكد بروكسل ان قيمة الرسوم الجمركية التي ستلغيها كندا للمنتجات الآتية من الاتحاد الاوروبي، تبلغ 500 مليون يورو سنويا. وبين الاستثناءات، بعض المنتجات الزراعية، مثل لحوم البقر والخنازير، على صعيد كندا-الاتحاد الاوروبي، التي لا تزال تخضع لنظام الحصص.
يؤمّن الاتفاق ايضا حماية اضافية لـ 143 سلعة محددة، منها 42 فرنسية مثل "روكفور" و"سان-نكتير" و"برونو داجين". وبفضل معاهدة سيتا، بات في وسع المؤسسات الاوروبية الوصول الى الاسواق العامة الكندية، بما فيها اسواق المدن والاقاليم التي تدير قسما كبيرا من النفقات العامة. ويعتبر هذا الامر تقدما حقيقيا للاوروبيين الذين اتاحوا للشركات الكندية مجالا واسعا للوصول الى اسواقهم.
ولن يعدل الاتفاق الذي يشمل اكثر من 500 مليون اوروبي و35 مليون كندي، القواعد الاوروبية حول سلامة الغذاء او حماية البيئة. ويستهدف في المقابل تحسين التعاون بين المنظمات الاوروبية والكندية حول هذه المعايير. لذلك لا يمكن استيراد المنتجات الكندية الى الاتحاد الاوروبي إلا اذا احترمت النظم المعتمدة في هذا التكتل، ولن يسمح باستيراد الابقار المحقونة بالهورمون.
محكمة التحكيم
تتمحور النقطة البالغة الحساسية حول الامكانية المتاحة لشركة متعددة الجنسية تستثمر في الخارج برفع شكوى على دولة يمكن ان تطبق سياسة عامة تتناقض مع مصالحها. وقد اتاحت هذه الالية لشركة فيليب موريس رفع شكوى على الاورغواي بسبب سياستها التي تضيق على التبع او لشركة اوشن غولد المنجمية العملاقة رفع شكوى على السلفادور لانها رفضت منحها ترخيصا بالاستثمار لاسباب بيئية.
وستتألف المحكمة الدائمة التي انشأتها المعاهدة التجارية بين كندا والاتحاد الاوروبي، من 15 قاضيا يعينهم الاتحاد الاوروبي وكندا. وستكون الجلسات علنية، وسيكون ممكنا التقدم باستئناف. وقال مفاوض اوروبي انها نوع من محكمة عامة للاستثمارات تفتح الطريق لمحكمة دولية للاستثمارات.
وتتخوف المنظمات غير الحكومية من ان يكون عناصر التحكيم هؤلاء محامين للاعمال التي تقوم بها شركات خاصة. لكن بلجيكا حصلت على تنازلات حول طريقة التعيين، حتى تتأكد من ان ذلك لن يحصل، كما اعرب عن ارتياحه رئيس منطقة والونيا الناطقة بالفرنسية، الاشتراكي بول مانيات الذي خاض المعركة باسم معارضي اتفاق سيتا.
ولدى توقيع المعاهدة بالاحرف الاولى الاحد في بروكسل، يتعين على البرلمان الاوروبي والبرلمان الكندي الموافقة عليه، حتى يدخل حيز التطبيق بشكل مؤقت، وخصوصا حول الاجراءات التي تدخل مجال الاختصاص الحصري للاتحاد الاوروبي.
ومن الفصول المستبعدة بصورة مؤقتة، محكمة التحكيم الشهيرة هذه. واذا حصل خلاف مع دولة، ستتمكن مؤسسة ما من الاستمرار في رفع الشكوى امام قضاء البلد المعني او غرفة التحكيم الدولية في باريس على سبيل المثال. وما زالت معاهدة "سيتا" تواجه عقبة كبيرة: فحتى تدخل نهائيا حيز التطبيق، يتعين على مختلف البرلمانات الوطنية والاقليمية في الاتحاد الاوروبي التصديق عليها. وقد تستغرق هذه العملية سنوات.
التعليقات