حذر مسؤولون اميركيون الشركات الاوروبية من التعجل في دخول السوق الايرانية قبل ان تدرس المحاذير والمطبات التي يمكن ان تقع فيها، ولا سيما أن غالبية المؤسسات الإيرانية ترتبط بجهات لا تزال تخضع للعقوبات.
واشنطن: قال كيفان هاريس الباحث في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس، ومحسن صفائي فراهاني، نائب وزير الصناعة الايراني الأسبق، إن أكثر من نصف الاقتصاد الايراني تديره شركات أهلية كاذبة ترتبط بمؤسسات تديرها الدولة بصورة غير مباشرة، مثل الحرس الثوري، الذي لا يزال مشمولًا بالعقوبات الاوروبية والاميركية على السواء.
وكان وفد من وزارة الخزانة الاميركية عقد اجتماعا في فرانكفورت الشهر الماضي، بحضور ممثلين تجاريين ألمان ومسؤولين من وزارة الخارجية الايرانية، قد أوصى فيه الاميركيون بأن يوكّل كل رجل اعمال اوروبي وكل شركة اوروبية محامين يستشيرهم قبل التعامل مع الايرانيين، وقال مصدر حضر الاجتماع لصحيفة الغارديان: "إن هذا امر محبط لمن يريد، مثلًا، عقد صفقة تسليم بضائع لمرة واحدة قيمتها مليون دولار".
راعية للإرهاب
وتأمل المانيا في رفع تجارتها مع ايران الى مستواها قبل العقوبات، حيث كانت ايران شريكها الاقتصادي الرئيس في الشرق الأوسط، وقال ايليا نوتناغل، مدير السياسة الاقتصادية الدولية في اتحاد غرف التجارة والصناعة الالماني، إن زيادة الصادرات الالمانية إلى ايران من 2.5 مليار يورو حاليا الى 10 مليارات يورو هدف واقعي على المدى الأبعد.
وفي حين ان مصارف اوروبية كبيرة، بينها مصارف بلجيكية والمانية واسترالية، استأنفت تعاملها مع ايران، فإن سنوات قد تمرّ قبل ان يُرد الاعتبار لايران بنظر المؤسسات المالية الكبرى التي لها نشاطات واسعة في الولايات المتحدة.
وبموجب الاتفاق النووي، فإن ايران لم تعد مستبعدة من المؤسسات المالية غير الاميركية، ولكن مصارف في انحاء العالم تنظر بحذر الى دول مثل ايران، ولا سيما أنها مدرجة على قائمة الولايات المتحدة بالدول الراعية للارهاب، وتخشى العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الاميركية على المصارف المخالفة، مثل "بي ان بي باريبا" الفرنسي، الذي فُرضت عليه اكبر غرامة حتى الآن، وقد بلغت 8.9 مليارات دولار في عام 2014، وبالتالي فإن التعامل مع ايران لا يزال محفوفا بالمخاطر بنظر هذه المصارف.
وقال رجل الأعمال الايراني أسد الله عسكراولادي لوكالة انباء ايسنا الايرانية: "إن وفدا من هونغ كونغ زار ايران وتحادثوا لمدة ساعتين، لكنهم يخافون البدء بالتعاون. إذ قيل لهم ان في التعامل مع ايران خطورة، والمصارف الاوروبية خائفة للسبب نفسه". لكن عضو الوفد الاميركي في المفاوضات النووية مع ايران ريتشارد نيفيو قال إن الشركات التي تبدي ما يلزم من الحذر يجب ألا تقاطع ايران، واشار الى ان سبب الكثير من الغرامات التي فُرضت في السابق كان نتيجة اعمال مثل إزالة اسماء الصفقات المصرفية وتمويه هوية الطرف الآخر في الصفقة.
اعتبارات سياسية
وتاريخيًا، كان تنفيذ العقوبات الدولية التي تفرضها وزارة الخزانة الاميركية يتأثر بالاعتبارات السياسية و"النغمة العامة في ذلك اليوم"، بحسب المحامي الاميركي ذي الأصل الايراني فرهاد علوي. فالعديد من العقوبات تُفرض بموجب اوامر تنفيذية، ولا تكون دائما بالأسود والأبيض في تأويل المحامين لها، واضاف: "ان وزارة الخزانة قد لا تعاقب كل من يخالف، ولكن تنفيذ عقوباتها يمكن ان يكون شديدًا بكل تأكيد عندما تحقق في الأمر".
وهناك سوابق، منها ان وزارة الخزانة فرضت العام الماضي غرامة قدرها 258.66 مليون دولار على "كوميرتس بنك" الالماني لارتكابه مخالفات، بينها "حذف أو ازالة اشارات الى مؤسسات مالية ايرانية والاستعاضة من المعلومات المصرفية الأصلية باسم كوميرتس بنك في رسائل مدفوعات موجهة الى مؤسسات مالية اميركية"، وبحسب وزارة الخزانة الاميركية، فإن المصرف الالماني كان يخدم صفقات ايرانية "يدويا" لتفادي النظام الآلي المتعارف عليه.
واتخذت وزارة الخزانة الاميركية اجراءات تحظر على المصارف الايرانية فتح خطوط اعتماد بالدولار لتمكين الاستيراد والتصدير، كما ان ايران لا تزال ممنوعة من استخدام احتياطاتها النقدية بالدولار في الحسابات المصرفية الخارجية. وفيما تدرس ادارة اوباما اتخاذ خطوات تشريعية لتخفيف هذه القيود، فإنها تواجه معارضة من الجمهوريين، وقال رجل الأعمال الايراني عسكراولادي إن الشركات الايرانية ستستمر في تحويل الدولارات عن طريق أطراف ثالثة، كما هي الحال منذ عقود، ما لم يُحل الوضع الحالي.
ضغوط اقتصادية
ويجيز الاتفاق النووي للشركات الاميركية العاملة في قطاعات مثل الطيران المدني وصناعة السيارات والصناعة الصيدلانية، ان تطلب من وزارة الخزانة ترخيصا للتعامل مع ايران، كما ان فروع الشركات الاميركية الأم في الخارج معفاة من العقوبات المتبقية ضد ايران، ولكن العقوبات التي لا تزال سارية على الجيش الايراني، بما في ذلك الحرس الثوري الايراني، ما يعني أن هناك ضغوطًا اقتصادية تحاول الادارة الاميركية ممارستها على ايران لمعالجة بواعث قلق اخرى، بحسب عضو الوفد الاميركي المفاوض في المحادثات النووية ريتشارد نيفيو.
وتعني بواعث القلق هذه، ارتباطا بنشاطات ايران العسكرية في الشرق الأوسط، ان وزارة الخزانة الاميركية لا تزال قادرة على استهداف شركات اجنبية يمكن ان تجد انها تتعامل مع الحرس الثوري الايراني، وبالنسبة لشركة اوروبية، فإن هذا قد يعني انهاء نشاطها في الولايات المتحدة وادراجها على قائمة الشركات المتهربة من الالتزام بالعقوبات، كما ان الحرس الثوري الايراني لا يزال مشمولا بعقوبات اوروبية، الأمر الذي يعني انه حتى الشركات الاوروبية الصغيرة، التي ليس لها مصالح في الولايات المتحدة، تنظر بحذر الى التعامل مع ايران.
وتواجه الشركات الغربية تحديات عديدة في تحديد هوية الشركاء الايرانيين المتعاملين معها. فإجراءات الخصخصة التي أُتخذت في عهد الرئيس محمود احمدي نجاد شهدت بيع 80 في المئة من مؤسسات الدولة الى كيانات اهلية كاذبة: مصارف ومؤسسات عسكرية وكيانات دينية وصناديق تقاعدية ومشاريع للرعاية الاجتماعية. ويمكن ان تنتقل ملكية هذه المؤسسات بسهولة في بورصة طهران. وعليه فإن المصارف التي يشارك في ملكيتها مساهمون يرتبطون بالحرس الثوري الايراني ومؤسسات دينية يديرها مكتب المرشد الأعلى تغير ادارتها ومجالس الاشراف عليها بصورة منتظمة.
عوامل تخفيف
ورُفعت اسماء عشرات الأفراد والكيانات المرتبطين بالحرس الثوري الايراني من قوائم العقوبات الاميركية والاوروبية والأممية منذ توقيع الاتفاق النووي، ولا تزال شركات اخرى، مثل شركة خاتم الأنبياء للانشاء، المرتبطة بالحرس الثوري الايراني، مدرجة على قائمة العقوبات الاميركية، في حين انها رُفعت من القائمة الاوروبية. ولكن ادارة اوباما تريد دعم حكومة الرئيس حسن روحاني التي تحتاج الى استثمارات أجنبية لتنفيذ وعودها الاقتصادية، ولكن استهداف كل من له ارتباط بالحرس الثوري الايراني يعني غلق القسم الأعظم من السوق الايرانية بوجه الشركات الغربية. وقال نيفيو انه "ليس بالامكان معاقبة احد بسبب تعامله مع شخص ابن عمه في الحرس الثوري الايراني، وليس بالامكان معاقبة احد بسبب تعامله مع شخص كان قبل 20 عاما في الحرس الثوري الايراني".
ورغم ذلك فان الشركات الاوروبية التي تريد ان يكون لها وجود طويل الأمد في ايران، تتحرك بحذر شديد. وعلى سبيل المثال، فإن شركة بي أم دبليو الالمانية لصناعة السيارات تعاقدت مع مكاتب استشارية من باب التحوط، بما في ذلك اجراء تدقيقات في سيرة الشركاء الايرانيين المحتملين. وقال استشاري لصحيفة الغارديان إن الرسم المتعارف عليه عن تدقيق تاريخ شركة ايرانية، بما في ذلك سيرة رئيسها التنفيذي وهيكل ملكية الشركة، يبلغ نحو 2500 دولار.
وبحسب المفاوض الاميركي السابق ريتشارد نيفيو، فان الاحتفاظ بملفات لمثل هذه المعلومات يمكن ان يكون عامل تخفيف يساعد في تفادي التعرض الى غرامات تفرضها وزارة الخزانة. وشدد نيفيو على ضرورة ان تتوثق الشركة التي تريد التعامل مع ايران مما إذا كان للحرس الثوري ضلع في مثل هذا النشاط.
التعليقات