صدر أمر ملكي بتعيين المهندس خالد الفالح وزيرًا للطاقة والصناعة والثروة المعدنية خلفًا لعلي النعيمي، في قرار يراه المراقبون والمحللون النفطيون تصحيحيًا في المسار النفطي السعودي، واستعادة لدور المملكة الرئيس في صوغ سياسة أوبك العالمية.
&
لندن
: أمر الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إعادة هيكلة أجهزة مجلس الوزراء وإلغاء عدد من المجالس والهيئات، وتأليف مجلسين، خصص أحدهما للشؤون السياسية الأمنية والآخر للشؤون الاقتصادية، مع إلغاء عدد من الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية ودمجها وترتيبها بما ينسجم مع استمرار مسيرة التنمية والتطوير، ومع رؤية السعودية 2030 الاقتصادية، وبما يحقق التطلعات المرجوة من ممارسة أجهزة الدولة مهامها وإختصاصاتها على أكمل وجه، وبما يرتقي بمستوى الخدمات المقدمة إلى المواطن والمقيم وصولًا إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة.

استدعى ذلك كله إلغاء اختصاصات عدد من الوزارات والأجهزة والهيئات العامة والمصالح الحكومية ودمجها وترتيبها بهدف تركيز المسؤوليات ووضوحها، وتسهيل الإجراءات لتوفير أفضل الخدمات بما ينسجم مع سياسة الدولة.
&
النعيمي خارج الصورة

فقد أصدر الملك سلمان أمرًا ملكيًا قضى بتعيين المهندس خالد الفالح وزيرًا للطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وهي التسمية الجديدة لوزارة البترول والثروة المعدنية، التي تغيّر اسمها بمقتضى الأوامر الملكية التي صدرت السبت 7 مايو الحالي، التي هدفت إلى هيكلة عدد من وزارات الدولة ومؤسساتها ودمجها وتعديلها، وتضمنت إعفاء المهندس علي النعيمي من منصبه، ليكون آخر وزير في وزارة البترول والثروة المعدنية. وكان الفالح مكلفًا بحقيبة الصحة التي أعفي منها.

أما علي بن إبراهيم النعيمي فقد ولد في عام 1935، وتولى منصب وزير البترول والثروة المعدنية في السعودية في أغسطس 1995، وتولى قبلها منصبي رئيس وكبير الإداريين التنفيذيين في شركة أرامكو السعودية فترةً تزيد على عشر سنوات.

ويوم الأحد الماضي، ودعته وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بحضور الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، نائب وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، والأمير فيصل بن تركي بن عبدالعزيز، المستشار في الوزارة، والمستشار لشؤون الشركات عبدالرحمن بن عبدالكريم، ومنسوبي وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية. وأعرب النعيمي عن شكره لمنسوبي الوزارة وما قاموا به من جهود كبيرة، أسهمت في تحقيق العديد من الإنجازات خلال فترة وزارته، وقال: "أنتم وراء ما حققناه من إنجازات، أما نحن فقط نصدر أوامر وتعليمات، ولو لم يقم أحد بتنفيذ هذه التعليمات لما تحقق شيء". وأثنى الفالح على العمل المميز الذي قام به النعيمي أكثر من 20 عامًا في الوزارة. والمعروف أن منظمة أوبك شهدت في عهد توليه وزارة النفط والثروة المعدنية تطوّرًا هائلًا، حيث أصبحت منظمة اقتصادية دولية لا علاقة لها بأي جوانب أخرى. وتم تكليفه من القيادة السعودية بالإشراف على تأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنية، وأصبح رئيس الأمناء فيها لاحقًا.
&
همس ولمز

على الرغم من إنجازاته، إلا أن موقعه في الوزارة موضوع نقاش وتكهنات غير معلنة بين متابعين للساحة النفطية السعودية منذ انهيار أسعار النفط في صيف 2014. وهناك من يلوم النعيمي على هذا الانهيار ويقول إنه أخطأ في حساباته لأنه ما زال يفكر في صراع الستينيات والسبعينيات.

وكان آخر التساؤلات عن مصير النعيمي في التغييرات السعودية حين غاب عن استقبال الرئيس الصيني شي جين بينغ في يناير الماضي، وعن الصورة التي جمعت خادم الحرمين بالرئيس الصيني وخالد الفالح.

وكان الهمس ساد قبل&أشهر في شأن مصير النعيمي، فقيل إنه خلافًا لأسلافه عبدالله الطريقي وأحمد زكي يماني وهشام ناظر، لم يؤسس النعيمي لجيل جديد أو يحاول الاستثمار في عناصر جديدة. يروي ناظر الذي توفي العام المنصرم أنه في يوم تخرجه فوجئ باتصال هاتفي من الطريقي ليعينه مديرًا لمكتبه ثم مديرًا عامًا للوزارة. وكذلك فعل ناظر حين تولى الوزارة، فخرّج مواهب أدت دورًا فاعلًا في الدولة. كما قيل إنه اعتمد في مشاريعه على أرامكو من دون تنشيط الوزارة، ما جعلها لقمة سائغة للتغييرات الاخيرة، فانفصلت عنها "أرامكو" ثم "معادن" وأصبحت بلا أجنحة، والحاجة تستدعي تشبيب الوزارة وتعزيز دورها على مستوى تسعير النفط والعلاقة بأوبك.
&
بداية الانهيار المستمر

في الآونة الأخيرة، تساءل المراقبون والمحللون النفطيون عن السياسة النفطية السعودية، وعمن يرسمها وينفذها، وعن تغيير دور أوبك التقليدي من الدفاع عن الأسعار إلى الدفاع عن الحصص، حتى مع وصول سعر برميل النفط إلى 10 دولارات. كما كثرت الموضوعات الصحفية المنشورة في& الصحف الأميركية والبريطانية التي سألت عن المسؤول عن السياسة النفطية الكارثية التي تنتهجها أوبك بقيادة السعودية، والتي ربما تسبب تدمير الاقتصاد العالمي.

من هذه الموضوعات ما ربط تدهور قيمة الأسهم في الصين ولندن وول ستريت بانخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2003. ركزت هذه التساؤلات المشروعة على دور النعيمي في انهيار اسعار النفظ، وفي الهزة التي عصفت بأسواق العالم.

في منتصف يناير 2015، عبّرت الأسواق العالمية عن خشيتها من وصول الانتاج النفطي السعودي إلى 10.50 ملايين برميل يوميًا، وأشارت الوكالات الاخبارية في مطلع العام نفسه إلى أن السعودية لم تكن متعجلة في تغيير سياستها الانتاجية، خصوصًا أن احتياطاتها من العملات الصعبة تزيد على 750 مليار دولار وتكفي لتغطية أي عجز في الميزانية. البعض فسر هذا الموقف السعودي المتزمت بخيبة أمل المملكة من ادارة الرئيس الأميركي باراك اوباما التي اتخذت مواقف سلبية من قضايا تهم السعودية استراتيجيًا واقتصاديًا، فكان أن أعلنت السعودية حربًا غير معلنة على منتجي النفط الصخري، بينما ينبغي عدم تجاهل الموقف الايراني العدائي للسعودية في ملفات اقليمية ساخنة، كالملفين السوري واليمني.

وقالت ديلي تلغراف البريطانية إن ثمة من يرى أن سياسة النعيمي الخرقاء أدت إلى انهيار الأسعار، وإلى خروج اعداء أقوياء له في داخل المملكة وفي خارجها، خصوصًا أنه كان وراء قرار أوبك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 عدم خفض سقف الإنتاج والسعي إلى الحفاظ على نصيب المنظمة من سوق النفط، فكانت بداية انهيار لم يتوقف حتى الآن.
&
مغزى التعديلات

يبدو أن التعديلات التي طرأت على فريق رسم سياسات الطاقة في السعودية منذ تولي الملك سلمان الحكم في أواخر يناير 2015 أتاحت رسم &استراتيجية نفطية جديدة ومختلفة. وكان أبرز هذه التعديلات ترقية الأمير عبد العزيز بن سلمان، نجل الملك وأحد الأعضاء الدائمين في وفد المملكة في اجتماعات أوبك منذ مدة طويلة إلى منصب نائب وزير البترول والثروة المعدنية بدلًا من منصب مساعد الوزير الذي شغله سنوات عدة، وتشكيل الملك سلمان هيئة جديدة لتحل محل المجلس الأعلى لشؤون البترول، وتعيين نجله الأمير محمد رئيسًا للمجلس الأعلى للتنمية الاقتصادية.

والواضح أن الملك سلمان يؤسس لنقلة "عمرية" في قيادة المملكة، وخصوصًا في قطاع تطوير الاستراتيجيا النفطية في الطاقة والاقتصاد. وفسر مسؤولون ذلك بقولهم إن هذا يضمن أن يوجه الملك السياسات السعودية بنفسه، من خلال جناحين متساويين، فيدير السياسة الداخلية من خلال الأمير محمد، والسياستين الاقتصادية والنفطية من خلال الأمير عبد العزيز، في عملية متوائمة ومتكاملة. واليوم، مع تعيين الفالح التكنوقراطي المخضرم وزيرًا للطاقة والصناعة والثروة المعدنية، بقرار أنهى تكهنات بتعيين أمير وزيرًا على رأس هذه الوزارة، هل تتغير السياسة السعودية النفطية وكيف؟ الجواب في آتي الأيام.
&
&